وما زال الجرح ينزف.. الحياة في غزة بعد 12 عاماً على “رصاص إسرائيل المصبوب”

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/27 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/27 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
رصاص إسرائيل المصبوب على غزة في 2008/ رويترز

في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 أطلقت إسرائيل ترسانتها العسكرية على قطاع غزة لمدة 23 يوماً تسببت في مآسٍ لا تزال آثارها شاخصة في أذهان الفلسطينيين، فماذا يقول من نجوا من الرصاص المصبوب؟

"فقدت 11 فرداً من أسرتي"

يبلغ الفلسطيني زياد ديب اليوم 34 عاماً، وكان في زمن تلك الحرب طالباً جامعياً يدرس في قسم "الفنون الجميلة والديكور" ويطمح إلى "إنشاء مكتب لأعمال الديكور بعد الانتهاء من الدراسة ولاحقاً السفر لاستكمال الدراسات العليا".

وخلال الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، فَقَدَ ديب 11 فرداً من عائلته كما خسر قدميْه، ولا زال يتذكر جيداً ذلك اليوم الذي تعرضت فيه عائلته لتلك المجزرة التي راح ضحيتها 11 شخصاً.

ففي 6 يناير/كانون الثاني عام 2009، سقطت قذيفة أطلقتها مدفعية إسرائيلية في فناء منزل ديب، الواقع بالقرب من مدرسة الفاخورة، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بمخيم جباليا شمالي القطاع.

مقاتلات إسرائيلية تقصف قطاع غزة – صوؤة أرشيفية – رويترز

وفي تلك اللحظة أيضاً، استهدفت آليات إسرائيلية مدفعية، بعدد من القذائف، مدرسة الفاخورة، التي فتحت أبوابها للفلسطينيين النازحين من الحرب، ما أسفر -وفق مصادر طبية- عن مقتل نحو 40 مدنياً، وإصابة العشرات.

ويقول ديب لوكالة الأناضول: "بعد سقوط القذيفة على المنزل، تحوّل من مكان يعج بالحياة إلى أجساد ممزقة وموت وخراب، مشهد لا يمكن وصفه". وأردف قائلاً: "فاجعتي كانت مُزدوجة باستشهاد 11 فرداً من عائلتي، بينهم والدي وجدتي، وثلاثة من إخوتي، وأضف إلى ذلك أنني فقدت قدميّ الاثنتين".

ويبيّن أن آثار الحرب ما زالت تطرق باب ذاكرته يومياً، واصفاً شعور الفَقْد بـ"المؤلم"، فيما عصفت إصابته بـ"أحلامه وطموحاته".

وبعد فترة من الإصابة، غادر ديب القطاع، إلى دولة عربية لتركيب أقدام صناعية، لتساعده في استكمال حياته، كما كانت سابقاً. ويحاول ديب اليوم، بعد أن أصبح أباً لثلاثة أطفال، توفير مصدر رزقه بممارسة هواية "الرسم والتصوير"، وبيع منتجاته منها.

ويتابع: "الحياة أصبحت مختلفة جذرياً، لكن لا بد من التكيّف مع التغيّرات الجديدة لضمان استمرارية الحياة بشكل أفضل".

ورغم مرور 12 عاماً، لا تزال تفاصيل تلك الحرب ماثلة في ذهن الفلسطينية سميرة بعلوشة (48 عاماً)، التي فَقَدت خلالها 5 من بناتها.

"صاروخ إسرائيلي قتل بناتي الخمس"

ففي ليلة اليوم الثاني من الحرب (28 ديسمبر/كانون الأول 2008)، أقنعت الأم بعلوشة، بناتها اللواتي أصبن بالفزع جراء الغارات وأصوات الانفجارات، بالخلود للنوم.

لكنّ صاروخاً إسرائيلياً، استهدف منزلهن الواقع في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، متسبباً بمجزرة دامية بحق العائلة. وتقول بعلوشة لوكالة الأناضول، أنها فقدت 5 من أبنائها الثمانية (7 إناث وولد)، في تلك الليلة، بعد أن انهارت على الأسرة، جدران المنزل.

وتتذكر الأم تفاصيل تلك الجريمة المروعة وتضيف "قتلوا ابنتي الكبرى (تحرير) وكانت تبلغ من العمر 18 عاماً، و(إكرام) 15 عاماً، و(سمر) 13 عاماً، و(دينا) 8 أعوام، و(جواهر) 4 أعوام…كلهم قتلوا".

أما بقية أفراد العائلة، فكانت إصاباتهم طفيفة، حيث أُصيبت الأم "سميرة" في وجهها، وزوجها "أنور بعلوشة" في رأسه، وطفلهما "محمد" (كان يبلغ من العمر عامين) في وجهه، والابنة "إيمان" (كانت تبلغ من العمر 17 عاماً) في قدميها.

فقد 410 طفل فلسطيني حياتهم في تلك الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة

أما الطفلة الرضيعة "براءة" التي كانت تبلغ من العمر 11 يوماً فقط، فقد كُتب لها النجاة، ولم تُصب، وتضيف الأم بعلوشة "كانت فاجعة، لم أستوعب كيف خرجتُ من بين الركام، وأنا مصابة، وبين يداي طفلتي الرضيعة (براءة)".

وتكمل بصوت يعتريه الألم "قلبي لا يزال مجروحاً، فلا تكاد تمر علينا مناسبة كأعياد أو افتتاح عام دراسي إلا وأقضي تلك الأيام ما بين حزن وبكاء على صغيراتي؛  فكيف للأم أن تنسى بناتها!".

ضحايا حرب إسرائيل على غزة

أطلقت إسرائيل اسم "الرصاص المصبوب" على تلك الحرب التي شنتها على قطاع غزة قبل 12 عاماً واستمرت لمدة 23 يوماً (انتهت في 18 يناير/كانون الثاني لعام 2009). وأسفرت هذه الحرب عن مقتل 1436، بينهم 410 أطفال و104 نساء و100 مسن وإصابة أكثر من 5400 آخرين؛ نصفهم من الأطفال.

فيما تمثّلت الخسائر البشرية الإسرائيلية في مقتل 13 إسرائيلياً، بينهم 10 جنود، وإصابة 300 آخرين. ووفق تقارير دولية، فقد ألقى الجيش الإسرائيلي خلال الحرب نحو "مليون" كيلوغرام من المتفجرات على قطاع غزة.

وبدأت الحرب بتوجيه نحو 80 طائرة حربية إسرائيلية، ضربة واحدة ومفاجئة، على عشرات المقار الأمنية والحكومية (تديرها حماس). وأسفرت الهجمة الأولى عن مقتل 200 فلسطيني، معظمهم من عناصر الشرطة. وأعقبت إسرائيل هذه الضربة، بغارات عنيفة  ومكثّفة استمرت على مدار أيام الحرب.

وردّت كتائب "عز الدين القسّام"، الجناح المسلّح لحركة "حماس"، إلى جانب الأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية المختلفة، بإطلاق القذائف محلية الصنع، على المستوطنات والبلدات الإسرائيلية جنوبي البلاد.

قطاع غزة لا يزال تحت الحصار

وبعد مرور 8 أيام، قررت الحكومة الإسرائيلية شن عملية عسكرية برية في القطاع؛ بمشاركة سلاح المدفعية وجنود المشاة والدبابات.

وقالت تقارير صادرة عن مؤسسات ومراكز حقوقية أوروبية أن إسرائيل استخدمت أسلحة غير تقليدية ضد الفلسطينيين من أبرزها "قنابل الفسفور الأبيض، واليورانيوم المُنضّب".

وانتهت الحرب بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، وقف إطلاق النار من جانب واحد ولاحقاً سحب قواته من القطاع.

وخلّفت آلة الحرب الإسرائيلية دماراً كبيراً في المنشآت، والبنية التحتية في قطاع غزة. وبحسب وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة، فقد هدّمت إسرائيل خلال الحرب نحو 5700 وحدة سكنية بشكل كلّي، فيما تعرّضت نحو 52 ألف وحدة للضرر الجزئي.

وقال ماجد صالح، مدير ملف الإعمار بالوزارة، لوكالة "الأناضول"، إن نحو "250 وحدة سكنية، هدمت في الحرب الأولى، لم يتم إعادة إعمارها بعد؛ بسبب نقص التمويل".

وأضاف أن إعادة إعمار المنازل المتبقّية يحتاج إلى تمويل يقدّر بـ"8 ملايين دولار أمريكي". وعن الخسائر الاقتصادية، قالت مؤسسات حقوقية إن بلغت هذه الخسائر بلغت أكثر من "مليار" دولار.

تحميل المزيد