جاء توقيع اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية، ليمثل أكثر من محاولة بين البلدين للتغلب على تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على التجارة بينهما التي تحتل فيها لندن المرتبة الثانية في قائمة شركاء تركيا بعد ألمانيا.
ويحوي الاتفاق ترتيبات تجارية تتضمن إعفاءات من الرسوم الجمركية، والتي ستدعم العلاقات التجارية بين البلدين بقيمة 18.6 مليار جنيه إسترليني في عام 2019.
ولكن اللافت أن اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية تلزم البلدين بالعمل نحو اتفاقية تجارية أكثر طموحاً في المستقبل، تتضمن تحرير تجارة الخدمات، والزراعة خلال العامين المقبلين، فلقد تم إضافة بند بشأن ضرورة توسيع نطاق الاتفاقية لتشمل مجالات مثل الخدمات والاستثمارات والامتيازات الزراعية المتقدمة.
في العام الماضي 2019، بلغت الصادرات التركية إلى المملكة المتحدة 11.2 مليار دولار، في حين بلغت قيمة الواردات التركية من بريطانيا 5.6 مليار دولار، أي أن صادرات تركيا ضعف الصادرات البريطانية.
فالمملكة المتحدة الثانية من حيث تلقي الصادرات التركية بعد ألمانيا والفائض التجاري التركي مع لندن أكثر من أي دولة أخرى.
وأبرز السلع التي تستوردها بريطانيا من تركيا هي المعادن الثمينة، والسيارات والمنسوجات والمعدات الكهربائية.
تفاصيل اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية
اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية هي الأولى للندن منذ الموافقة على صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- وهو تطور من شأنه أن يعزز العلاقات بين البلدين اللتين توترت علاقتهما مع الاتحاد الأوروبي، حسب وصف صحيفة The Guardian البريطانية.
والتقى وزيرا التجارة في البلدين عبر مكالمة فيديو أمس الثلاثاء، حيث وقع وزير التجارة التركي روهسار بيكان والسفير البريطاني في تركيا دومينيك شيلكوت الاتفاقية البريطانية التركية.
وستدخل اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2021، والذي يتزامن مع خروج بريطانيا من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لضمان أن التدفق الحالي للبضائع لن يتأثر عندما تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي رسمياً في نهاية العام.
وقالت وزيرة التجارة الدولية البريطانية ليز تروس"إن اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية تمهد الطريق لصفقة جديدة أكثر طموحاً مع تركيا في المستقبل القريب، وهي جزء من خطتنا لوضع المملكة المتحدة في مركز شبكة من الاتفاقيات الحديثة ذات الاقتصادات الديناميكية".
وأضافت تروس: "نحن نستعد لاتفاقية موسعة أكثر طموحاً، والتي ستشمل الخدمات بشكل خاص. وبهذا المعنى أعتقد أنه يمكننا تحقيق تسارع كبير في مجال الخدمات وتجارة التكنولوجيا بشكل أسرع". أدلت بتعليقها.
وأردفت "نفتح اليوم صفحة جديدة في التعاون بين تركيا والمملكة المتحدة".
ووصف وزير التجارة التركي اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية بأنها أهم اتفاقية تجارية لتركيا منذ توقيع اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي في عام 1995.
وقوبلت الصفقة بارتياح من قبل الليرة التركية، التي ارتفعت لليوم الخامس على التوالي قبل التوقيع.
واللافت أن اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية ستدخل حيز التنفيذ اعتباراً من الشهر المقبل على الرغم من حقيقة أنه لم يكن هناك وقت كافٍ للتصديق عليها في أي من برلماني البلدين قبل نهاية العام.
والصفقة مع تركيا هي خامس أكبر اتفاقية تجارة حرة تفاوضت عليها المملكة المتحدة بعد صفقات مع اليابان وكندا وسويسرا والنرويج. تم الآن توقيع اتفاقيات تجارية مع 62 دولة استعداداً للخروج الرسمي للمملكة المتحدة من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في 1 يناير/كانون الثاني.
هل تتضمن سلع جديدة؟
تم في الاتفاقية توسيع المجالات الحالية التي يشملها الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ليتضمن الزراعة والمنتجات الزراعية المصنعة.
وبالتالي تشمل الاتفاقية جميع السلع الزراعية والصناعية ولكنها تحظى بأهمية خاصة لصناعات السيارات والتصنيع والصلب في المملكة المتحدة.
وستؤمن اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية التعريفات التفضيلية الحالية لـ7600 شركة بريطانية قامت بتصدير البضائع إلى تركيا في عام 2019، مما يضمن استمرار تدفق السلع المعفاة من الرسوم الجمركية وحماية سلاسل التوريد الحيوية بين المملكة المتحدة وتركيا في قطاع التصنيع وخاصة السيارات وهو أمر حيوي لشركات تصنيع السيارات مثل فورد التي لديها مصانع في البلدين.
ورحب رئيس فورد في أوروبا، ستيوارت رولي، بالتوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية، وقال إنها ستحقق الازدهار الاقتصادي لكلا البلدين.
العمالة
إذ قال "عندما كنا عضواً في الاتحاد الأوروبي كان علينا التزام بالسماح لجميع مواطني الاتحاد الأوروبي الراغبين في العمل في المملكة المتحدة. هذا الوضع غير مواتٍ للمواطنين من بقية بلدان العالم الذين يريدون القدوم إلى المملكة المتحدة. في الوقت الحالي لن يحظى مواطنو دول الاتحاد الأوروبي بالامتيازات السابقة، وسيتم معاملة الجميع على قدم المساواة. لم يتم اتخاذ أي ترتيبات قانونية في هذا الصدد. سيستمر التنظيم بموجب اتفاق أنقرة حتى يتم إصدار قانون جديد.
وتنظم اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية "قواعد الدخول إلى الأسواق والمنشأ في تجارة السلع"، و"تسهيل الجمارك والتجارة، والعوائق الفنية في التجارة، وتدابير السياسة التجارية، وتدابير الصحة والصحة النباتية، والمنافسة، والمشتريات العامة، وحقوق الملكية، الإدارية والمؤسسية بينما تم إدراج فصول الأحكام وتسوية المنازعات"، كما تم تضمين قضايا التعاون المتبادل في مجال الجمارك.
تقوية لعلاقة تركيا وبريطانيا
ترسخ اتفاقية التجارة الحرة التركية البريطانية، حقيقة أن المملكة المتحدة تعد من أقرب الأصدقاء الغربيين لأنقرة، خاصة في ظل توتر علاقة أنقرة مع قائدي الاتحاد الأوروبي ألمانيا وفرنسا، لا سيما الأخيرة، وفي ظل قيادة البلدين للمواقف الأوروبية المتعسفة ضد لندن في المفاوضات حول الانفصال.
بالنسبة لأنقرة فإن الصفقة التجارية من شأنها أن تشير إلى علاقة اقتصادية وسياسية وثيقة مع قوة أوروبية كبرى لا تزال تتمتع بنفوذ دولي.
من جانبها تبدو المملكة المتحدة على استعداد لتنمية علاقة جيدة مع أنقرة في سياق توجه جديد هو "بريطانيا العالمية" التي تريد بناءها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وعندما كانت المملكة المتحدة لا تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي، كانت أحد المؤيدين الرئيسيين لعضوية تركيا في الكتلة.
وسارعت المملكة المتحدة إلى إدانة محاولة الانقلاب في تركيا في عام 2016، ونالت استحساناً في أنقرة.
وفي أوائل عام 2017، أبرمت المملكة المتحدة وتركيا صفقة من شأنها أن تشارك شركة BAE Systems في مشروع الطائرة الشبحية التركية من الجيل الخامس رغم أن الاتفاق واجه بعض المشكلات.
كما اتخذت لندن موقفاً متحفظاً أكثر من العواصم الأوروبية الأخرى في الخلافات مع تركيا.
وعندما أطلقت تركيا عملية عسكرية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا في عام 2019، كانت المملكة المتحدة مترددة في البداية في انتقاد أنقرة على عكس أعضاء الناتو الآخرين، تماماً كما حدث عندما تدخلت تركيا في ليبيا.
كما أتاحت جائحة COVID-19 فرصة للبلدين للعمل معاً، حيث أرسلت تركيا معدات واقية إلى المملكة المتحدة.
وعلى عكس الاتحاد الأوروبي، أعفت المملكة المتحدة تركيا من إجراءات منع السفر الصحية (التي نظر إليها أنها سياسية بالأساس)، مما يوفر شريان حياة لصناعة السياحة التركية.
قلق يوناني.. لماذا؟
قوبلت الاتفاقية بقلق في الإعلام اليوناني الذي اعتبر أنه كان من المحتم أن تعزز المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي علاقاتها مع تركيا، خاصة أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون غالباً ما يتباهى بأن جده الأكبر لأبيه، علي كمال، كان وزيراً عثمانياً سابقاً للداخلية.
ولكن أكثر ما يقلق اليونانيين ليس الاقتصاد، ولكن توسيع التعاون التركي البريطاني في المجالات السياسية والاستراتيجية والعسكرية والتقنية.
فلقد أشار موقع Greek City times إلى أنه بعدما فرضت كندا حظراً على تصدير أجزاء من قطع تصنيع الطائرات بدون طيار التركية البيرقدار بسبب استخدام أذربيجان لها ضد أرمينيا في حرب القوقاز، حلت شركة بريطانية محل الكندية في توفير هذه الأجزاء.
تحالف تركي بريطاني أوكراني
على الرغم من أن التحالف المحتمل بين تركيا وبريطانيا الذي تخشاه اليونان يبدو في الوقت الحالي في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا العسكرية، إلا أن هناك تقارير مقلقة، حسب وصف الموقع اليوناني، تظهر أن القوات البريطانية ستتمركز في ميناء ميكولايف الأوكراني على البحر الأسود، الأمر الذي يثير مخاوف يونانية من تحالف تركي بريطاني أوكراني في البحر الأسود ضد روسيا.
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا لـ"بي بي سي" إنه إذا هبطت القوات البريطانية هناك وبقيت، فلن نمانع أيضاً. منذ اليوم الأول للعدوان الروسي على أوكرانيا كانت بريطانيا قريبة وقدمت دعماً عملياً وليس عسكرياً فقط".
إذ يبدو أن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي ستزيد حدة موقفها من روسيا، خاصة أن بريطانيا، كدولة غير قطبية تحاول، شق طريقها إلى الجغرافيا السياسية في القطب الشمالي من خلال تقويض الهيمنة الروسية في المنطقة.
ويقول الموقع اليوناني "بهذا يمكننا أن نرى تحالفاً ثلاثياً غير رسمي ينشأ بين المملكة المتحدة وتركيا وأوكرانيا في ظل تعزيز التعاون في مجال الصناعات العسكرية بين أنقرة وكييف"، خاصة في ظل تعزيز تركيا وأوكرانيا شراكتهما خاصة في مجال الصناعات العسكرية.
هل تنعكس الاتفاقية على الطائرة التركية الشبحية من الجيل الخامس؟
في مطلع عام 2020، قال عثمان أوكتاي رئيس مجلس الأعمال التركي البريطاني ونائب رئيس مجلس إدارة مجموعة Kale المتخصصة في صناعة الطائرات إن بريطانيا وتركيا لديهما علاقات حميمة جداً، مشيراً إلى أن التعاون في صناعة الدفاع قد يتعزز بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقال "بصفتنا مجموعة Kale أحد الشركاء في مشروع الطائرة الشبحية التركية فإننا نلاحظ أن الشركات البريطانية تعمل على القيام بدور نشط في الطائرة التي يرمز لها ب " TF-X".
وأضاف "لقد بدأت شركة BAE Systems وTurkish Aerospace Industries TAI العمل في تصميم هيكل الطائرة. استمرت هذه الأعمال في السنوات القليلة الماضية. من ناحية أخرى، هناك عرض قدمناه مع Rolls-Royce لمحركات الطائرة المقاتلة والمحادثات مع الحكومة التركية مستمرة بشأن هذا العرض.
وأضاف "نحن نرى نهجاً بناءً بشكل كبير من جانب المملكة المتحدة بشأن هذه المسألة أيضاً.
ورداً على سؤال بشأن التقارير بأن شركة Rolls-Royce البريطانية تخطط للانسحاب من المشروع؟.. قال "لم يكن لدى رولز رويس أي خطط للانسحاب، ولا يوجد أي تراجع على الإطلاق. عندما تتحدث عن إنتاج محرك نفاث، فهذه مشاريع طويلة المدى. من الطبيعي أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً".
وأفادت تقارير لاحقة بأن الجانبين يحاولان حل الخلاف حول حقوق الملكية الفكرية للمشروع الخاص بتصنيع المحرك المقترح للطائرة التركية.
وطلب مسؤولو الدفاع الأتراك من شركة Rolls-Royce نقل البيانات التكنولوجية الحساسة إلى شركة TR Motor التركية المصنعة للصناعات الدفاعية.
لم ترغب Rolls-Royce في أن تمتلك TR Motor "جميع حقوق الملكية الفكرية وتديرها" فيما يتعلق بالبرنامج. قدمت الشركة معلومات للوزراء البريطانيين والأتراك حول مخاوفهم.
وتريد تركيا أن يكون لها حقوق الملكية الفكرية، وهو جوهر العمل بالنسبة، إذ يقول المسؤولون الأتراك "نهدف إلى أن نكون شركة تصنيع دفاعية مستقلة. لا نريد أن نخضع لقيود الأجانب".
ويعتقد عثمان "أن البريطانيين متحمسون للغاية لتعزيز التعاون مع أنقرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويتوقع أن التعاون في صناعة الدفاع بين تركيا والمملكة المتحدة سيستمر في النمو.
وحول تأثير صفقة الصواريخ الروسية على العلاقات الدفاعية بين البلدين.. أشار عثمان إلى أنه قد مر أكثر من عامين منذ توقيع عقد شراء تركيا لصواريخ إس 400، واستمرت العلاقات الدفاعية البريطانية التركية دون أن تشهد أي تطور سلبي، وقال يستمر العمل على التصميم المشترك للطائرة المقاتلة مع شركة BAE، وتتواصل مفاوضاتنا مع شركة Rolls-Royce مع الحكومة التركية ولم يتم التطرق إلى هذه القضية مطلقاً.