أظهر تمكن الجيش الجزائري من وضع يده على 80 ألف يورو بمخابئ عناصر تابعة لتنظيمات جهادية جدية التهديد الذي يشكله دفع الفرنسيين لفدية مقابل تحرير رهائن على الأمن الداخلي للبلاد، ما وتّر العلاقة أكثر بين الجزائر وباريس.
ففي 28 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، نفذ الجيش الجزائري عملية عسكرية استباقية لمنع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب من إعادة تنظيم صفوفه بعد مقتل زعيمه عبدالمالك دروكدال، في يونيو/حزيران الماضي، شمالي مالي.
وتمكن حينها من قتل 3 عناصر معهم جزء من أموال فدية، بأقصى شمال الجزائر.
وتتهم الجزائر فرنسا بأنها قدمت ما بين 10 و30 مليون يورو فدية لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي يعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب أحد أركانها الأربعة.
حيث تم إطلاق 207 من المتهمين بـ"الإرهاب" كانوا معتقلين لدى السلطات المالية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل تحرير 4 رهائن بينهم سيدة فرنسية.
القضية بين الاتهام والنفي!
ونفت باريس الاتهامات الجزائرية لها بدفع فدية للجماعات الجهادية للإفراج عن الرهائن الأربعة وعلى رأسهم الفرنسية صوفي بيترونين، وقال رئيس الوزراء جان كاستكس، في 12 أكتوبر: "لم نكن جزءاً من هذه المفاوضات".
وتعتبر الجزائر أن دفع فرنسا فدية للجماعات الجهادية يخالف اللائحة الأممية التي تجرم دفع الفدية، والصادرة في 2014.
حيث خاض دبلوماسيون جزائريون طيلة سنوات معركة شرسة في أروقة الأمم المتحدة لاستصدار قرار أممي يدين دفع الفدية، لكن أغلب الدول الأوروبية وعلى رأسها باريس عرقلت هذه الخطوة، بينما أيدتها واشنطن.
وتقول صحيفة "جون أفريك" الفرنسية إنه "يُعتقد أن مدفوعات الفدية للإفراج عن الرهائن الغربيين في منطقة الساحل أمر روتيني، دون تأكيد رسمي لهذه التفاصيل أو التعليق على مدى صدقها، في معظم الحالات".
إذ إنه منذ 2003، اعتادت دول أوروبية بينها فرنسا وألمانيا على دفع أموال فدية بملايين اليوروهات للجماعات المسلحة مقابل تحرير رهائنها، بحسب تقارير إعلامية متطابقة.
الجزائر تلاحق أموال الفدية
وترى السلطات الجزائرية أن أموال الفدية التي دفعتها فرنسا لجماعات مسلحة ستنعكس سلباً على أمنها واستقرارها الداخلي، لأن هذه الجماعات ستستغلها لمضاعفة نشاطها بمنطقة الساحل الإفريقي، من خلال شراء الأسلحة وتجنيد مزيد من العناصر في مناطق ينتشر بها الفقر والتهميش.
ويستدل العقيد المتقاعد عبدالحميد العربي شريف، في تصريح لصحيفة "المساء" الحكومية، أن مختار بلمختار، أمير كتيبة المرابطين، أحد أفرع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، تمكن بفضل أموال الفدية التي جمعها من اختطاف أوروبيين من التقرب من القبائل المالية لتجنيد شبابها، ورفع عدد عناصره من 60 إلى نحو ألف مسلح.
ويكشف العقيد الجزائري المتقاعد أن بلمختار جمع 31 مليون يورو من أموال الفدية التي دفعتها له فرنسا، واشترى بها كميات كبيرة من الأسلحة من ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي (2011)، وأشرف على تمويل وتسليح وتدريب عناصر "بوكوحرام" في نيجيريا.
وساعد على اكتشاف الدفعة الأولى لأموال الفدية الفرنسية قيام الجيش الجزائري بعمليات نوعية خلال أقل من 3 أشهر، مكنته من اعتقال 3 مسلحين، أخطرهم رزقان أحسن، المدعو "أبوالدحداح"، في 16 ديسمبر/كانون الأول، بمنطقة تامنجار بمحافظة جيجل (شمال شرق).
وفي نفس المحافظة تم اكتشاف جزء من أموال الفدية بفضل المعلومات التي يرجح أنه تم الحصول عليها من "أبوالدحداح".
كما ألقي القبض على "مايس" في محافظة تمنراست الحدودية مع مالي (جنوب) بعد أيام فقط من إطلاق سراحه في صفقة الإفراج عن الرهائن، أما العنصر الثالث فألقي القبض عليه في محافظة تلمسان (شمال غرب) الحدودية مع المغرب، في 27 أكتوبر/تشرين الأول، وكان من بين من أطلق سراحهم أيضاً.
ويُعتقد أن العنصرين المفرج عنهما كانا في طريقهما لزيارة أهلهما، وليس للقيام بعمليات إرهابية، بحسب محللين أمنيين.
وتسعى أجهزة الأمن الجزائرية لتتبع الإرهابيين المتسللين إلى أراضيها بعد إطلاق سراحهم في مالي، والبحث عن أموال الفدية التي من الممكن أن تكون وزعت على بقايا الجماعات المسلحة في الجبال النائية شمالي البلاد أو على المناطق الصحراوية الجنوبية.
توتر العلاقات مع فرنسا
صعدت الجزائر من خلافها مع فرنسا بعد الصفقة التي توصلت إليها الأخيرة مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي يقودها إياد آغ غالي.
وهاجمت وسائل إعلام جزائرية رسمية، معروفة بخطابها الهادئ، فرنسا بعد دفعها فدية لتحرير رهائن، واعتبرت أنها تمول بذلك الإرهاب.
ورغم الزيارة التي قادت وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانان، للجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتلطيف الأجواء، إلا أنه استقبل بشكل باهت وغير مسبوق لمسؤول فرنسي بهذا الحجم.
حيث لم يستقبل وزير الداخلية الجزائري نور الدين بلجود نظيره الفرنسي بالمطار كما كان منتظراً، وتم تخفيض مستوى الاستقبال، للدلالة على استياء الجزائر، من مواصلة باريس سياسة دفع الفدية للجماعات المسلحة دون الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الجدية على الأمن القومي للجزائر ودول المنطقة.
2020.. ثالث عام مر بسلام
وقام الجيش الجزائري خلال 2020 بعدة عمليات عسكرية استباقية لمعاقل الجماعات المسلحة، ونجح في منع حدوث هجمات إرهابية كبيرة للعام الثالث على التوالي منذ 2017، رغم مقتل بضعة جنود في مواجهات مع الجماعات المسلحة وفي هجوم انتحاري وحيد على ثكنة في منطقة نائية أقصى الجنوب قتل فيها جندي واحد.
وتوعد الرئيس عبدالمجيد تبون في يونيو/حزيران الماضي، بالقضاء "على بقايا الإرهاب"، بعد مقتل جندي آخر خلال اشتباك مع مسلحين.
وقبلها بأيام، أعلن الجيش الفرنسي قتل دروكدال، شمالي مالي، وخلفه المدعو يوسف العنابي، على رأس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، مما جدد القلق بشأن قيامه بعمليات إرهابية استعراضية لإثبات وجوده.
لكن عام 2020 لم يشهد عمليات إرهابية كبيرة تستحق الذكر، بل شهد تسليم عدد من المسلحين أنفسهم وإيقاف آخرين والقضاء على عدد آخر، بحسب بيانات وزارة الدفاع.
واعتبرت الصحافة الجزائرية الرسمية أن الجيش أحبط بذلك خطة لإعادة انتشار تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، بعد مقتل زعيمه دروكدال.
ويشكل العام الجديد 2021 تحدياً كبيرا للجزائر لمنع "القاعدة في بلاد المغرب" من استغلال أموال الفدية لإعادة تنظيم نفسها، بعد أن شُلت حركتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة على وجه التحديد.