عانى مالك شركة علي بابا أشهر ملياردير في الصين شهوراً من المشكلات المتزايدة، بعدما زادت الجهات التنظيمية الضغط على إمبراطوريته التكنولوجية. وتعج منصات التواصل الاجتماعي الآن بأكثر التكهنات قتامة بشأنه، لكن: هل جاك ما مفقود أم هو مختف بمحض إرادته؟
لم يُشاهَد المؤسس الكاريزميّ لشركة التجارة الإلكترونية العملاقة "Alibaba" (علي بابا) جاك ما علناً منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين انتقد الجهات التنظيمية الصينية في خطابٍ ألقاه.
أجَّج غيابه، إلى جانب بعض المشكلات التنظيمية التي تشمل إطلاق تحقيق يتعلَّق بمكافحة الاحتكار مؤخراً، التكهنات على منصات التواصل الاجتماعي بشأن مكان وجوده، ويخشى البعض أن يكون قيد الإقامة الجبرية. وليس من المستغرب في الصين اختفاء الشخصيات النافذة دون تقديم تفسير علني واضح حين يعارض السلطات، مثلما حدث في عام 2018، حين اختفت أبرز نجمة سينمائية في البلاد، فان بينغ بينغ، قبل أن تعاود الظهور للاعتراف بالتهرب الضريبي، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
تحت الإقامة الجبرية أم متخفٍ عمداً؟
قلَّل صحفي تابع لشبكة CNBC الأمريكية، كان قد أجرى مقابلة مع ما سابقاً، من بعض التكهنات حول اعتقال مالك علي بابا، والتي اتنشرت الثلاثاء 5 يناير/كانون الثاني، وأفاد بأنَّ ما ليس مفقوداً، بل فقط "يظهر بدرجة أقل، عمداً".
مع ذلك، لفتت هذه القصة الطويلة الانتباه إلى الوضع الصعب الذي يواجهه عمالقة التكنولوجيا الصينيون، الذين ربما ينمون ويقوون بدرجة تثير انزعاج الحزب الشيوعي الحاكم.
تتسم حالة التدقيق المتزايد التي يلاقونها ببعض الخصائص صينية الطابع، لكنَّها تعكس أيضاً بعض الضوابط التنظيمية المناهضة للتكنولوجيا التي تظهر حالياً في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث ازداد القلق بشأن القوة الاقتصادية والسياسية لكبريات الشركات العالمية.
فقال مارتن شورزيمبا، الزميل الباحث بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "تشمل المخاوف المجتمعية في الصين مباعث قلق بشأن قدرة رواد الأعمال الخاصين على تحدي دولة الحزب. لكن الأمر في الولايات المتحدة يتعلَّق أكثر بالمعلومات المضللة والانحياز السياسي المزعوم".
ويُعَد عمالقة الإنترنت في الصين أقوى، في بعض الجوانب، حتى من نظرائهم الغربيين، إذ يكون السوق أكثر تركزاً حول قِلَّة من كبار اللاعبين.
قصة إنشاء علي بابا
أسَّس ما، وهو معلم لغة إنجليزية سابق من مدينة هانغتشو، شركة التجارة الإلكترونية "علي بابا" في عام 1999، وبناها لتصبح النسخة الصينية من شركة "Amazon" (أمازون)، وتصل عائداتها السنوية لـ50 مليار دولار. انفصلت مجموعة "Ant Group" عن علي بابا في 2014.
أصبح ما رجل أعمال شهير في الصين، وحاز إعجاباً واسعاً بسبب نجاحه وظهوره العام البهيج، بما في ذلك تأديته لعروض موسيقى الروك آند رول في حفلات موظفيه السنوية.
تسببت القوة السوقية لعمالقة التكنولوجيا في عهد الرئيس شي جين بينغ، الذي حاول إعادة تأكيد سيطرة الدولة على الاقتصاد، في التوتر أحياناً.
تعمل Ant Group، وهي شركة تبلغ إيراداتها 16 مليار دولار سنوياً، على الاقتطاع من الحصة السوقية للبنوك الحكومية القوية وتثير انزعاج الجهات التنظيمية بمنتجاتها الاستثمارية والإقراضية التي أصبحت رائجة للغاية، لدرجة أنَّ Ant Group باتت تلعب في بعض الأحيان دور المُقرِض للبنوك الحكومية، وليس العكس.
خطيئة ما
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أساء ما للسلطات بقوله أمام أحد المؤاتمرات التكنولوجية إنَّ الجهات التنظيمية المالية الصينية تخنق الابتكار، وإنَّ البنوك الحكومية الكبرى تشبه "مكاتب الرهانات".
وبعد ذلك بفترة قصيرة، استدعت الجهات التنظيمية ما إلى بكين لعقد لقاءات عاجلة، ثُمَّ ألغت خطط Ant Group لجمع أكثر من 34 مليار دولار من خلال إدراج أسهمها في بورصتي شنغهاي وهونغ كونغ.
وفي أواخر الشهر الماضي، قالت الجهات التنظيمية الصينية إنَّها ستفتح تحقيقاً لمكافحة الاحتكار مع شركة علي بابا، وإنَّها ستستجوب المسؤولين التنفيذيين في Ant Group بشأن تنافسية المنصة المالية وممارسات حماية المستهلك.
في غضون ذلك، أفادت صحيفة The Financial Times البريطانية، بأنَّ ما فوَّت ظهوراً كان من المقرر أن يجري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في برنامج تلفزيوني كان قد أسسه.
قال أورفيل شيل، المتابع للصين منذ فترة طويلة وصديق ما في "جمعية آسيا" في نيويورك: "إنَّه يتوارى عن الأنظار على أقل تقدير، ولا أعتقد أنَّه سيعود مجدداً على نفس النحو الذي اعتدنا عليه من قبل".
أضاف شيل أنَّ ما وصل إلى النجاح في التسعينيات، في عهد قائد الحزب الشيوعي آنذاك جيانغ زيمين، حين "كان المجتمع المدني قوياً، وكان الجميع يؤسسون منظمات بيئية ومنظمات غير حكومية".
وتابع: "كان كل ذلك على ما يرام، إلى أن لم يتصور شي استمرار المجتمع الصيني في التطور على نحوٍ أكثر انفتاحاً".
قال آرون فريدبيرغ، الخبير في الشأن الصيني وأستاذ السياسة بجامعة برينستون الأمريكية، إنَّ رغبة شي في كبح الشركات الكبرى المستقلة تتعارض مع هدفه الكبير الآخر: تعزيز القوة التكنولوجية للصين.
وأضاف: "كانت أكثر الشركات حيوية في الصين منذ بدء الإصلاح والانفتاح هي شركات خاصة اسمياً، وليست شركات مملوكة للدولة. وإذا ما كانوا يرغبون فعلاً في أن يصبحوا ابتكاريين، فإنَّ وجهة نظر معظم الاقتصاديين الغربيين هي بالتأكيد أن يسمحوا للقطاع الخاص بالحصول على مجال أكبر".
مع ذلك، يقول فريدبيرغ إنَّ هناك وجهة نظر في صفوف القيادة الصينية ترى أنَّ الاستثمار الحكومي الكبير وتحديد الدولة للأهداف قد عزَّزا أيضاً الصعود التكنولوجي للصين، وإنَّ الحزب الشيوعي يمكنه أن يصنع الكعكة وأن يأكلها أيضاً.
وأضاف فريدبيرغ أنَّ النظرية المطروحة هي: "سيكون لدينا دور أكبر في دفع وتوجيه الابتكار لأنَّه يتسم بالعجلة الكبيرة لأسباب استراتيجية. ونعم، سيكون لدينا شركات خاصة، لكنَّنا سنبقيها تحت السيطرة".