أبدى الرئيس المنتخب جو بايدن عدم حماسته لمقاضاة دونالد ترامب الرئيس المنتهية ولايته، مبرراً ذلك بأنها لن تساعد في تعافي البلاد من الانقسام، لكن هناك رأياً آخر اكتسب زخماً كبيراً بعد قرارات العفو التي أصدرها ترامب، يحذِّر من عدم مقاضاة الرئيس الجمهوري بعد أن يصبح المواطن ترامب.
ماذا يقول المطالبون بمحاكمة ترامب؟
تنتهي ولاية ترامب رسمياً ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، حيث سيمشي للمرة الأخيرة عبر الفناء الجنوبي للبيت الأبيض ويستقل الطائرة الرئاسية للمرة الأخيرة ويتوجه إلى فلوريدا، مقر إقامته الجديد. وفي تلك اللحظة تنتهي رسمياً الحصانة التي تمتع بها ترامب طوال فترة رئاسته وجعلته محصَّناً ضد العديد من القضايا.
وإذا ما حدث وتعرَّض ترامب بالفعل للمحاكمة بسبب أي من القضايا المفتوحة ضده، وأبرزها تتعلق بالتهرب الضريبي وعرقلة سير العدالة، فسيكون أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية تتم محاكمته بعد نهاية رئاسته.
وقد تناولت صحيفة The Guardian البريطانية هذا الاحتمال في تقرير لها استعرض وجهتي النظر بشأن محاكمة المواطن ترامب، حيث إن نهاية رئاسته ستستهل التحدي الذي وضعه منصبه أمام جهات التحقيق، والذي منع احتمال مقاضاة ترامب بسبب جرائم ارتكبها قبل دخوله إلى المكتب البيضاوي وأثناء وجوده فيه.
فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، كان ترامب محصَّناً ضد المساءلة القضائية، بسبب مذكرة من وزارة الدفاع قضت بعدم إمكانية مقاضاة رئيس أثناء شغله المنصب، لكن بمجرد صعوده على متن الطائرة الرئاسية واختفائه في الأفق، ستصبح جميع الاحتمالات قائمة.
ما أبرز القضايا التي يواجهها؟
يحقق المدعي العام في ولاية مانهاتن، سايرس فانس، بلا كلل، في صفقات ترامب التجارية. وتصف وثائق المحكمة تركيزاً على "الأفعال الجنائية الموسعة والمطولة في منظمة ترامب"، وضمن ذلك احتيال مصرفي محتمل.
وأدى تحقيق رئيسي ثانٍ أجراه المدعون الفيدراليون المُخيفون في المنطقة الجنوبية من نيويورك، إلى إدانة محامي ترامب السابق مايكل كوهين.
وفي أثناء الملاحقة القضائية، ورَّط كوهين "الطرف الأول" بعينه -وهو ترامب- باعتباره العقل المدبر وراء الجناية. على الرغم من إغلاق التحقيق، العام الماضي، يمكن إعادة النظر في التهم بمجرد رفع الحصانة الفعلية لترامب.
وفي هذا الصدد، علَّق بوب بوير، المشارك في تأليف كتاب (After Trump: Reconstructing the Presidency- ما بعد ترامب: إعادة بناء الرئاسة): "يبدو أنَّه على الإدارة المقبلة مواجهة شكل من أشكال هذه القضايا. إذ سيتعين عليها اتخاذ قرارات بشأن كيفية الرد، بالنظر إلى احتمال أن تصبح مصدراً للانقسام".
انقسام في الرأي
وتمثل المناقشة حول محاكمة ترامب المحتملة، في حد ذاتها، علامة على الطبيعة الاستثنائية للسنوات الأربع الماضية. ويتقبل أولئك الذين يجادلون لصالح الإجراءات القانونية وجود اعتراضات قوية على ملاحقة ترامب، لكنهم يحثون الناس على التفكير في البديل؛ أي مخاطر التقاعس عن التصرف.
ويقول أندرو وايزمان، الذي كان المدعي العام الرئيسي بتحقيق مولر الذي ينظر في التنسيق بين روسيا وحملة ترامب الانتخابية لعام 2016: "إذا لم تفعل شيئاً؛ فأنت تقول إنه على الرغم من أنَّ رئيس الولايات المتحدة ليس فوق القانون، فهو في الحقيقة كذلك. ومن شأن ذلك أن يشكل سابقة مروعة للبلاد ويرسل رسالة إلى أي رئيس مستقبلي، مفادها أنه لا يوجد تدقيق فعال في سلطته".
وقال وايزمان لصحيفة The Guardian، إنه سيكون هناك ثمن يتعين دفعه إذا استمرت هذه السلوكيات دون حساب عقب مغادرة ترامب لمنصبه. ولفت إلى أن "أحد الأشياء التي تعلمناها من هذه الرئاسة هو أنَّ نظام الضوابط والتوازنات لدينا ليس بالقوة التي كنا نظن، وسيتفاقم ذلك بعدم محاسبته".
ويشعر بوير، الذي كان مستشاراً لبايدن خلال الحملة الرئاسية لكن ليس له دور في الفريق الانتقالي، بالقلق أيضاً من إنشاء نوع من الحصانة المزدوجة. فبموجب قوانين وزارة العدل، لا يمكن محاكمة الرؤساء أثناء وجودهم بمناصبهم، لكن في ظل هذه الحصانة المزدوجة لن يمكن مقاضاتهم بمجرد مغادرتهم البيت الأبيض؛ من أجل "تعافي الأمة".
وعلَّق بوير: "هذا يعني أنَّ الرئيس سيتمتع بالحصانة خلال شغله المنصب وبعده، وأعتقد أنَّ هذا يتعارض مع فكرة أنَّ الرئيس، رجلاً كان أو امرأة، ليس فوق القانون".
هل الرئيس فوق القانون؟
من جانبه، أوضح بايدن افتقاره إلى الحماسة لمحاكمة ترامب، قائلاً إنَّ ذلك "ربما لن يكون جيداً للديمقراطية". لكنه أوضح أيضاً أنه سيترك القرار للمدعي العام المُعيَّن، بما يراعي معايير استقلالية وزارة العدل التي حطمها ترامب مراراً وتكراراً.
من ناحية أخرى، تبنى ديمقراطيون بارزون آخرون موقفاً أكثر تفاؤلاً؛ مما يزيد الضغط على المدعي العام القادم ليكون عدوانياً. فخلال المناظرات التمهيدية للحزب الديمقراطي، دعت إليزابيث وارين إلى تشكيل فريق عمل مستقل؛ للتحقيق في أية أعمال إجرامية أو فاسدة ارتكبها ترامب خلال منصبه.
وهناك عدة طرق محتملة يمكن من خلالها إجبار وزارة العدل على مواجهة مسألة ملاحقة ترامب أو الامتناع عن ذلك. وهنا، يشير وايزمان إلى أنَّ إدارة بايدن ستتمكّن من الوصول إلى كنز من الوثائق التي حُجِبَت سابقاً عن الكونغرس أثناء المساءلة البرلمانية لترامب، وضمن ذلك ملفات وكالة المخابرات ووزارة الخارجية.
وقد تصبح المراسلات الرسمية التي أرسلها جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب عبر رسائل البريد الإلكتروني الشخصية وتطبيقات المراسلة -وهي خطوة مثيرة للسخرية؛ نظراً إلى الهجوم الذي تحملته هيلاري كلينتون من عائلة ترامب في عام 2016، لاستخدامها خادم البريد الإلكتروني الشخصي بها في المعاملات الرسمية- متاحة للتدقيق.
قرارات العفو مقابل مصالح شخصية
لكن الطريقتين الأكثر ترجيحاً لمتابعة أي تحقيق جنائي تتعلقان باتهام ترامب باستخدام سلطة العفو الرئاسي وعرقلة سير العدالة. وقال وايزمان: "أصدر ترامب سلسلة من قرارات العفو التي تميزت إلى حد كبير بمصالح شخصية سياسية".
فعلى الرغم من أنَّ سلطة العفو الرئاسي واسعة النطاق، فإنها ليست مطلقة كما ادعى ترامب، ومن ضمن ذلك، "الحق المطلق" في العفو عن نفسه. ولن يكون محصَّناً من تهم الرشوة، إذا تبين أنه عرض العفو على شخص مقابل التزامه بالصمت في قضية قضائية.
وربما يكون أقوى دليل على ارتكاب مخالفات جنائية ضد ترامب يتعلق بعرقلة سير العدالة. وذهب جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، إلى حد القول إنه بالنسبة لترامب، فإنَّ عرقلة العدالة من أجل تعزيز مصالحه السياسية "أسلوب حياة".
وفي تقريره الأخير عن التحقيق في التدخل الروسي، عرض مولر 10 أمثلة لسلوك ترامب، يمكن تفسيرها قانونياً على أنها عرقلة لسير العدالة. وفي واحدة من أشد تلك الحوادث وضوحاً، حاول ترامب إفساد تحقيق المحامي الخاص نفسه من خلال إصدار أوامر لمستشاره في البيت الأبيض، دون ماكغان، بإقالة مولر. وعندما فُضِح ذلك، ضاعف ترامب من انتهاكاته من خلال إصدار أمر لمكغان بإنكار الحقيقة؛ في محاولة للتعتيم.
وقال وايزمان، الذي كان له دور جوهري في جمع الأدلة ضد ترامب في تقرير مولر، إنَّ مثل هذه العرقلة تدخل في صميم الأسباب التي يجب لأجلها محاكمة ترامب. وأضاف: "عندما يعرقل الرئيس، بغضِّ النظر عن هويته، تحقيق مستشار خاص، فإنه يجب أن تكون هناك عواقب".