رغم غرابة فكرة سعي الإمارات لشراء أسهم في نادٍ إسرائيلي يرفع أنصاره شعار "الموت للعرب" في كل مبارياته، فإن الصفقة مهددة بالفشل ليس بسبب تراجع المستثمر الإماراتي؛ بل لأسباب تتعلق بإسرائيل، فما القصة؟
أغرب نتائج التطبيع
في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية، تعتبر أغرب النتائج الثانوية لاتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات حتى الآن هي محاولة أحد أفراد العائلة المالكة الإماراتية شراء نادي "بيتار القدس"، وهو فريق كرة قدم إسرائيلي له إرث ممتد الجذور مع العنصرية والشغب.
والواقع الآن، أنه في حال انعقدت هذه الصفقة، فإن الفريق الذي لطالما رفض لعقود من الزمن انضمام لاعبين عرب إليه، سيحظى فجأة بمالكٍ عربي له، وقد يصبح -وإن كان ذلك مستبعداً حتى الآن- رمزاً لعلاقة الود المزدهرة بين البلدين.
مع ذلك، فإن الأسئلة المشككة في نزاهة العرض وتحقيقات العناية الواجبة المتعلقة بمرحلة ما قبل البيع (due-diligence)، والتي أجراها اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، أثارت فجأة قدراً من الشكوك حول الاتفاقية، وهي شكوك يمكن أن تنتقص من النشوة التي بدا أن الوفاق بين إسرائيل والإمارات قد اتسم بها في البداية.
وكان الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان، الذي يدير شركة قابضة متنوعة الأعمال مقرها دبي، هي شركة "إتش بي كيه" لإدارة المشروعات، قد توصل إلى اتفاقٍ الشهر الماضي، مع مالك نادي بيتار، موشيه حوجيج، للحصول على حصة 50% من أسهم النادي مقابل استثمار مبلغ يزيد على 90 مليون دولار فيه على مدى العقد المقبل.
وصاغ الشركاء المحتملون اتفاقهم، على أنه قطيعة تاريخية مع الممارسات المناهضة لتوظيف العرب أو الاستعانة بلاعبين منهم، والتي يتبعها بيتار وشريحة مناصريه المتطرفين الصريحة في عنصريتها، والمعروفة باسم "لا فاميليا"، ومن ثم تصبح الصفقة برمتها مثالاً بارزاً تتطلع المنطقة إلى احتذائه.
ما قصة نادي بيتار ومشجعيه؟
على هذا النحو، قال الشيخ حمد في لقاء أجراه مع التلفزيون الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول 2020: "تهدف الصفقة إلى إيضاح أن اليهود والعرب بإمكانهم العمل معاً، وأن يكونوا أصدقاء ويعيشوا في سلام وانسجام"، وأشار إلى أن معجبي بيتار المعادين للعرب كانوا يتعرضون لنوع من "غسيل الدماغ".
من جهة أخرى، فإن نادي بيتار نادٍ عريق معروف بأن له علاقات تاريخية مع حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "الليكود"، إضافة إلى قاعدة شعبية تضم جماهير من الإسرائيليين الذين يعتبرون سياسات اليمين انحيازات قبلية يتعصبون لها، مثل تعصبهم لناديهم الرياضي.
وهكذا، في حين كان لاعبو كرة القدم الإسرائيليون من أصول عربية جزءاً لا يتجزأ من المنتخب الوطني وكذلك غيره من الأندية التي فازت ببطولات، ظل بيتار الناديَ الوحيد المتمسك بمبدأ من هذا النوع في الساحة الإسرائيلية.
من جانبه، كتب الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، وهو نفسه من مشجعي بيتار المنتمين لحزب الليكود، رسالةً إلى الشيخ حمد يعلن فيها أن الصفقة كانت "نتيجة رائعة" لما يسمى اتفاقات أبراهام، التي ساعدت إدارة ترامب في التوسط فيها العام الماضي.
إن شراء مستثمر عربي لنادي بيتار كان سيبدو أمراً عصياً على التصور قبل اتفاقات التطبيع التي أُعلن عنها في سبتمبر/أيلول الماضي، فالنادي معروف عند الجميع بهتاف مشجعيه بانتظامٍ "الموت للعرب" خلال المباريات، وقد سبق أن تعرَّض مناصروه بالتضييق والإساءة للاعبين شيشانيين مسلمين وقَّعوا معه في عام 2013، ورفعوا حينها لافتات عملاقة في الملعب، كُتب عليها:" بيتار، نقي إلى الأبد".
لكن مع تحوُّل التحالفات الإقليمية، قد تصبح للصفقة فوائد على مستوى العلاقات العامة. كما أن الصفقة تأتي استمراراً لنهج مستمر منذ عقدين بين كيانات الأعمال الخليجية، مثل طيران الإمارات، ويتضمن توقيع اتفاقيات رعاية أو شراء فرق كرة قدم بارزة، مثل مانشستر سيتي البريطاني وباريس سان جيرمان الفرنسي.
وفي هذا السياق، يقول الصحفي أنشيل فايفر، وهو كاتب عمود سياسي بصحيفة Haaretz العبرية ذات الميول اليسارية، إن "امتلاك فرق كرة قدم كبيرة في جميع أنحاء العالم بات وسيلة للإماراتيين والكويتيين والقطريين للحصول على قوة ناعمة عن طريق ملكيتهم لهذه الأندية الرياضية البارزة والشعبية. ومن ثم عندما تنظر إلى [صفقة شراء بيتار]، ستجدها منطقية، لأن هذه هي الطريقة التي تميل بها هذه الدول الخليجية، التي تمتلك كثيراً من المال، إلى ممارسة الدبلوماسية والأعمال".
وفصّل فايفر رأيه بالقول إن "الفريق الرياضي غالباً لا يكون مربحاً لهذه الدرجة، لكنه يجلب معه الكثير من العلاقات العامة… وفي هذه الحالة، فإن بيتار ليس مجرد فريق كرة قدم، إنه فريق كرة قدم مقرّب من الليكود".
ما وجهة نظر الإمارات في الصفقة؟
على الجانب الآخر، حظي استثمار بيتار باهتمام ضئيل في الإمارات، على الأقل جزئياً، فالدوري الإسرائيلي لكرة القدم يفتقر إلى أي شهرة دولية معتبرة، كما أن قليلاً من الإماراتيين على دراية بتاريخ بيتار المتعصب. علاوة على ذلك، قال محللون إن الشيخ حمد ليس أميراً معروفاً.
ويقول عبدالخالق عبدالله، المستشار السابق لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، إن "[التطبيع] خطوة واقعية بالنسبة إلينا، فالإمارات دولة جدية في سياساتها. إنه اتفاق عملي. و[إسرائيل] مجرد دولة أخرى تتعامل معها الإمارات. ولّى زمن المقاطعة. وحان وقت التطبيع".
ووصف عبدالله اتفاقات أبراهام بأنها محاولة من أبوظبي لتعزيز قوة الإمارات وثقلها. وأشار كذلك إلى أن "اتخاذ خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل مجرد جزء من هذا. ومع أنها خطوة تنطوي في بعض الأحيان على كثير من المخاطر المرتبطة بها، فإن اتخاذها يظل مخاطرة محسوبة".
أما في إسرائيل، فلا تحظى الصفقة بموافقة الجميع. فقد وجّه بعض المعجبين تهديدات ضد حوجيج ونظّموا احتجاجات ضد صفقة البيع. كما زعم أحد مؤيدي بيتار في التلفزيون الإسرائيلي، أن الصفقة ستمكّن الإمارات من ممارسة نفوذ سياسي في القدس، فيما كتب ديفيد روزنتال، وهو محرر لشؤون الرياضة بموقع "والا" العبري، أن حوجيج يسعى بهذه الخطوة في المقام الأول إلى بث حياة جديدة في فريق يعاني ضعفاً في الأداء وتدنياً بمعدلات حضور الجماهير.
لماذا توجد عقبات في طريق الصفقة؟
ومع ذلك، تذهب مصادر أخرى إلى أن العقبة الرئيسية في طريق الصفقة هي الارتياب المحيط بالتفاصيل المالية: فقد حذَّر خبراء مكافحة الأموال في إسرائيل بالفعل من نقاطٍ تدعو إلى الشك في الاتفاقية وأثاروا تساؤلات حول المصادر المالية للشيخ حمد.
وبالبحث عن تفاصيل متعلقة بالشيخ حمد، يتبين أنه عضو غير معروف في العائلة المالكة الإماراتية. ويشير موقع الويب الخاص بشركته القابضة، "إتش بي كيه"، إلى قائمة من الشركات المندرجة تحتها في مجالات مختلفة، من التكنولوجيا الزراعية إلى التعدين إلى معدات الاتصالات.
وتمتلك الشركة عقدَ شراكةٍ مع شركة "جو تشين" GoChain الناشئة لإنشاء "بيوت خضراء" ذكية للحفاظ على البيئة بالإمارات. كما دخلت الشركة القابضة في شراكة مع رجل الأعمال البولندي الذي دخل حديثاً إلى مجال الاستثمار في العملات الرقمية، رومان زيميان، وهو رجل سبق أن وجهت له السلطات البولندية تهماً بالفساد.
ويُذكر أن حوجيج كان قد اشترى شركة "بيتار" بديونها في 2018 مقابل 7.2 مليون دولار، وصرح وقتها بأنه سيضع الشركة والنادي على "مسار جديد"، ومنذ ذلك وقف سياسات التوظيف التمييزية. لكن حوجيج، وهو نفسه رائد أعمال في مجال العملات المشفرة، وُجهت بحقه دعاوى احتيال متعددة تتعلق بمشروعاته في العملات الرقمية.
كما وجهت دعوى قضائية رفُعت بإحدى المحاكم الاتحادية في ولاية واشنطن الأمريكية عام 2019، اتهامات بحق حوجيج وشركته الناشئة، Stox Technologies، تضمنت تهماً بالاحتيال وخرق العقد واستخدام مبيعات العملات المشفرة لتمويل الاستحواذ على شركة بيتار، إضافة إلى تقديم تبرع لجامعة تل أبيب.
بالعودة إلى الصفقة الإماراتية الإسرائيلية، قال متحدث باسم الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم (IFA)، إن الاتحاد أعطى بيتار قائمةً من الأسئلة وطلبات التوضيح المتعلقة بالصفقة، في اجتماع عُقد في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وبعد الاجتماع مجدداً في 6 يناير/كانون الثاني، أصدر الاتحاد بياناً بأنه لا يمكنه الموافقة على تغيير الملكية بعد، لأنه لم يتلقَّ المعلومات المطلوبة من بيتار، لكنه أضاف أن عملية الفحص ستستمر.
واستعان الاتحاد الإسرائيلي بمكتب التدقيق المالي البارز، "مجيدو للتحقيقات المالية"، لمراجعة العناية الواجبة التي تستقصي التفاصيل المتعلقة بالصفقة قبل الموافقة على إبرامها. وفي تصريح لمجلة Foreign Policy الأمريكية، قال المتحدث باسم الاتحاد شلومي برزل، إن الاتحاد يفحص "كل ما هو ضروري ومتاح بشأن الصفقة"، وتوقع أن القرار النهائي سيُتخذ في غضون أسبوعين. ولم يردّ المتحدثون باسم حوجيج والشيخ حمد على طلبات التعليق من جانب المجلة الأمريكية.
من جهة أخرى، إذا تمت الموافقة على الصفقة، فمن غير الواضح ما إذا كان أنصار بيتار المتعصبون سيبقون على إخلاصهم للنادي. وينبغي الإشارة هنا إلى أن متعصبي النادي، المعروفين باسم "لا فاميليا"، لطالما كان لهم نشاط في السياسة اليمينية، وليس آخره حشدهم في وقت من الأوقات للعفو عن جندي إسرائيلي أُدين بقتل فلسطيني كان قد أُطلق النار عليه بالفعل وتم إخضاعه.
وفي تلخيصٍ لمدى التداخل بين كرة القدم والسياسة بإسرائيل، تقول مايا زينشتاين، الصحفية التي أنتجت فيلماً وثائقياً حائزاً جائزة الإيمي، عن مشجعي بيتار وحملتهم ضد استعانة نادي بيتار بلاعبين شيشان في عام 2013، إن حملة "لا فاميليا" في ذلك الوقت أضرّت بصورة الفريق وقلّصت من عائداته، لكنها جعلت جماهير النادي أكثر بروزاً في اليمين الإسرائيلي، وبات متعصبو "لا فاميليا لديهم هذه القوة الهائلة في قاعدة معجبيهم، وهي القوة التي ترجموها إلى نفوذ سياسي"، على حد قولها.