القمع الممنهج الذي يتعرض له مسلمو الإيغور في الصين لم يعد مجرد تقارير غربية تستهدف بكين، لكنها حقائق لا يعرف مداها أحد، بسبب طبيعة حكم الحزب الشيوعي الصارمة للبلاد، وكشف تقرير مؤخراً عن مشاركة شركات التكنولوجيا الكبرى، ومنها هواوي، في قمع الإيغور من خلال تطبيقات ترصدهم وتبلّغ عنهم، فما القصة؟
فمنذ نهايات عام 2019، عندما ظهرت تسريبات من مستندات حكومية صينية تلقي الضوء على بعض أساليب بكين في اضطهاد الإيغور بإقليم تركستان الشرقية أو كما تسميه الصين شينغيانغ (الحدود الجديدة)، وأثار ما في تلك المستندات غضباً عالمياً من جانب الجماعات الحقوقية والأممية، أصبحت قضية الإيغور تتصدر عناوين الأخبار حول العالم.
وعلى مدار عقود طويلة سعت الصين لمحو هوية مسلمي الإيغور باستخدام أساليب قمعية غير مسبوقة، وصلت حتى للغتهم وأشعارهم وثقافتهم نفسها، بحسب تقارير لمنظمات حقوقية دولية، وقد تحركت الولايات المتحدة مؤخراً لفرض عقوبات على الصين بسبب قمعها للإيغور، بغض النظر عن أنَّ تحرك واشنطن جاء في سياق حربها التجارية مع الصين أكثر منه دفاعاً عن حقوق الإيغور، بحسب مراقبين.
ما الدور الذي تلعبه هواوي في قمع الإيغور؟
ومؤخراً، سلطت شركة أبحاث أمريكيةٌ الضوء على براءة اختراع سجلتها شركة هواوي لبرنامج يحدد الأشخاص الذين يبدون على أنهم من أصول إيغورية، خلال صور للمارة في الشوارع، وهي واحدة من عدة براءات اختراع مماثلة سجلتها شركات تكنولوجية صينية رائدة، كشفتها الشركة البحثية الأمريكية وأطلعت هيئة الإذاعة البريطانية BBC عليها.
وتتعرض الحكومة الصينية طوال الوقت لاتهامات بأنها تستخدم أساليب مراقبة عالية التكنولوجيا بشكل عام، وتوظف تلك التقنيات بشكل صارم ضد الإيغور، وتعتقل كثيرين منهم في معسكرات للعمل القسري، حيث يجري فصل الأطفال عن آبائهم في بعض الأحيان. لكن الصين، من جانبها، تسمي معسكرات اعتقال الإيغور بأنها "معسكرات تأهيل" توفر لهم التعليم والتدريب الطوعي.
وكانت شركة هواوي قد قالت في السابق، إن أياً من تقنياتها لم يصمَّم بهدف تحديد المجموعات العرقية، لكن الشركة تخطط حالياً لتعديل براءة الاختراع، في مؤشر واضح على أن التطبيق بالفعل يستهدف الإيغور.
وأشارت الشركة إلى أن ذلك يتضمن طلب تصريح من إدارة الملكية الفكرية الوطنية في الصين -سلطة براءة الاختراع- بمحو الإشارة إلى الإيغور في الوثيقة المكتوبة باللغة الصينية.
وتقول مايا وانغ المسؤولة في منظمة هيومان رايتس ووتش، لـ"بي بي سي"، إن "أحد المتطلبات التقنية لشبكات المراقبة عبر الفيديو التابعة لوزارة الأمن العام الصينية، يتمثل في رصد الأصل العرقي للأشخاص وبالأخص الإيغور".
وتضيف وانغ: "بينما يعد هذا النوع من الاستهداف والاضطهاد بحق شعب بسبب انتمائه العرقي، أمراً غير مقبول كلياً في بقية أنحاء العالم، يبقى الاضطهاد والتمييز الشديد ضد الإيغور في الكثير من مناحي الحياة بالصين دون مساءلة، لأن الإيغور لا صوت لهم في الصين".
براءة اختراع هواوي ليست جديدة
كانت هواوي قد سجلت براءة الاختراع التي تشمل استهداف الإيغور، في يوليو/تموز 2018، بالاشتراك مع الأكاديمية الصينية للعلوم. وتصف براءة الاختراع طرق استخدام آليات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق، لتحديد ملامح مختلفة للمارة الذين تم تصويرهم فوتوغرافياً أو بالفيديو في الشارع.
وتركز على مراعاة حقيقة أن الأوضاع المختلفة للجسم -مثل أن يكون الشخص جالساً أو واقفاً- يمكن أن تؤثر في الدقة. غير أن الوثيقة تسرد كذلك السمات التي يمكن استهداف الشخص على أساسها، وتقول إنها يمكن أن تشمل أبناء عرقية الهان (الهان هم الجماعة العرقية الأكبر في الصين أو الإيغور)".
ويقول متحدث باسم الشركة، إنه ما كان يجب وضع هذه الإشارة، مضيفاً: "تعارض هواوي التمييز بجميع أشكاله، وضمن ذلك استخدام التكنولوجيا لأغراض التمييز العرقي. لم يكن تحديد جنس الأشخاص جزءاً من مشروع البحث والتطوير على الإطلاق. وما كان ينبغي أبداً أن يكون جزءاً من التطبيق. ونحن نتخذ خطوات فعالة لإصلاحه".
من الذي كشف ما قامت به هواوي بحق الإيغور؟
كانت مجموعة أبحاث مراقبة الفيديو IPVM هي التي سلطت الضوء على براءة اختراع هواوي هذه، وأشارت في السابق إلى وثيقة "سرية" منفصلة على موقع هواوي، تشير إلى عمل نظام يسمي Uighur alert بمعنى "التبليغ عن الإيغور".
وحينها قالت هواوي، إن الصفحة تشير إلى اختبار لا إلى تطبيق واقعي، ونفت بيعها أنظمة تتحدد الأشخاص وفقاً لانتمائهم العرقي.
والأربعاء 13 يناير/ كانون الثاني، قال توم تاجيندهات الذي يترأس لجنة فرعية معنية بالشؤون الصينية في البرلمان البريطاني والذي ينتمي إلى حزب المحافظين لـ"بي بي سي نيوز"، إن "الدعم الذي تقدمه الشركات التكنولوجيا الصينية العملاقة للعدوان الوحشي على شعب الإيغور، يفرض علينا كمستهلكين وكمجتمع توخي الحذر بشأن الجهة التي نشتري منها منتجاتنا أو نمنحها فرصاً تجارية".
وأضاف تاجيندهات: "إن تطوير تكنولوجيا بهدف تحديد الانتماء العرقي للأشخاص من قِبل نظام قمعي، ليس سلوكاً يتماشى مع معاييرنا".
وكانت مجلة بزنيس إنسايدر قد نشرت تقريراً حول القصة نفسها، تناول تفاصيل توضح أن هواوي اختبرت بالفعل تطبيقاً يعمل على التعرف على الإيغور والإبلاغ عن أماكنهم للأمن الصيني كأداة لمراقبتهم طوال الوقت، لكن ما ظهر هو أن هواوي ليست عملاق التكنولوجيا الصيني الوحيد الذي يعمل مع الحكومة لتطوير تلك التطبيقات.
فقد كشفت مجموعة IPVM وجود إشارات إلى شعب الإيغور في براءات اختراع سُجلت من قِبل شركة الذكاء الاصطناعي الصينية "سينستايم" وشركة ميغفي المتخصصة في تقنية التعرف على الوجه.
ويناقش تسجيل براءة اختراع شركة سينستايم، في يوليو/تموز 2019، سبل استخدام برمجيات التعرف على الوجه من أجل تحقيق "حماية أمنية" أكثر كفاءة، مثل البحث عن "إيغوري متوسط العمر بنظارات ولحية" أو شخص إيغوري يرتدي قناعاً. وقالت متحدثة باسم "سينستايم"، إن هذه الإشارات كانت "مؤسفة"، مضيفاً: "نتفهم أهمية المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، ولذا بدأنا تطوير مدونة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بنا في منتصف عام 2019". وأشارت إلى أن براءة الاختراع المذكورة سبقت تطوير مدونة الأخلاقيات.
وفي الوقت نفسه تصف براءة اختراع شركة ميغفي التي يعود تاريخها إلى يونيو/حزيران 2019، طريقة إعادة تصنيف صور الوجوه التي حُددت بصورة خاطئة في قاعدة البيانات، وتقول إن التصنيفات قد تكون بناءً على الانتماء العرقي لصاحب الوجه ويشمل ذلك -على سبيل المثال- "هان، إيغور، غير هان ، غير إيغور أو غير معروف".
وبعد الكشف عن ذلك، قالت الشركة لـ"بي بي سي نيوز"، إنها ستسحب طلب تسجيل براءة الاختراع، وأضافت: "تدرك (ميغفي) أن اللغة المستخدمة في طلب تسجيل براءة الاختراع عام 2019 تسمح بنشوء سوء فهم".
وتابعت الشركة: "(ميغفي) لم تطور ولن تطور أو تبيع حلولاً للتصنيف العنصري أو العرقي. تقر (ميغفي) بأنها في الماضي ركزت على تطوير منتجاتها التجارية، وافتقرت إلى التحكم اللازم في مواد التسويق والمبيعات والعمليات. نحن بصدد اتخاذ إجراءات من أجل تصحيح الموقف".
وخلاصة القول هنا هي أن الشركات الصينية الكبرى بمجال التكنولوجيا تعمل لصالح الحكومة الصينية في استهداف الإيغور بشكل مباشر، وهو ما يؤكد الاتهامات الموجهة لتلك الشركات من جانب الحكومات الغربية -خصوصاً واشنطن- بأن تلك الشركات عبارة عن أذرع استخباراتية لبكين، وهو أحد المبررات التي استندت إليها إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، في فرض عقوبات على هواوي وغيرها من الشركات الصينية.