يبدو أن عام 2020 لن يأخذ مكانه في كتب التاريخ بصفته عام وباء كورونا وحسب، بل قد يطلق عليه عام التنين الذي شهد تفوق الصين على الولايات المتحدة ليس فقط في الاقتصاد ولكن أيضاً في صناعة السينما.
توقعات ببقاء هوليوود في الصدارة
في سبتمبر/ أيلول 2020، توقع تقرير صادر عن PwC وهي شركة استشارات مالية دولية، أن تظل الريادة في مجال صناعة السينما أمريكية هذا العام ولسنوات أخرى قائمة، مناقضاً تقارير سابقة توقعت صعود الصين إلى القمة في مجال السينما عالمياً للمرة الأولى على الإطلاق.
وبنيت التوقعات على أن تأثير وباء كورونا سيكون حاداً فيما يتعلق بنمو صناعة السينما في بكين، مما سيؤدي إلى تراجع عائدات شباك التذاكر بأكثر من 4.8% بشكل سنوي حتى عام 2024، وبذلك ستظل الولايات المتحدة تحتل صدارة العالم في مجال السينما لمدة 5 سنوات أخرى قادمة على الأقل، حيث ستصل عائدات شباك التذاكر فيها إلى 10 مليارات دولار عام 2024 مقارنة بـ8.1 مليار دولار فقط للصين.
وعلى الرغم من أن تداعيات وباء كورونا قد قلصت أسواق صناعة السينما في واشنطن وبكين، فإن التوقعات كانت تشير إلى قدرة الولايات المتحدة على التعافي وامتصاص الأضرار بصورة أفضل من الصين في هذا المجال بسبب اعتماد السينما في أمريكا على إنتاج أفلام ضخمة مقارنة باعتماد الصين على فتح المزيد من دور السينما.
هل تصبح الصين عاصمة السينما الجديدة؟
لكن يبدو أن 2020 هو بالفعل عام استيقاظ التنين رغم وباء فيروس كورونا، فبعد أن تخطى الاقتصاد الصيني نظيره الأمريكي للمرة الأولى على الإطلاق في العام المنتهي، وقرب تفوق البحرية الصينية أيضاً على نظيرتها الأمريكية، وصلت السيطرة إلى مجال السينما.
إذ كشف تقرير عن أداء صناعة السينما في الصين خلال العام المنتهي 2020 عن مفاجأة مدوية، حيث انتزعت الصين بالفعل مركز الصدارة من الولايات المتحدة في هذا المجال، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
الصين باعت قدراً من تذاكر سينما يفوق ما باعته الولايات المتحدة عام 2020 لأول مرة على الإطلاق. وانخفضت مبيعات شباك التذاكر في أمريكا الشمالية بنسبة 80% لتصل إلى 2.3 مليار دولار، وهو أقل مبلغ وصلت إليه في 40 عاماً (أرقام غير معدلة لمراعاة أثر التضخم). وبلغت مبيعات شباك التذاكر في الصين 2.7 مليار دولار، بانخفاض أكثر تواضعاً بلغت نسبته 70%.
لكن لم تكن تلك هي المفاجأة الوحيدة، بل أنتجت الصين أيضاً الفيلم الأعلى تحقيقا للأرباح عام 2020 وهو فيلم The Eight Hundred، كما كانت الصين صاحبة أربعة من أكبر 10 أفلام تم إنتاجها في عام الوباء.
وربما يكون هذا تغييراً مؤقتاً. إذ أعادت دور السينما الصينية فتح أبوابها في يوليو/تموز وظلت مفتوحة. أما دور السينما الأمريكية فأُغلقت في أكبر الأسواق لعدة أشهر، وأجلت شركات الإنتاج معظم إصدارات أفلامها الكبيرة لعدة أشهر.
وفي ضوء تلك التغييرات، توقع المحللون في هذا المجال أن يصبح شباك التذاكر في الصين الأكبر في العالم لسنوات قادمة، فرغم تضاؤل الفارق، ظل شباك التذاكر في أمريكا الشمالية أكبر بنحو ملياري دولار من نظيره في الصين عام 2019.
مؤشرات على أن التغيير قد لا يكون مؤقتاً
وقد تكون هذه اللحظة بالفعل هي التي تتفوق فيها الصين على أمريكا الشمالية للأبد. إذ تواصل الصين بناء دور سينما جديدة. ففي عام 2019 وحده، أضافت الدولة 9,708 شاشة سينما. وقالت مؤسسة آيماكس الشهر الماضي إنها قد تشيد 400 سينما أخرى في البلاد بحلول عام 2023.
أما في الولايات المتحدة، فيُتوقع أن تتقلص أعداد دور السينما. فإما سيترك أصحاب دور السينما هذا المجال أو سيقللون حضورهم لتعويض خسائرهم. ولكن حتى بعد إعادة فتح دور السينما، سيظل لدى محبيها دوافع أخرى للبقاء في المنزل نظراً لانتشار الأفلام الجديدة على خدمات البث وتقلص المدة بين ظهور الفيلم في دور السينما والمنزل.
وجديرٌ بالذكر أن النمو المستمر للصين كان يُنظر إليه على أنه في صالح شركات إنتاج الأفلام الأمريكية. إذ دأبت شركات إنتاج هوليوود على التودد للصين لسنوات، وكثيراً ما كانت تغض الطرف عن المخاوف المتعلقة بالحقوق المدنية والرقابة في مقابل ارتفاع مبيعات التذاكر. وقد واجهت ديزني مشكلات هذا العام لتصويرها فيلم "مولان" في شينجيانغ، وتعرضت بعض شركات الإنتاج لانتقادات متكررة لتغيير أفلامها لاسترضاء الرقابة الصينية.
على أن إرضاء الصين لا يضمن النجاح فيها. إذ تفوق المنتج المحلي على الأفلام الأمريكية رفيعة المستوى. فاستحوذت الأفلام المحلية على 64% من مبيعات التذاكر الصينية عام 2019، ارتفاعاً عن 53.8% عام 2017. وعام 2020، كانت جميع الأفلام الخمسة الأعلى إيرادات في البلاد صينية. وقد لا تكون هذه الأفلام بنفس جودة إصدارات ديزني، لكنها توافق الأذواق المحلية.
وتوقعت الولايات المتحدة أن يؤدي انفتاح الصين على الإنترنت إلى إجبارها على التكيف مع المعايير الغربية لحرية التعبير (وفتح ذراعيها لشركات الإنترنت الغربية). لكن الصين اكتفت بتكييف الإنترنت ليلائم أهدافها، ووفرت الفرصة لظهور شركات تكنولوجية خاصة بها. ويبدو كما لو أنها تنفذ خدعة مماثلة في هوليوود.
على أن الأفلام الأمريكية الكبرى ستواصل تفوقها على نظيرتها الصينية على المسرح العالمي، على الأقل حتى تتمكن الأفلام الصينية من جذب المشاهدين على مستوى العالم.