حقق الجواسيس الروس مكاسب بارعة وكبيرة في مجال التجسس داخل الغرب خلال عام 2020، لكنّهم تعثّروا أيضاً بـ"مؤامرات قتل خرقاء" زادت سوء سمعتهم في مجال العلاقات الدولية التنافسي. وربما سيعتقد البعض أن مُديرهم "يستحق الطرد" بسبب هذا السجل الحافل، ولكن هذا الفريق يُديره فلاديمير بوتين. وهو شخصٌ لا يكترث لأي شيء على الإطلاق، كما يقول تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
بوتين خبير المجازفات الخطرة وبطل استعراض العضلات
يقول جون سايفر، رئيس وحدة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" (CIA) السابق في موسكو: "ما يُفاجئني هو استعداد بوتين للمخاطرة بالسقوط من أجل مثل هذه الأمور الصغيرة". إذ لم تكُن جميع الأهداف "تُمثّل تهديداً حقيقياً لبوتين".
وأوضح أنّ رمز المعارضة الروسي أليكسي نافالني "يحظى بدعم 3% من السكان فقط" بطول روسيا وعرضها، ولكن جهاز الأمن الفيدرالي -ذراع الأمن الداخلي لموسكو- حاول في أغسطس/آب الماضي تسميمه حتى الموت بغاز الأعصاب نوفيتشوك.
بينما قال دوغلاس لندن، المسؤول الكبير المتقاعد من وكالة الاستخبارات المركزية إنّ الضربات "تخدم هدفاً ما، وتكلفتها بسيطة، لأنّ بوتين يُحب استعراض العضلات الكبيرة، إنّها المدرسة الروسية القديمة". يقول سايفر: "لقد تجاوز الحدود، ولكنّه لم يدفع الثمن على أيّ شيء".
14 عميلاً روسياً طردوا علناً من 7 دول خلال 2020
في الحقيقة، إن الثمن الذي يُمكن لبوتين التعايش معه هو توبيخٌ من الحكومات التي أهانها في صورة الطرد والعقوبات، إذ وجدت مراجعةٌ لموقع SpyTalk -بواسطة روب لي الباحث في كلية الملك بلندن- أنّ هناك 14 جاسوساً روسياً طردوا علناً من سبع دول في عام 2020، غالبيتهم بسبب التجسس وبعضهم بسبب التدخّلات السياسية. وفي مهزلة هوليوودية الطراز، جرى طرد "دبلوماسيين" روسيين من براغ العام 2020 بعد اكتشاف أنّهم زرعوا قصةً زائفة في منافذ الإعلام المحلية، تقول إنّ روسيّاً آخر -يُنافسهم داخل سفارتهم- كان يُخطّط لتسميم مسؤولين تشيكيين.
وحدث الأمر ذاته في أماكن أخرى، حيث قُبِضَ على عملاء موسكو متلبسين بالتجسّس أو التآمر السياسي. وتدخّلت موسكو بشكلٍ أكثر جدية في غيانا الواقعة شمال أمريكا الجنوبية، وفقاً لتقريرٍ إخباري صدر في مارس/آذار. حيث "طُرِدَ روسي، وروسي-أمريكي، وليبي بتهمة محاولة التدخل في العملية الانتخابية بأمرٍ من حزبٍ مُعارض عبر مؤامرةٍ لاختراق نظام حاسوب لجنة انتخابات غيانا".
ولم تكتفِ أوكرانيا على الجانب الآخر باقتلاع العملاء الروس. ففي حربها الافتراضية مع موسكو منذ غزو وضم القرم عام 2014، نجحت أوكرانيا خلال الأسبوع الجاري، في "إغلاق أربع شبكات استخبارات واعتقلت 11 عميلاً للأجهزة الاستخباراتية الروسية، ثلاثةٌ منهم كانوا متورطين في محاولة تخريب وهجمات إرهابية على منشآت حساسة للبنية التحتية"، وفقاً لما أعلنته كييف. وأضافت كييف: "اعتُقِلَ عميلٌ آخر لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي في منطقة لوهانسك، إذ حاول تسليم الجانب الأجنبي وثائق سرية بشأن نظام صواريخ نبتون الذي صممته صناعة الدفاع الأوكرانية". ولا تزال تحقيقات مكافحة التجسس جارية.
الأمريكيون لا يزالون يكتشفون هول ما أحدثته الهجمات الروسية ويدرسون خياراتهم
ولم يكُن أمام واشنطن الكثير من الخيارات بخلاف العقوبات أو تقديم لوائح الاتّهام الغيابية ضد العملاء الروس في قضية هانتر بايدن وغيرها، حتى مع الهجمات السيبرانية الفظيعة على الولايات المتحدة عام 2020، نظراً لأنّ جميع الجناة كانوا خارج نطاق إنفاذ القانون الأمريكي.
وعلى النحو نفسه، لا يزال المسؤولون الأمريكيون يدرسون جميع الخيارات القانونية للتعامل مع الاختراق الروسي الكبير الذي اكتُشِف مؤخراً لأنظمة الحاسوب داخل العديد من الوكالات الفيدرالية، ومنها وزارات الدفاع والخزانة والأمن الداخلي والزراعة والتجارة.
إذ قال مسؤولٌ بارز في الإدارة لشبكة CNN الأمريكية: "رغم قناعة المسؤولين الأمريكيين بأنّ كياناً أو أفراداً مرتبطين بروسيا هم المسؤولون عن الهجمات، فإنّهم لم ينتهوا بعد من تحديد هوية الأطراف المسؤولة تحديداً".
في عام 2020، بدا بوتين أكثر حرصاً فيما يتعلّق بالاغتيالات. وربما كان الأمر مجرد صدفة، أو وليد غياب الأهداف في التوقيتات المناسبة.
ولكن الحاكم الروسي القوي لا يُظهِر أي علامة على تغيير المسار، بل على العكس، فقد كان يحتفي بأجهزته الاستخباراتية. فابتداءً من يناير/كانون الثاني الماضي، أقام رئيس وكالة خدمة المخابرات الخارجية حفلاً غير مسبوق لتكريم العديد من العملاء الذين خدموا بامتياز حول العالم.
إدارة ترامب وفرت غطاءً رفيع المستوى لحماية روسيا من العواقب
ويمتلك بوتين أسباباً وجيهة لـ"نفش ريشه" وفقاً لمسؤولٍ كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية: فترامب لم يجعل روسيا تدفع أي ثمنٍ لتجاوزاتها.
كما قال لندن، الذي تقاعد مؤخراً من مسيرة مهنية امتدت لـ34 عاماً في إدارة العمليات بوكالة الاستخبارات المركزية، لموقع SpyTalk: "لا يكمُن السبب في براعة الروس، ولكن خلال السنوات الأربع الماضية تسبّب المناخ السياسي في إعاقة المجتمع الاستخباراتي الأمريكي عن الاستفادة من قدراته ومزاياه، مع توفير البيت الأبيض غطاءً رفيع المستوى يحمي الكرملين من العواقب".
في حين قال دان هوفمان، الذي أدار محطة وكالة الاستخبارات المركزية في موسكو: "ليست هناك قواعدٌ في التجسس، رغم كونه مبدأ متعارفاً عليه عالمياً. وبوتين يلعب من دون قواعد، بل يُحاول الإفلات بأكبر مكاسب ممكنة".
وأضاف سايفر: "إما أن يكون سفاحاً من الاستخبارات السوفييتية، أو مجرد شخصٍ خائف أكثر مما نعتقد. أميل للاعتقاد بأنّه يُواصل النظر إلى العالم بعين الدولة البوليسية السوفييتية، وهذا هو ما يفعلونه".