في تطورات متسارعة قد تزيد من مخاطر المواجهة بين إيران وواشنطن قبل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة قالت في تقرير سري، الأربعاء 13 يناير/كانون الثاني 2021، إن إيران اتخذت خطوة جديدة مهمة نحو إنتاج محتمل للأسلحة النووية.
وخلال الشهور الأخيرة، تجاوزت إيران مراراً الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية، مِمَّا قلَّصَ الوقت الذي ستحتاجه لإنتاج سلاحٍ نووي. وعرَّضَت "الانتهاكات" التي جاءت رداً على العقوبات الأمريكية، بقاء الاتفاق للخطر، في حين ساعَدَ الاتفاق في رفع العقوبات وانفتاح إيران على العمل مع الغرب، قبل أن يدمره دونالد ترامب.
إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة نقاء 20%.. ماذا يعني ذلك؟
وظهر التطوُّر الأخير في 13 يناير/كانون الثاني حين أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدول الأعضاء في تقريرٍ سري أن إيران أبلغتها في ديسمبر/كانون الأول بأنها تخطِّط لبدء إنتاج اليورانيوم، وهي مادةٌ حيوية للأسلحة النووية. وتقول إيران إنها تفعل ذلك لأغراضٍ مدنية.
جاء هذا الكشف بعد أسبوعٍ من قيام إيران بإحدى أكبر خطواتها حتى الآن لخرق اتفاق 2015، إذ أعلنت أنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 20%، وهذا يتجاوز "الخط الأحمر" الذي حدَّدَته القوى الأوروبية التي لا تزال طرفاً في الاتفاق الذي أُبرِمَ سابقاً.
وأثار الكشف الأخير عن خطط إنتاج اليورانيوم -الذي له فائدةٌ مدنية محدودة- قلق المسؤولين الغربيين بشأن ما إذا كانت إيران تستعد لاستئناف العمل نحو إنتاج سلاحٍ نووي، كما تقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
يحدُّ الاتفاق النووي لعام 2015 من تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 3.67%. ولا يزال مستوى تخصيب إيران لليورانيوم بعيداً عن اليورانيوم المُستخدَم في صنع الأسلحة، والذي يُخصَّب بنسبة 90%. ولكن عند التخصيب بنسبة 20%، فإن الوقت الذي تحتاجه طهران لإنتاج مستوى الوقود اللازم لسلاح نووي ينخفض بشكلٍ كبير.
ما المهم أن إيران تخطِّط لإنتاج اليورانيوم؟
غالباً ما يُستخدَم اليورانيوم في إنتاج الأسلحة النووية كعنصرٍ جوهري. وسيكون إنتاج هذه المادة -الذي لم يبدأ بعد- انتهاكاً واضحاً لاتفاق إيران النووي لعام 2015 مع القوى العالمية، والذي وافقت فيه إيران على وقفٍ لمدة 15 عاماً لإنتاج اليورانيوم والبلوتونيوم المعدني.
وبالنظر إلى استخدام اليورانيوم في الأسلحة النووية والحظر المفروض على إيران لإنتاج هذه المادة، فإن إنتاج كمياتٍ صغيرة يثير تساؤلاتٍ حول إصرار إيران على أنها لا تسعى لامتلاك أسلحةٍ نووية. وتقول إيران إنها ستستخدم معدن اليورانيوم لإنتاج وقود أكثر تقدُّماً لمفاعلها البحثي في طهران. لكن الكشف يشير إلى أن إيران تريد إبقاء خياراتها مفتوحة.
ويمكن أن يصبح إنتاج اليورانيوم نقطة اشتعالٍ بين الولايات المتحدة وإيران، إذ استأنف الرئيس المُنتَخب جو بايدن المحادثات مع طهران لإعادة الدخول في الاتفاق النووي. وقد تسعى إيران لاستخدام ذلك كقوةٍ تفاوضية لها، حيث يمكن أن تعرض وقف الإنتاج كورقة مساومة.
ومع ذلك، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران قالت إن الأمر سيستغرق من أربعة إلى خمسة أشهر فقط لتركيب المعدَّات لبدء المرحلة الأولى من إنتاج اليورانيوم. لذلك قد يكون إنتاج المواد بعيداً بعض الشيء.
وفق تحليل نشرته شبكة "سي إن بي سي" فإن هذه الممارسات ستشكل تحدياً أمام إدارة الرئيس المنتخب، جو بايدن، وستجعل مهمته أصعب في التعامل مع طهران. ووصف التحليل ما تقوم به إيران بـ "لعبة الدجاج" الخطرة، وهي إحدى النماذج لتحليل الصراعات بين طرفين، حيث يتقابل الخصمان وجها لوجه في مواجهة مباشرة، والفائز هو من يستمر بخط سيره من دون الخروج عن المسار، فيما يقوم الخاسر بالانحراف عن المسار خوفاً من الاصطدام بالخصم.
وتقول آن هارينغتون، المحللة السياسية المتخصصة بالأسلحة النووية في جامعة كارديف ويلز، لشبكة "سي إن بي سي" إن إيران تريد تعظيم الاستفادة للتفاوض مع إدارة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي كما هو، ومن دون إعادة التفاوض حول بنود الاتفاق مرة ثانية.
هل تستطيع إيران إنتاج سلاح نووي بهذا المخزون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكم من الوقت سيستغرق؟
منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في العام 2018، تراكم لدى إيران مخزونٌ من اليورانيوم منخفض التخصيب يبلغ 2443 كيلوغراماً، أي أكثر من 12 ضعف الكمية المسموح بها بموجب اتفاق 2015، وفقاً لتقرير نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي منظمة مراقبة تابعة للأمم المتحدة.
ويبلغ أقصى نقاء لهذا المخزون الحالي 4.5%، ومع ذلك إذا خُصِّبَ المجموع إلى درجة صنع الأسلحة -90% تخصيب- فإن إيران سيكون لديها ما يكفي من المواد لسلاحين، كما يقول بعض الخبراء.
ويختلف الخبراء حول المدة التي ستستغرقها إيران لإنتاج سلاح نووي. ويقدِّر بعض المسؤولين الغربيين أن الأمر سيستغرق من إيران سنتين إلى ثلاث سنوات لإنتاج رأس نووي بافتراض عدم تدخُّل أجنبي. ويعتقد آخرون، مثل ديفيد أولبرايت، مفتِّش الأسلحة السابق ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، أن إيران يمكن أن تُطلِق جهاز اختبار في غضون تسعة أشهر، وأن تبني سلاحاً نووياً في خلال عام، وبعد عامين يمكنها أن تثبِّت رأساً نووياً على صاروخ باليستي.
المجهول الأكبر في الأمر هو مدى قرب عمل إيران السابق من إتقان بناء وتركيب رأس نووي على صاروخ. أظهرت غارةٌ إسرائيلية على أرشيفٍ نووي إيراني في عام 2018 أن طهران احتفظت بالكثير من خبرتها في مجال الأسلحة النووية من برنامج أسلحتها السابق.
هل انهار الاتفاق النووي إذاً؟
منذ انسحاب إدارة ترامب من الصفقة وإعادة فرض العقوبات على إيران، كافحت الأطراف المتبقية في الصفقة- وخاصةً المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا- لإبقائها على قيد الحياة.
ونظراً إلى أن العقوبات الأمريكية منعت الدول الأوروبية من تزويد إيران بالمزايا الاقتصادية التي كانت تتوقَّعها من الصفقة، فقد انتهكت طهران بشكلٍ تدريجي شروطها الرئيسية. ورفعت إيران مستويات تخصيب اليورانيوم وخرقت القيود المفروضة على مخزونها المسموح به للضغط على الشركاء الأوروبيين في الاتفاق من أجل تخفيف العقوبات.
وتقول إدارة ترامب إنها تحرَّكَت لإجبار إيران على التفاوض من أجل اتفاقٍ أمني أوسع من شأنه أيضاً تقليص الأنشطة العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط وكذلك برنامجها التقليدي للصواريخ الباليستية.
كيف يجري تنفيذ صفقة إيران حالياً؟
بموجب الاتفاقية النووية، يُسمَح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية للتحقُّق من الاستخدام المدني لجميع المواد النووية في إيران. كان مفتِّشو الأمم المتحدة حاضرين في منشأة فوردو الإيرانية في يناير/كانون الثاني للإشراف على إزالة ختم الوكالة من أسطوانةٍ تحتوي على اليورانيوم بنسبة 4.1%. في تلك المرحلة، بدأت إيران تخصيب المادة إلى 20%. وتتمتَّع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذه الحقوق بموجب البروتوكول الإضافي للاشتباه في المواقع غير النووية.
وبعد مقتل العالم النووي الإيراني البارز في هجوم نوفمبر/تشرين الثاني الذي تلقي طهران باللوم فيه على إسرائيل، أقرَّ المُشرِّعون الإيرانيون مشروع قانون يسمح للحكومة بالتوقُّف عن تنفيذ البروتوكول الإضافي، الذي من شأنه أن يمنع مُفتِّشي الأمم المتحدة من الوصول إلى المواقع المشبوهة أو المرتبطة بالطاقة النووية.
ألزم القانون الإيراني الجديد الحكومة الإيرانية بزيادة التخصيب النووي إلى 20% إذا لم تخفِّف الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي من العقوبات المصرفية والنفطية في غضون شهر. وعندما لم يحدث ذلك، قالت إيران في يناير/كانون الثاني إنها بدأت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%.
كيف أثَّرَت سلسلة الهجمات على المحطَّات النووية والعلماء على برنامج إيران النووي؟
لم يمنع مقتل العالم النووي الإيراني الكبير محسن فخري زادة العام الماضي، والانفجار الذي وَقَعَ في يوليو/تموز في الموقع النووي الإيراني الرئيسي في نطنز، إيران من تخصيب اليورانيوم- أو عملها في برنامج الصواريخ الباليستية. وقد أدَّى برنامج إيران النووي إلى استمرار الهجمات الإلكترونية والتخريب والاغتيالات السابقة، لكن المعرفة الكامنة وراء عملها النووي راسخة جيِّداً بين عشرات العلماء.
ومع ذلك، شكَّلَت الأحداث تحدياتٍ جديدة بالنسبة لطهران. كان فخري زادة يُعتَبَر بمثابة الأب بالنسبة لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين. وبمقتله، فقدت إيران مديراً ذا معرفةٍ لا مثيل لها بعمل إيران السابق وقدراتها الحالية، ومن المُرجَّح أن يبطئ ذلك أيَّ سباقٍ نحو قنبلةٍ نووية.
أدَّى الانفجار والحرائق في نطنز إلى تدمير قاعة تجميع للطرد المركزي، وكشف ثغراتٍ صارخة في أمنها. قد تدفع الهجمات إيران إلى نقل المزيد من الأنشطة السرية وتطبيق إجراءاتٍ أمنية أكثر صرامة، مِمَّا قد يؤدي إلى تعقيداتٍ لوجستية، وبالتالي إبطاء عملية التخصيب.
هل لدى إيران خيارات أخرى لإنتاج سلاح نووي؟
هناك طريقان لصنع سلاح نووي: اليورانيوم والبلوتونيوم. كانت القنبلة التي أسقطتها الولايات المتحدة عام 1945 على مدينة ناغازاكي اليابانية قنبلة بلوتونيوم، بينما اشتقَّ السلاح المستخدم في هيروشيما قوته التفجيرية من اليورانيوم المُخصَّب. وعملت إيران تاريخياً على كليهما، لكن تخصيب اليورانيوم كان الأكثر تقدُّماً إلى حدٍّ بعيد.
لم تنتهِ طهران قط من مفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل، لذا فهي لم تنتج البلوتونيوم قط. وبموجب اتفاق 2015، وافقت إيران على إزالة قلب مفاعل أراك وبناء مفاعل تنتج عنه كمياتٌ أقل من البلوتونيوم. وبموجب الاتفاق، لن يُسمَح لإيران ببناء مفاعلات إضافية تعمل بالماء الثقيل- أو تراكم أكثر من 130 طناً مترياً من الماء الثقيل- حتى عام 2031. وكان هذا الامتياز من إيران أحد الإنجازات الرئيسية للاتفاق.