لماذا إفريقيا أقل القارات إصابة بفيروس كورونا؟ تفسير وحيد قد يحل اللغز المحيِّر

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/04 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/04 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
متحور أوميكرون ظهر أول مرة في جنوب إفريقيا/ رويترز

قارة إفريقيا هي أقل القارات إصابة ووفيات فيما يخص فيروس كورونا بعد عام من تفشي الوباء عالمياً، فهل هناك أسباب خفية تتعلق بطبيعة الفيروس أو طبيعة البشر، أم أن هناك تفسيراً أكثر بساطة؟

خطأ تقديرات "الصحة العالمية" للقارة السمراء

يوم 13 مارس/آذار 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان لها أن قارة أوروبا هي البؤرة المقبلة لجائحة كورونا بعد الصين، وصدقت التوقعات بالفعل. وفي يوم 24 من نفس الشهر، أعلنت المنظمة أن البؤرة التالية للوباء هي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أيضاً ما حدث بالفعل.

وفي يوم 17 إبريل/نيسان 2020، ذكرت منظمة الصحة العالمية في بيان لها أن "إفريقيا قد تكون البؤرة التالية لانتشار وباء فيروس كورونا"، محذرة من أن بلدان القارة السمراء لا تملك عدداً كافياً من أجهزة التنفس الصناعي اللازمة للتعامل مع انتشار الوباء. وتوقع بيان المنظمة أن "الشهور القليلة القادمة قد تشهد 10 ملايين إصابة" في إفريقيا.

إفريقيا أقل القارات في إصابات ووفيات كورونا

لكن حتى اليوم الاثنين 4 يناير/كانون الثاني 2021، سجلت القارة السمراء أقل من 3 ملايين حالة إصابة بفيروس كورونا، وأقل من 68 ألف حالة وفاة، بحسب موقع وورلدميترز كورونا، فهل يعني ذلك أن الحكومات الإفريقية أكثر استعداداً للتعامل مع الوباء من نظيراتها في قارات أوروبا والأمريكتين وآسيا؟

قارة أوروبا سجلت حتى اليوم أكثر من 24.3 مليون حالة إصابة وأكثر من 554 ألف حالة وفاة، بينما سجلت قارة آسيا نحو 21 مليون حالة إصابة وأكثر من 341 ألف حالة وفاة، وفي أمريكا الشمالية تم تسجيل أكثر من 24.1 مليون حالة إصابة والوفيات تخطت 360 ألف حالة، وفي أمريكا الجنوبية بلغت حالات الإصابة نحو 13.3 مليون حالة والوفيات تخطت 365 ألف حالة.

ألغاز فيروس كورونا المستجد

وضع جائحة كورونا في القارة السمراء يمثل أحد الألغاز الخاصة بفيروس كورونا بعد عام من تفشي الوباء في جميع أنحاء الكرة الأرضية، وهو ليس اللغز الوحيد، إذ إن المعلومات المؤكدة بشأن الفيروس المستجد لا تزال عديدة ومتنوعة.

فيروس كورونا المستجد: كيف ستتطور الجائحة في 2021، تعبيرية/ رويترز

فغالبية دول القارة السمراء تعاني ليس فقط من نقص المستلزمات الطبية ولكن يعاني أكثر من ثلث سكان القارة البالغ عددهم نحو مليار نسمة من نقص مياه الشرب النظيفة، وهذه النقاط تجعل مسألة التصدي لوباء كورونا مهمة شبه مستحيلة. ورغم ذلك لا تزال أرقام الإصابات والوفيات أقل كثيراً من نظيرتها في باقي قارات العالم.

هل عدم تسجيل الوفيات عامل مؤثر؟

نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية تقريراً أعدته روث ماكلين، مديرة مكتب الصحيفة في غرب إفريقيا، ألقى الضوء على حقيقة أن الغالبية العظمى من دول القارة السمراء لا تقوم بتسجيل معظم الوفيات لديها من الأساس.

ففيما تجتاح جائحة فيروس كورونا العالم، أصبح واضحاً على نحوٍ متزايد أنَّ معظم الوفيات لا تُسجَّل أبداً في الغالبية العظمى من بلدان القارة الإفريقية. ويصعب التوصل إلى بيانات موثوقة بشأن الوفيات وأسبابها في بلدٍ ما، وهو ما يعني إمكان إغفال الحكومة للتهديدات الصحية الناشئة- سواء كانت إيبولا أو فيروس كورونا- وأنَّ عليها في الغالب صياغة السياسة الصحية على نحوٍ أعمى.

تعاني غالبية دول أفريقيا من نقص حاد في متطلبات مواجهة جائحة كورونا

غالباً ما يُقال إنَّ فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) تجنَّب إفريقيا إلى حدٍ كبير. ويفترض بعض علماء الأوبئة أنَّ سكان القارة الذين يغلب عليهم الشباب كانوا أقل عرضة للخطر، ويفترض آخرون أنَّ التعرُّض سابقاً لأشكال أخرى من فيروس كورونا قد وفَّر بعض الحماية.

لكن كما هو الحال مع الأمراض الأخرى، لن نعرف على الأرجح حصيلة ضحاياه الحقيقية أبداً، ويعود ذلك جزئياً إلى أنَّه لا يمكن استخدام ارتفاع معدلات الوفاة كمقياس مثلما هو الحال في المناطق الأخرى.

وقال الخبير الديموغرافي الذي يعمل على معدلات الوفيات في العديد من البلدان الإفريقية، ستيفان هيليرينغر للصحيفة: "هناك بلدان قليلة جداً جداً تحاول مجرد محاولة لتقدير الوفيات بناءً على معدل الوفيات".

كيف يتم إحصاء الوفيات في إفريقيا؟

ومؤخراً في أحد المكاتب الحكومية في منطقة "إتي أوسا" الراقية في مدينة لاغوس، كانت أكوام من السجلات والكتب المُثقَّبة لشهادات الميلاد والوفيات الصفراء تحيط بأبايومي أغونبيادي، وهو موظف تسجيل لدى لجنة السكان النيجيرية. وقال إنَّ السكان الثكالى يميلون إلى تجنُّب مكتبه، ما لم يكونوا بحاجة إلى شهادة ميلاد لتسوية نزاع على الإرث أو للحصول على معاش.

نيجيريا سجلت 10% فقط من الوفيات عام 2017

وجرى تسجيل 10% فقط من الوفيات في نيجيريا عام 2017، وهي أكبر بلدان القارة سكاناً بفارق كبير عن البلد التالي لها، في تراجع عن نسبة 13.5% التي سُجِّلت قبل عقد من الزمن. وتُعَد النسبة أدنى من ذلك في بلدان إفريقية أخرى مثل النيجر.

ولا تعرف العائلات في كثير من الحالات أنَّ عليها الإبلاغ عن الوفيات، وحتى ولو كانت تعرف، لا يوجد حافز كبير لعمل ذلك. وتدفن الكثير من العائلات أحباءها في فناء بالمنزل، حيث لا يحتاجون إلى تصريح للدفن، ناهيكم عن احتياجهم لشهادة وفاة.

وتجمع شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة إحصائيات حيوية من جميع أنحاء العالم. وتقول الشعبة إنَّه يجري تسجيل 90% على الأقل من الوفيات في أمريكا الشمالية ومعظم أمريكا الجنوبية وأوروبا وأوقيانوسيا.

لكن لا تملك الأمم المتحدة بيانات لمعظم البلدان الإفريقية. وفي غياب البيانات الدقيقة، جاء الباحثون بطرق أخرى لتقدير معدلات الوفيات. وتقوم معظم البلدان الإفريقية بمسوحات كل بضع سنوات لمحاولة التعرف على الاتجاهات الديموغرافية والصحية العامة. لكنَّ هذه المسوحات غير منتظمة، وهناك مجال كبير للخطأ.

ويحصي بعض الباحثين القبور في صور الأقمار الصناعية، أو يسألون حفاري القبور، مثلما حدث في تفشي إيبولا عام 2014 في غرب إفريقيا. وقال 6 من متعهدي الدفن وصانعي التوابيت في شارع مكتظ في واحدٍ من أقدم الأحياء في لاغوس إنهم لاحظوا أنَّ العمل كان منتعشاً بصفة خاصة في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين.

وقال توبي أكينديكو، مدير متجر للتوابيت، للصحيفة الأمريكية: "مستودعات الموتى كانت مكتظة". فهل من الممكن أنَّ ذلك كان ارتفاعاً في وفيات كوفيد 19؟ أو ربما تراكم الجنازات بعد شهرين من الإغلاق في لاغوس؟ يصعب الجزم بسبب قلة عدد الوفيات المسجلة.

إذ يجرى التعرُّف على الأوبئة في المناطق الأخرى من العالم من خلال الارتفاعات غير المعتادة في الوفيات مقارنةً بمعدل الوفيات في سنة طبيعية. لكن لا يمكن لمعظم البلدان الإفريقية عمل ذلك، لأنَّها لا تعرف معدل أساس الوفيات. وبالتالي فإنه في غياب البيانات، يمكن أن يطلق الخبراء ادعاءات شديدة التباين.

تحميل المزيد