أُعلن في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني 2021، وفاة شيلدون أديلسون، الملياردير الأمريكي اليهودي والداعم الأول للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والراعي الأساسي والصديق الوفي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن 87 عاماً. فمن يكون هذا الرجل الذي يلقب بـ"إمبراطور القمار والكازينوهات"، وكيف صنع ترامب ودعم إسرائيل بماله ونفوذه طوال حياته؟
من هو الملياردير شيلدون أديلسون؟
أعلنت شركة أديلسون، في "لاس فيغاس ساندز"، الثلاثاء، وفاة قطب الكازينو والقمار شيلدون أديلسون قائلة إنه توفي من مضاعفات متعلقة بعلاج السرطان. وتقول شركة أديلسون إنه تحول من كونه "مراهقاً يبيع الصحف على ناصية الشارع إلى أن يصبح واحداً من أنجح رواد الأعمال في العالم".
وُلد إمبراطور كازينوهات القمار الأمريكي شيلدون أديلسون عام 1933 في الحيّ الأمريكي الفقير دورشيستر بمدينة بوسطن، إذ كان والده اليهودي يعمل سائقاً سيارة أجرة، فيما كانت والدته تعمل خيّاطة.
وتمرد أديلسون على الفقر مبكراً، وباقتراض الأموال افتتح كشكاً لبيع الصحف وهو لا يزال فتى، وعمل على مشاريع تجارية عدة بعد ذلك، وحين بلغ الثلاثينيات من عمره أصبح مليونيراً متجاوزاً في كل مرة خسارته التجارية، أما العلامة الفارقة في مشاريعه فهي تأسيسه في السبعينيات مع عدد من الشركاء شركة "كومديكس" التي كانت تنظم أكبر معارض الكمبيوتر في أمريكا، ليقتحم بعد ذلك عالم القمار في مدينة لاس فيغاس، وتوسعت تجارته في ذات المدينة فاشترى فندق "ساندس" بـ 128 مليون دولار عام 1988، ثم الفندق "البندقي"، الأكثر تكلفة وربحية في تاريخ المدينة.
وبعد ذلك أسّس أديلسون فنادق ونوادي ليلية في لاس فيغاس ومكاو وسنغافورة، وحولته ثروته إلى شخصية ذات ثقل كبير في السياسة الأمريكية. وتعد شركته "لاس فيغاس ساندز" أكبر شركة للنوادي الليلية والقمار في العالم.
وتقدر مجلة فوربس أن صافي ثروة أديلسون يبلغ 35 مليار دولار، وقد ضخ أمواله في القضايا السياسية اليمينية في إسرائيل والولايات المتحدة على مدار عقود.
ما هي أدواره في دعم إسرائيل وسياساتها المتطرفة في المنطقة؟
يعتبر أديلسون صديقاً مقرباً وداعماً أساسياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحملاته الانتخابية، وهو أكبر داعم للسياسات اليمينية الإسرائيلية المتطرفة وأحد أبرز الممولين لبناء المستوطنات في الضفة الغربية. ودعي أديلسون، في عامي 2017- 2018 للإدلاء بشهادته في قضايا فساد اتهم فيها نتنياهو، بحسب قناة "كان" الرسمية، لشدة قربه من نتنياهو.
وبعد إعلان وفاته، كتب نتنياهو الذي كان صديقاً لأديلسون بحسابه على تويتر: "سوف نتذكر إلى الأبد شيلدون ومساهمته الهائلة لإسرائيل". مضيفاً: "كان شيلدون وزوجته ميريام من أكبر المساهمين في التاريخ للشعب اليهودي والصهيونية والاستيطان ودولة إسرائيل.. جهود شيلدون العظيمة لتعزيز مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة ولتعزيز العلاقة بين إسرائيل والشتات ستبقى في الذاكرة لأجيال"، حسب تعبيره.
وفي عام 2007 أنشأ أديلسون الصحيفة الإسرائيلية اليومية Israel Hayom برأس مال يزيد على 180 مليون دولار، وهي صحيفة يمينية متطرفة مجانية تعتبر أكثر الصحف الإسرائيلية قراءة على نطاق واسع، وتعد زوجته الإسرائيلية الأمريكية ميريام أديلسون -تزوج بها في القدس المحتلة عام 1991- الناشر لهذه الصحيفة.
بالنظر إلى آراء أديلسون السياسية، كان مستوى نفوذه – خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط – متطرفاً وداعماً للسياسات الإسرائيلية اليمينية. وأيد أديلسون خطوات ترامب الأكثر إثارة للجدل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بل وعرض على الولايات المتحدة تمويل بناء السفارة في القدس.
ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي نعوم شيزاف عن شيلدون أديلسون: "استطاع أن يجعل ترامب ينقل السفارة. إنه واحد من أهم الأطراف الفاعلة في السياسات المتعلقة بإسرائيل، وهو مثير للجدل للغاية، كل شيء يقوله أديلسون أو يفعله يصبح خبراً في إسرائيل على الفور".
كما وقف أديلسون بحزم ضد حل الدولتين، حيث كان ينظر إلى الفلسطينيين على أنهم "شعب مُختلق لا أصل لهم". وقال أديلسون في عام 2014 في المؤتمر الأول للمجلس الإسرائيلي الأمريكي، وهو مجموعة مؤيدة لإسرائيل مقرها لوس أنجلوس إن "الغرض من وجود الفلسطينيين هو تدمير إسرائيل". وقال إن "الروايات الفلسطينية هي التي خلقت القضية الفلسطينية"، على حد تعبيره.
وفي عام 2015، أنشأ أديلسون وموّل فريق عمل مكابي "Maccabee"، الذي دفع باتجاه التشريع الذي يستهدف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات (BDS) المؤيدة للفلسطينيين في العالم. وهي الحركة التي تسعى إلى تشجيع الأفراد والدول والمنظمات على مقاطعة إسرائيل بسبب انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي. وهي مبادرة قد شهدت دعماً متزايداً بين طلاب الجامعات الغربية في السنوات الأخيرة، مما دفع أديلسون إلى إنشاء منظمته الخاصة لمواجهة حركة BDS بعشرات ملايين الدولارات.
ما دور أديلسون في وصول ترامب للسلطة ودعم اليمين المتطرف من واشنطن إلى تل أبيب؟
ينفق أديسون بسخاء شديد على النشاطات السياسية والحملات الانتخابيّة للحزب الجمهوري، إذ يعتبر أكبر داعم اقتصادي للحزب منذ مساهمته في حملات جورج دبليو بوش الرئاسية بين عامي 2001-2009، أما في في انتخابات عام 2012، فقد أنفق الرجل المبلغ الأكبر أيضاً وكان 98 مليون دولار، خُصص منها مبلغ 30 مليون منها لحملة مرشح الحزب ميت رومني الذي هزم أمام الرئيس السابق باراك أوباما.
ودعم أديلسون الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب ومول حملاته الانتخابية وحزبه الجمهوري، وكان معارضاً شرساً للرئيس السابق باراك أوباما وقدم ملايين الدولارات للجمهوريين وحملاتهم لإيصال ترامب إلى السلطة في 2016.
فقد كان أديلسون أكبر مانح فردي لترامب بمبلغ 30 مليون دولار، أما المرشحون الجمهوريون فقد حصلوا منه على أكثر من ثلاثة أضعاف، إذ أعطاهم أديلسون 82 مليون خلال دورة الانتخابات 2016. وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" فإن أديلسون وزوجته كانا أكبر المتبرعين للحزب الجمهوري في الانتخابات الثلاث الأخيرة، إذ تبرّعا بمبلغ 30 مليون دولار لمساعدة ترامب لهزيمة منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، عشية الانتخابات الرئاسية في عام 2016 وهو ما اعتبر في حينه المبلغ الأكبر في تاريخ ضخ الأموال التي أنفقت في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية.
وفي انتخابات 2020، قدم أديلسون ما يقرب من 250 مليون دولار لترامب وزملائه الجمهوريين في الكونغرس. وفي الصيف الماضي، قام أديلسون وزوجته اللذان دعما الحملة المؤيدة لترامب "سوبر باك" والتي أطلق عليها "حماية أمريكا"، بتقديم 75 مليون دولار، بشكل جعلهما أكبر ممولين لحملته. ومنذ ذلك الوقت جمعت حملة "حماية أمريكا" 83.8 مليون دولار، ودعمت إعلانات ضد المرشح الديمقراطي جو بادين الذي وصفته بـ"الضعيف جداً لقيادة أمريكا".
وطوّر أديلسون وزوجته علاقات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بناء على مواقفهما المشتركة والمؤيدة لإسرائيل واليمينية من الشرق الأوسط. وقد أرضته إدارة ترامب وغيره من الداعمين اليمينيين بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وتبنت إدارة ترامب موقفاً متشدداً من إيران، وألغت الاتفاقية النووية التي وقعتها إدارة باراك أوباما، وأغرت في الفترة الأخيرة الإمارات العربية المتحدة ودولا أخرى لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتبرع أديلسون وزوجته لصندوق قيادة مجلس الشيوخ والذي يديره حلفاء زعيم الغالبية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وجمع 308 مليون دولار للحفاظ على سيطرة الجمهوريين على المجلس.
ويعتبر أديلسون من أكبر الداعمين لتحالف اليهود الجمهوريين، وهو جماعة لوبي مؤيدة لإسرائيل، يعد أديلسون واحداً من أعضاء مجلس إدارته. وأنفق التحالف ملايين دولار في محاولة جلب الناخب اليهودي الأمريكي في الولايات المتأرجحة والمهمة بما فيها فلوريدا وبنسلفانيا، حيث حاولت المجموعة أن تؤدي إعلاناتها وحملاتها لفوز ترامب في الولايتين كما فعل عام 2016، لكن ترامب خسر في الأولى وفاز في الثانية، وفي المحصلة خسر الانتخابات كلها أمام بايدن.
منافع متبادلة بين ترمب وأديلسون والهدف الأخير دعم إسرائيل
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، عمل ترامب بجدٍّ للحصول على دعم أديلسون. ففي بداية 2020 رشحه لأن يكون عضواً في مجلس اقتصادي لكي يمنح النصيحة حول فتح البلاد. وفي 2018 منح زوجته مريام "ميدالية الرئيس للحرية".
وكان أديلسون من أبرز الذين حضروا إعلان ترامب في كانون الثاني/يناير عن خطة الشرق الأوسط، والتي أطلق عليها "صفقة القرن" ورفضها الفلسطينيون ومعظم الدول؛ لتحيزها مع إسرائيل. وأقام ترامب علاقته مع الملياردير اليهودي عبر حفلات ولقاءات خاصة في واشنطن ولاس فيغاس، حيث يعيش أديلسون.
وفي أيار/مايو 2018، وقبل يوم من إعلان ترامب عن خروج الولايات المتحدة من المعاهدة النووية مع إيران، حضر أديلسون إلى البيت الأبيض للقاء خاص مع ترامب، حضره نائبه مايك بنس ومستشار الأمن القومي في حينه جون بولتون، الذي يقيم علاقة جيدة مع أديلسون.
وكان تأثير أديلسون على سياسة ترامب في الشرق الأوسط واضحاً وخصيصاً التحريض على إيران. وقبل ترامب، اقترح أديلسون عام 2013 تفجير قنبلة نووية في "صحراء إيرانية" والتهديد بشن هجوم نووي على طهران، المدينة التي يزيد عدد سكانها على 12 مليون نسمة، إذا لم تتخلَّ إيران عن برنامجها النووي، هو من ساعد في تولي جون بولتون منصب مستشار الأمن القومي لترامب.
وموّلت عائلة أديلسون أيضاً منظمة United Against Nuclear Iran "متحدون ضد إيران النووية" الغامضة والمناهضة لإيران التي دعت إلى فرض حظر فعلي على الغذاء والدواء لإيران.
في النهاية، كانت خسارة ترامب مؤخراً تمثل انتكاسة أديلسون الذي استثمر أموالاً طائلة قد تصل إلى مليار دولار أو أكثر في انتخاب، وإعادة انتخاب ترامب، لكن لا شك أن الرجل حقق الكثير من أحلامه وطموحاته -من خلال ترامب والجمهوريين- فيما يتعلق بدعم إسرائيل، إذ حصل من ترامب عن الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، بالإضافة لنقل السفارة الأمريكية إليها، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة والمستوطنات والجولان، وتمرير صفقة القرن، وغيرها من القرارات الأخرى.