رغم الموجة الثانية من الجائحة يبدو أن بعض دول الخليج تتعافى من آثار كورونا الاقتصادية.
يقدم طارق فضل الله الذي يعيش في دبي نموذجاً لعودة روح التفاؤل للمنطقة.
يتخذ طارق مقعده بين موظفي البنك الذين راحوا يحتسون مشروباتهم باستمتاع بعد انتهاء دوامهم في شرفة مركز دبي المالي العالمي يوم الأربعاء، وقال: "نشهد انتعاشاً اقتصادياً. وكل شيء يسير في الاتجاه الصحيح".. تقدم دبي نموذجاً.
وفضل الله، الذي يدير شركة Nomura Asset Management التي تمتد فروعها في الشرق الأوسط منذ ست سنوات، بالكاد يصدق ذلك. وقال: "العام الماضي بعد الإغلاق، بدا أننا سنواجه ضربة قوية. وحذرت غرفة التجارة من انهيار 75% من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم".
كيف أعادت دبي تنشيط السياحة في ظل الجائحة؟
انكمش الاقتصاد الإماراتي، الذي يعتمد على حرية تنقل الأشخاص والبضائع، بنسبة 6% بعد تأثر حركة السفر العالمية بالجائحة. وخسرت شركة طيران الإمارات حوالي 3.3 مليار دولار في ستة أشهر حتى نهاية سبتمبر/أيلول، وهي المرة الأولى التي تدخل فيها المنطقة الحمراء (زيادة النفقات عن الأرباح) منذ أكثر من 30 عاماً. ويمثل الطيران ثلث الناتج المحلي الإجمالي لدبي، مركز التجارة في الإمارات.
ويُتوقع الآن أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3.1% هذا العام. وطيران الإمارات يعمل بنسبة الثلثين في المتوسط. وقال مدير مطار دبي، بول غريفيث، إن عدد المسافرين القادمين إلى دبي يزيد عن 50 مرة عما كان عليه في شهر مايو/أيار.
إذ وصل إليها حوالي 300 ألف سائح للاحتفال بعيد الميلاد، وكان 40 ألف منهم بريطانيين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
فما السبب وراء هذا التغيير السريع في الاقتصاد؟ ساعدت قواعد ارتداء الكمامات الصارمة، وتوزيع اللقاحات السريع، ونمط الحياة في الهواء الطلق، في السيطرة على الفيروس مبكراً، ولم تزِد أعداد حالات الوفاة عن ألف حالة بين سكان الإمارات البالغ عددهم 9.5 مليون نسمة (رغم ارتفاع أعداد الحالات مرة أخرى). وقد سهّل ذلك إعادة فتح الحدود وتعزيز التجارة والسياحة.
المصالحة تجعل دول الخليج تتعافى من آثار كورونا الاقتصادية
والأفضل من ذلك أن رياح التغيير تهب عبر رمال الصحراء، مبشرة بالتعاون الاقتصادي بين من كانوا يوماً أعداء، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
في الأسبوع الماضي أنهت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارها الاقتصادي المستمر منذ ثلاث سنوات على قطر، احتجاجاً على ما زعموا أنه دعم الدوحة للجماعات المتطرفة. وهي مزاعم تنفيها قطر.
وتشير تحليلات إلى أن المقاطعة التي بدأتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر لدولة قطر، في يونيو/حزيران 2017، قد أثرت بشكل كبير على الدول الخمس، وذهبت بمليارات الدولارات التي كان يمكن توفيرها لو لم تحدث الأزمة.
والآن فإن الشركات والمؤسسات في هذه الدول تتطلع إلى الفوائد الاقتصادية للمصالحة الخليجية بعد سنوات من الخسارة.
وحسب تقرير سابق لموقع "المونيتور" الإلكتروني المعني بالسياسة في الشرق الأوسط نجحت قطر في احتواء تداعيات المقاطعة على اقتصادها، على عكس السعودية والإمارات.
وهذه الأخيرة تعاني من ركود حاد في سوق العقارات (خاصة في دبي) وارتفاع مديونيتها وتراجع أسعار النفط، وهو نفس التحدي الذي تواجهه الرياض.
واستقر الاقتصاد القطري، بل إنه واصل النمو، وحقق فائضاً وصل لنحو 6% في ظل جائحة كورونا، بحسب ما نشرته "بلومبيرغ"، في مايو/أيار 2020.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، قامت وكالة التصنيف العالمية S&P بتصحيح التوقعات لقطر من سلبية إلى مستقرة. وبسبب المقاطعة أخذت قطر تولي القطاع الزراعي أهمية كبيرة.
بينما كانت الإمارات على رأس الخاسرين، بعد أن فقد ميناء "جبل علي" موقعه كميناء وسيط للشركات العالمية التي تصدّر بضائعها إلى قطر.
وتكبّد القطاع المصرفي الإماراتي خسائر باهظة بعد أن قررت بنوك عالمية نقل جزء من خدماتها المصرفية من دبي إلى لندن ونيويورك.
وفي يونيو/حزيران 2018، قالت "إيكونوميست" إن إمارة دبي بدأت تخسر الشركات والاستثمارات القطرية التي كانت تنعشها.
وأشارت إلى أن استمرار المقاطعة سيضر بسوق العقارات في الإمارة مع بلوغ مشتريات المستثمرين القطريين من العقارات نحو 500 مليون دولار عام 2016.
وإحدى الفوائد الاقتصادية للمصالحة الخليجية هي تحريك السوق الخليجية المشتركة بعد فتح الحدود، وعودة العلاقات التجارية والسياحة بين بلدان الخليج.
وقال مشعل كانو، رئيس مجلس إدارة مجموعة كانو، أحد التكتلات التجارية الرائدة في الخليج: "بعض التصدعات في المنطقة تلتئم والأموال تتدفق كي نتمكن من الاستفادة منها".
والخطوط الجوية القطرية، التي خسرت مليارات الدولارات بسبب الحصار، ستستأنف رحلاتها قريباً إلى الرياض وجدة ودبي وأبوظبي. وبشكل عام سيساعد إنهاء الحظر الاقتصاد القطري على النمو بنسبة 3% هذا العام، حسب توقعات شركة Standard Chartered.
ومن المقرر أن تستأنف شركة طيران الإمارات التي تتخذ من دبي مقراً لها وشريكتها الاقتصادية فلاي دبي وشركة الاتحاد للطيران في أبوظبي رحلاتها إلى الدوحة هذا الشهر. وتسيّر فلاي دبي رحلات بالفعل إلى تل أبيب وستحذو طيران الإمارات حذوها.
يبدو أن إزالة القيود على الطيران أبرز الفوائد الاقتصادية للمصالحة الخليجية بالنسبة للدوحة، بعدما أعلنت الخطوط الجوية القطرية في مارس/آذار 2019، عن خسائر سنوية للعام الثاني توالياً؛ فإثر منع دول المقاطعة للخطوط الجوية القطرية من استخدام مجالها الجوي اضطرت الشركة لتغيير مسارات وإعادة توجيه كثير من الرحلات الجوية، ما أدى إلى زيادة المدة والكلفة.
ومن المقرر أن تستقبل الفنادق في الدوحة الضيوف السعوديين والإماراتيين المعروفين ببذخهم في الإنفاق مجدداً هذا الأسبوع. وسيعود القطريون قريباً إلى مراكز التسوق في دبي وأبوظبي.
التطبيع مع إسرائيل ينعش دبي أيضاً
وقبل بضعة أشهر أقامت الإمارات وإسرائيل علاقات دبلوماسية للمرة الأولى، ما شجع رواد الأعمال الإسرائيليين على التدفق إلى دبي ونظرائهم الإماراتيين إلى تل أبيب للبحث عن فرص استثمارية جديدة في الأراضي التي كانت محظورة على الجانبين في السابق.
يقول السير تيم كلارك، رئيس طيران الإمارات البريطاني الجنسية: "لم يحدث أن بدأنا طريقاً وشهدنا مستويات من الطلب مثل التي شهدناها في إسرائيل. لقد جاؤوا جميعهم".
وتستثمر شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في الإمارات لإنشاء ما يأمل السكان المحليون أن يصبح وادي السيليكون.
وينطبق الشيء نفسه على شركات الأدوية والماس والعقارات والأمن والدفاع والأغذية.
فالتمور الإسرائيلية تعرض للبيع بالفعل في أسواق دبي. وتسعى الشركات التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، ولا سيما أصحاب الفنادق، إلى زيادة تجارتها مع إيران.
فنادق دبي هي الأكثر ازدحاماً على مستوى العالم
"دبي هي أكثر مدن الفنادق ازدحاماً في العالم الآن، مع أعلى أسعار غرف، وهي والمدن الأخرى في المنطقة ستزداد ازدحاماً"، حسبما يقول سايمون كاسون، الذي بدأ بغسل الأطباق في أحد فنادق ويلز ثم أصبح مديراً لـ23 فندقاً من فنادق الفورسيزونز في الشرق الأوسط:
ومن المقرر أن تستأنف شركات الخدمات المالية والقانونية في دبي خدمة العملاء القطريين، إذ اضطر كثيرون منهم لوقف عقودهم في الدوحة بعد فرض المقاطعة. وستفيد الشركات البريطانية من ذلك لأن الكثير منها يتخذ من دبي قاعدة إقليمية.
وهذه ليست سوى البداية. وتسعى شركة موانئ دبي العالمية، التي تدير ميناء جبل علي الضخم في دبي، لتشغيل ميناء حيفا.
لكن الفرصة قد تفوت السعودية، التي تزعمت المقاطعة القطرية.
ويقول خبراء اقتصاديون إنه من المستبعد أن تعود التجارة بين المملكة والدوحة إلى مستويات ما قبل الحظر لأن قطر أصبحت تتمتع بقدر أكبر من الاكتفاء الذاتي.
إذ اعتادت السعودية تزويدها بمنتجات الألبان، لكن الدوحة الآن أصبحت قادرة على تلبية احتياجاتها الخاصة، وذلك بفضل رجل أعمال قطري أنشأ مزرعة ألبان في الصحراء، أكسبته لقب "شيخ الحليب".
أما مشجعو كرة القدم والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) فقد يكونون أكبر الرابحين. إذ مثلت مقاطعة قطر تهديداً لبطولة كأس العالم المقرر إقامتها هناك العام المقبل، في ظل بقاء الفرق بعيداً وعدم قدرة المشجعين على السفر. وفيفا الآن تشجع الفرق على إقامة معسكرات تدريبية ولعب مباريات ودية قبل البطولة في الخليج.