سيطر المحافظون في إيران على البرلمان في انتخابات 2020، فهل يفوز مرشحهم بالرئاسة في 2021؟ الإجابة قد يكون نصفها في واشنطن والنصف الآخر في طهران.
تيار الإصلاحيين خسر البرلمان
مع حلول الذكرى الأولى لاغتيال أقوى شخصية عسكرية في إيران، وهو قاسم سليماني، في ضربة جوية أقرها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، فجر الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، يخيم شبح الحرب على أجواء الشرق الأوسط، تماماً كما كان الحال قبل عام مضى.
لكن لا أحد يمكنه الجزم بأن الحرب التي لا يريدها أحد فعلاً قد تندلع في الأسبوعين المقبلين، وبالتحديد حتى ظهر 20 يناير/كانون الثاني الجاري، حين تنتهي رئاسة ترامب رسمياً وتنتهي معها سلطته بإصدار أمر الحرب، في ظل وجود حسابات كثيرة ومعقدة تخص الوضع الإقليمي والدولي بشكل عام.
وبعيداً عن التوتر الحاصل حالياً، تواجه إيران انتخابات رئاسية في يونيو/حزيران المقبل، قد تحدد نتيجتها الكثير، سواء على مستوى الداخل الإيراني أو على مستوى الأوضاع الإقليمية والدولية بشكل عام. فمنذ اندلاع الثورة في إيران عام 1979، أصبحت طهران تمثل عنصر عدم استقرار رئيسي في المنطقة بسبب مفهوم "تصدير الثورة" والتدخل في شؤون كثير من الدول العربية، وعلى رأسها لبنان والعراق وسوريا واليمن والبحرين أيضاً.
وعلى الرغم من أن المعادين لإيران يرون أنه لا يوجد في طهران تيار إصلاحي معتدل وآخر محافظ متشدد، إلا أن واقع الأمر يؤكد بالفعل وجود التيارين بصورة لا يمكن إنكارها، وكان الدليل الأكبر هو التوصل للاتفاق النووي عام 2015، في ظل إدارة الرئيس الحالي حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.
وقد ساعد على تمرير الاتفاق من الجانب الإيراني سيطرة تيار الإصلاحيين على البرلمان في انتخابات عام 2016 تغير المشهد السياسي في إيران إلى حد بعيد منذ الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت عام 2016. ففي الانتخابات الماضية، حيث نجح تحالف يضم الإصلاحيين والمعتدلين المؤيدين للرئيس روحاني في إلحاق الهزيمة بالمحافظين الذين كانوا يسيطرون على المجلس منذ عام 2004.
ومثل دخول الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية حيز التطبيق مع بداية عام 2016 نقطة تحول، وانتعشت الآمال بتطبيع علاقات إيران مع المجتمع الدولي، ورفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها، وبالتالي تحسن الاقتصاد الإيراني. وقد ساعدت تلك الأجواء كثيراً أنصار روحاني في كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات، وحصد نسبة كبيرة من مقاعد المجلس.
لكن الأمور تغيرت بشكل جذري منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية وتشديدها بصورة غير مسبوقة، ثم جاء اغتيال سليماني مطلع 2020 وقبل أقل من شهرين فقط من الانتخابات البرلمانية في طهران، ليمثل ضربة قاصمة للتيار الإصلاحي الذي يقوده روحاني، وكانت النتيجة سيطرة التيار المحافظ المتشدد والمعادي للغرب على البرلمان، أو بمعنى أدق استعادة السيطرة على البرلمان مرة أخرى.
هل يمتلك التيار الإصلاحي فرصة للفوز بالرئاسة؟
تجري إيران انتخابات رئاسية في يونيو/حزيران المقبل، ولن يترشح فيها حسن روحاني لأن فترته الرئاسية الثانية تنتهي هذا العام، وبالتالي يتمحور السؤال حول من قد يحظى بدعم التيار الإصلاحي ليترشح خلفاً لروحاني، لكن السؤال الأهم هو: هل يمتلك مرشح هذا التيار فرصة للنجاح من الأساس؟
قياساً على الموقف الحالي المتمثل في سيطرة المتشددين على البرلمان والهيئة العليا للانتخابات من جهة، والوضع الاقتصادي المنهار بفعل العقوبات وتداعيات فيروس كورونا، إضافة إلى اغتيال سليماني مطلع العام، والعالم النووي محسن فخري زادة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من جهة أخرى، يرى كثير من المراقبين أن مرشح التيار الإصلاحي -بغض النظر عن شخصه- قد لا تكون أمامه فرصة كبيرة للفوز.
دراما تلفزيونية قد تلعب دوراً
وفي سياق الانتخابات الرئاسية المقبلة، تقول صحيفة The Guardian البريطانية إن مسلسل Aghazadeh، الذي أطلقته شبكة Namava، وهي النسخة الإيرانية من نتفلكس، يُعَدُّ واحداً من أكثر المسلسلات مشاهدةً حتى الآن، حيث اشترك في مشاهدته حوالي مليوني مشترك.
لكن السبب وراء صدارة هذا المسلسل الدرامي لا يكمن في عرض الموضوعات المُحرَّمة في إيران -مثل تعاطي المخدّرات والحفلات المُختلطة التي يشرب فيها المحتفلون الكحوليات- بل محاولة المسلسل إبراز استياء الجمهور الإيراني من الفساد الصارخ لأبناء النخبة السياسية.
وتتوقَّع الصحيفة البريطانية أن تكون للمسلسل ذي الشعبية الواسعة القدرة على التأثير على مواقف الناخبين، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، من خلال تسليط الضوء على سلوك النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية. ولطالما ابتُلِيَت إيران بفسادٍ منهجي، بل ولقد حفَّزَ هذا الفساد نزول الناس إلى الشوارع في احتجاجاتٍ كبرى، كان آخرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، التي يُعتَقَد أن قوات الأمن قتلت فيها أكثر من 200 متظاهر، علاوة على اعتقالها الآلاف من المحتجين.
ويتتبَّع المسلسل شخصية نيما بهري، وهو أحد أبناء النخبة الذي يتسوَّق في دار كريستيز للمزادات، ويسافر إلى دبي على متن طائرةٍ خاصة. لدى بهري الكثير من الأموال التي يتعيَّن عليها غسيلها، وإحدى الطرق التي يفعل بها ذلك هي بيع اللوحات المُقلَّدة بالمزاد العلني، مثل عملٍ للرسَّام والشاعر الإيراني الراحل سهراب سبهري. وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن تلك كانت إحدى الإيماءات لأحداثٍ واقعية في إيران، إذ بيعَت بالفعل لوحةٌ لسبهري بأكثر من 637 ألف دولار في مزاد طهران في العام 2018، بعد أشهرٍ فقط من إعادة الولايات المتحدة فرض العقوبات على إيران. أما عدو بهري، فهو عميلٌ للاستخبارات القضائية يُدعَى حامد طهراني، وهو أيضاً من أبناء النخبة -وإن كان من خلفيةٍ متواضعة- يحاول محاكمة بهري بتهمة ارتكاب جرائم اقتصادية.
وكان حامد عنقا، كاتب السيناريو ومنتج المسلسل، قد أجرى حواراً مع وكالة مهر الإيرانية للأنباء، قال فيه: "إذا كنت تعتقد أن سردية مسلسل Aghazadeh فاسدة للغاية، أخلاقياً واقتصادياً، فأنا أقول لك إن ما تراه مجرد غيض من فيض".
هل ساهم الحرس الثوري في إنتاج المسلسل؟
الصحيفة البريطانية لمّحت في مقالها إلى أن المسلسل قد أُنتِجَ ببعضٍ من الدعم المالي من أعضاءٍ تابعين للحرس الثوري، ما يشير إلى وجود أجندة سياسية. وباتِّباع قصة المسلسل عن كثب يتضح أنه يلاحق أولئك المرتبطين بإدارة حسن روحاني، المعروفة بموقفها المؤيِّد للغرب والتفاوض بشأن الاتفاقية النووية لعام 2015.
فرغم أن مزاعم الفساد في الحرس الثوري ليست غريبة تتميَّز العديد من القصص الشعبية حول البذخ في النخبة بوجود دوائر موالية للغرب داخل إيران. وقد صِيغَ مصطلح Aghazadeh (أغازاده- ويعني أبناء النخبة) في البداية ليصف أبناء الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي ظهر في مجلة Forbes الأمريكية باسم "الملا المليونير"، إذ زادت ثروته عن مليار دولار.
وقد حكم على نجل رفسنجاني مهدي هاشمي بالسجن في العام 2015 لأكثر من عشر سنوات بتهمة الفساد. ثم هناك أيضاً السفير الإيراني السابق لدى فنزويلا، ساشا سوبهاني، الذي يعمل مغنياً الآن، ويتباهى بلا خجلٍ أمام متابعيه الـ2.6 مليون على منصة إنستغرام بثروته الهائلة.
وذكرت صحيفة The Guardian أن عشيرة مؤسِّس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني، ليست استثناءً من ذلك. نشرت إحدى حفيداته، وهي نعمية طاهري، التي درست في كندا، قصصاً على منصة إنستغرام عن جولتها بطائرةٍ هليكوبتر فوق لوس أنجلوس. وتعرَّض ابن عم نعيمة، وهو أحمد الخميني، وهو من الجناح الإصلاحي، لانتقاداتٍ حادة بسبب أسلوب حياته "الفاخر" في طهران.
وأرجَعَت الصحيفة الفضل إلى وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن حياة أبناء النخبة، التي لم تعد مادة للشائعات، بل أصبح من الممكن التعرُّف عليها بسهولة وتداولها عبر الإنترنت ليراها المواطن الإيراني العادي.
كما يُصقِل المسلسل صورة القضاء في البلاد. يُعتَبَر بطل المسلسل مثل رسول قهرماني، مساعد المُدَّعي العام في طهران المسؤول عن الجرائم الاقتصادية، والذي أصبح رمزاً لحملة مكافحة الفساد التي يقودها رئيس القضاء المُتشدِّد إبراهيم رئيسي، المنافس الأبرز لمنصب المرشد الأعلى مستقبلاً. واستهدَفَت حملة رئيسي، التي دُشِّنَت لتحقيق مكاسب سياسية وتوطيد السلطة، بعض أبناء النخبة، وتحديداً أولئك المُقرَّبين من الرئيس روحاني.
وفي السياق، ستكون مكافحة الفساد قضيةً مركزيةً قبل انتخابات يونيو/حزيران، وسيضطلع مسلسل Aghazadeh بدورٍ خفيٍّ في تمهيد البلاد لهذه الحملة. ومن المُرجَّح أن تمنح الحملة المُتشدِّدين دفعةً، ربما من خلال شنِّ حملاتٍ شعبوية ضد فساد الفصائل الأكثر براغماتية وإصلاحية.