سلطت صحيفة The Guardian البريطانية الضوء على الاجتماع الاستثنائي الأخير للحزب الحاكم في كوريا الشمالية، والذي مُنح فيه زعيم البلاد كيم جونغ أون "لقب جديد مهم يحظى بأهمية رمزية"، ما أثار تكهنات جديدة حول مستقبل شقيقته ذات النفوذ، كما أشارت إلى أن الاجتماع أطلق تحذيراً صوب الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن.
"أمريكا لا تزال العدو الأكبر لكوريا الشمالية"
وقبل أسبوعين من تنصيب جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة، جاء كثيرٌ مما قاله كيم في المؤتمر الأول لحزب العمال الحاكم منذ خمس سنوات، مألوفاً إلى حد كبير.
ومستنداً إلى المبرر الذي لطالما استخدمته كوريا الشمالية للمضيّ قدماً في برنامجها للأسلحة النووية، وصف كيم الولايات المتحدة بأنها "العدو الأكبر" لبلاده، وأن أي تقدم في مسار التخلي عن الأسلحة النووية يعتمد كلياً على إنهاء العدوان الأمريكي على البلاد.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية KCNA عن كيم قوله: يجب تركيز أنشطتنا السياسية الخارجية وإعادة توجيهها نحو التصدي للولايات المتحدة، أكبر عدو لنا والعقبة الرئيسية أمام سبل تنميتنا المبتكرة".
وأضاف كيم: "بغض النظر عمن هو في السلطة في الولايات المتحدة، فإن الطبيعة الجوهرية للولايات المتحدة وسياساتها الأساسية تجاه كوريا الشمالية لا تتغير أبداً".
ومن ثم، فإن "المفتاح لإقامة علاقات جديدة بين [كوريا الشمالية] والولايات المتحدة يعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتراجع عن سياساتها العدائية"، بحسب ما نقلته الوكالة الرسمية عن كيم.
خطط كيم العسكرية الجديدة المتزامنة مع الأزمات الاقتصادية "غير المسبوقة"
تضمّن التحدي الذي رفعه كيم في وجه الولايات المتحدة احتمالَ وجود غواصة نووية لديه، يقال إنها في مرحلة الاختبار الآن، وخططاً للبناء على التكنولوجيا النووية الحالية لحيازة رؤوس نووية أصغر "يمكن استخدامها على نحو مختلف اعتماداً على الأصول المستهدفة".
ومرَّ ما يقرب من عقد تقريباً منذ أن خلف زعيم كوريا الشمالية الحالي والده، جيم جونغ إيل، باعتباره العضو الثالث في سلالة كيم الحاكمة لكوريا الشمالية، ومع ذلك، فقد حملت افتتاحية كيم لمؤتمر الحزب الحاكم لهذا العام اعترافاً نادراً بالإخفاق.
وقال كيم إن هذا العام كان عاماً من الأزمات "غير المسبوقة"، وهي الأزمات التي أرجعها إلى اضطرار البلاد إلى إغلاق حدودها مع الصين، التي تعد أكبر شريك تجاري لها، بفعل الوباء، إلى جانب الكوارث الطبيعية والعقوبات الدولية، وكلها عوامل أدت إلى فشل "شبه كامل" لخططه الخاصة لتحسين أوضاع الاقتصاد الهش بالفعل في البلاد.
تعزيز قبضة كيم جونغ أون على كوريا الشمالية
مع ذلك، ورغم اعترافه النادر بالإخفاق، فإن عطلة نهاية الأسبوع، بعد أيام من عيد ميلاده السابع والثلاثين، شهدت تعيين كيم أميناً عاماً لحزب العمال، وهو المنصب الذي كان يشغله والده وجده، كيم إيل سونغ، وهي خطوة شديدة الرمزية قال خبراء إنها ترمي إلى تعزيز قبضته على السلطة.
تعليقاً على ذلك، يقول يانغ مو جين، الأستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول، إن "استحواذ كيم المتزايد على السلطة يُظهر ثقته، فقد انضم الآن رسمياً إلى رتبة كان يحظى بها أبيه وجده"، كما يشير ذلك إلى نيته الاستراتيجية لمركزة نظام الحزب من حوله وتعزيز حكمه الفردي للبلاد.
من جهة أخرى، كان من الطبيعي أن الاجتماع الذي جاء توقيته وجدول أعماله لغزاً إلى حد كبير قد جعل العالم يعاني مزيداً من الحيرة في تفسير إقالة كيم لشقيقته، كيم يو جونغ، من المكتب السياسي القوي للحزب الحاكم، رغم أنها احتفظت بعضويتها في اللجنة المركزية.
فمن ناحية، يرى بعض المراقبين الأمر على أنه تخفيض في الرتبة، في حين فسّره آخرون بأنه علامة على وجود يو جونغ على الساحة، وهو حضور كان دائماً خلال القمة النووية التي عقدها شقيقها مع دونالد ترامب، سيستمر في كونه حضوراً مؤثراً على سياسات البلاد، خاصة تجاه كوريا الجنوبية.
من جانبه، يقول ليم يول تشول، أستاذ دراسات كوريا الشمالية في جامعة يونغنام في سيول، إنه "من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاج حول وضع يو جونغ، لأنها لا تزال عضواً في اللجنة المركزية وهناك احتمال بأن تشغل مناصب مهمة أخرى".
وعلى هذا النحو، فإن طبيعة هذه المشاركة ستعتمد إلى حد كبير على بايدن ونظيره الكوري الجنوبي، مون جاي إن، الذي لم يبد كثيراً من بوادر الاختلاف عن نهج أسلافه المحافظ المتشدد تجاه بيونغ يانغ، واستخدم خطاب الاحتفال بالعام الجديد للحديث عن جهد "أخير" لإصلاح العلاقات عبر الحدود واستئناف المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع زعيم كوريا الشمالية؟
ومع ذلك، فإن فترة بايدن عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي لا تبشر بالخير حيال هذا الموضوع، إذا اتُّهم باراك أوباما بعدم منحه الاهتمام المستحق لمسألة تطوير كوريا الشمالية لأسلحتها النووية والصاروخية في عهده. وكان بايدن قد وصف كيم بأنه "سفاح"، ومن جانبها نددت كوريا الشمالية بالرئيس المنتخب ووصفته بأنه "كلب مسعور" ينبغي "ضربه بالعصا حتى الموت".
غير أنه، وكما أثبتت القمتان اللتان عقدهم كيم وترامب بعد تبادلهما الإهانات علناً، فإن أي نوبة من نوبات الشتائم لا يشترط أن تكون عقبة أمام استئناف المفاوضات.
وكان كورت كامبل، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون شرق آسيا في عهد أوباما، قد وصف اجتماعات ترامب الثلاثة مع كيم بأنها خطوة "جريئة للغاية"، مع أنها لم تسفر عن إحراز أي تقدم جوهري فيما يتعلق بتخلي كيم عن ترسانته النووية التي يُعتقد أنها تتضمن صواريخ قادرة على ضرب البر الرئيسي للولايات المتحدة.
وقال كامبل الشهر الماضي: "أحد التحديات الرئيسية لإدارة بايدن هي حاجتها إلى اتخاذ قرار مبكر بشأن ما يجب القيام به فيما يتعلق بكوريا الشمالية"، مضيفاً أن فترة التأخير إبان إدارة أوباما مكّنت كوريا الشمالية من اتخاذ الخطوات "الاستفزازية" التي "قطعت الطريق بالدرجة الأولى أمام أي احتمال لمفاوضات مشتركة".
في غضون ذلك، وفيما تتجه أنظار العالم مرة أخرى إلى مبنى الكابيتول الأمريكي، لم يصل كيم إلى حد التحفيز الذي اتسمت به لقاءاته المبكرة مع ترامب، غير أن نبرته في مؤتمر الحزب الحاكم انطوت أيضاً على تحذير لبايدن بعدم تكرار أخطاء السياسات التي ارتكبها في المرة الأخيرة التي وصل فيها إلى البيت الأبيض، عندما كان نائباً لأوباما.
وهو الرأي الذي ذهبت إليه صحيفة Korea Times في افتتاحية يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني، من جهة أن "رسالة كيم.. فُهمت على أن مفادها أنه لن يبادر بمحاولة التواصل مع الجارة الجنوبية أو الولايات المتحدة أولاً، إلا أنه سيظل منفتحاً على الحوار معهم"، في حين أشارت الصحيفة في الوقت نفسه إلى أن تدريبات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية -وهي أعمال استفزازية في نظر كوريا الشمالية- لا يتبقى عليها سوى ثلاثة أشهر. ومن ثم، ترى الصحيفة أن كيم بخطابه هذا "وضع مبادرة التصرف في يد سيول وواشنطن".