غواصة أمريكية تعمل بالوقود النووي وتحمل صواريخ توماهوك تطفو على السطح بمضيق هرمز في طريقها للخليج العربي وذلك للمرة الأولى منذ 8 سنوات، فهل هذا مجرد استعراض للقوة أو رسالة ردع لإيران أم أنه استفزاز لجرِّ طهران للحرب قبل مغادرة ترامب؟
بيان البحرية الأمريكية
الغواصات تعمل تحت الماء. هذا أمر بديهي. وعندما تطفو غواصة على السطح يكون ذلك لتحقيق غرض ما. هذه المعطيات تجعل من بيان البحرية الأمريكية المدعم بالصور بشأن الأوامر للغواصة "يو إس إس جورجيا" التي تعمل بالوقود النووي، بأن تطفو على السطح في مضيق هرمز، أمراً يستحق التوقف والتحليل.
الغواصة من طراز أوهايو ومحمَّلة بـ154 صاروخاً من طراز توماهوك، وتلقت أوامر بالطفو في مياه الخليج، في استعراض للقوة وسط توترات مع إيران، بحسب مقال في صحيفة Navy Times، اعتبر أن مرور الغواصة في مياه الخليج، للمرة الأولى منذ 8 سنوات، رسالة تحذير إلى إيران.
البحرية الأمريكية نشرت صورة للغواصة وهي تمر عبر مضيق هرمز إلى الخليج، ترافقها الطرادة "يو إس إس بورت رويال"، التي تحمل هي الأخرى صواريخ موجهة.
هل الرسالة ردع إيران؟
توقيت هذا التصعيد العسكري من الجانب الأمريكي يدعو إلى التساؤل، في ظل كونه يأتي في أعقاب اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في طهران وهي العملية التي تُنسب إلى الموساد الإسرائيلي بمعرفة وموافقة أمريكية، ليس فقط بحسب الاتهامات الإيرانية ولكن أيضاً بحسابات المنطق العام وإجماع المراقبين والمحللين في واشنطن وتل أبيب قبل الآخرين.
فمنذ عملية الاغتيال التي حدثت في قلب طهران، هدد جميع المسؤولين الإيرانيين- سواءٌ الحرس الثوري والمحافظون أو الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف- بالانتقام، وهو ما يعني أن الدور الآن على الجانب الإيراني كي يقوم بضربة انتقامية.
هذا السياق يعني أن إرسال مزيد من المقاتلات الأمريكية إلى المنطقة، وآخرها الغواصة "يو إس إس جورجيا" التي طفت على السطح بتلك الصورة، قد يكون هدفه فعلاً ردع إيران كي لا تقْدم على أي عمل انتقامي ربما يؤدي في نهاية المطاف، إلى فرض حرب مفتوحة لا يبدو أن أحداً يريدها، باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وهذا ما يرجحه الكاتب مايكل إيفانز في صحيفة التايمز البريطانية، بقوله في مقال، إن وصول كبرى غواصات البحرية الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية، إلى الخليج أوضح مؤشر حتى الآن على أن واشنطن قلقة من أن طهران تخطط لشن ضربات انتقامية بعد اغتيال محسن فخري زادة، الشهر الماضي.
ويستدل على ذلك بتزامن وصول الغواصة "جورجيا" مع هجوم صاروخي شنته ميليشيات مدعومة من إيران على المنطقة الخضراء ببغداد حيث تقع السفارة الأمريكية، وأدى إلى مقتل شخص واحد.
أم أن الهدف هو الاستفزاز وصولاً للحرب؟
لكن هناك رأي آخر يرى أن وصول الغواصة في هذا التوقيت ربما يكون استعداداً لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية يختم بها ترامب فترته الرئاسية الأولى ويحقق بها أكثر من هدف؛ الأول هو نسف أي محاولة من جانب خليفته جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني كما يريد الرئيس الديمقراطي.
وثاني أهداف ترامب هو تقديم هدية لحليفه في تل أبيب نتنياهو وفي الرياض ولي العهد محمد بن سلمان وفي أبوظبي ولي العهد محمد بن زايد، تكون عبارة عن تدمير البرنامج النووي الإيراني أو على الأقل تعطيله بدرجة كبيرة، بعد أن فشلت استراتيجية الرئيس المنتهية ولايته "الضغط الأقصى من خلال العقوبات الاقتصادية"، في تحقيق الغرض منها.
وفي هذا السياق، أظهرت صور حديثة للأقمار الصناعية أن إيران بدأت إنشاء بناء جديد في محطة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض بالقرب من مدينة قم. وهو الأمر الذي أقنع، إضافة إلى مجموعة عوامل أخرى، البنتاغون بتحديث قواته الهجومية الرادعة في الخليج، بحسب التقارير الإعلامية.
وأصحاب هذا الرأي يقولون إن الهدف الأساسي من تنفيذ عملية اغتيال محسن فخري زادة، أواخر الشهر الماضي، كان استفزاز إيران وجرّها إلى رد انتقامي يؤدي إلى الوقوع في فخ الحرب قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، لكن الواضح أن طهران لم تبتلع الطُّعم واختارت الانتظار حتى رحيل ترامب.
لكن اختيار إيران عدم الوقوع في فخ الرد والانتظار حتى يغيب ترامب عن المشهد خيار لا يخلو أيضاً من المخاطر، إذ ربما يشجع هذا الصمت نتنياهو وترامب وحلفاءهما على التمادي أكثر وتوجيه ضربة تستهدف إحدى المنشآت النووية الإيرانية، بحسب بعض المحللين الذين يرون في تكثيف الوجود العسكري بالمنطقة تحضيراً لمثل هذه الخطوة التي تظل احتمالاً قائماً ما دام ترامب ما زال يتمتع بصلاحياته كرئيس.
ففي مطلع الشهر الجاري (ديسمبر/كانون الأول)، أرسل الجيش الأمريكي قاذفتين من طراز بي-52 وهي طائرات مقاتلة عملاقة من النادر أن تظهر في الشرق الأوسط، والهدف الذي أعلنه البنتاغون أيضاً هو "ردع إيران".
لكن بعض المحللين العسكريين، بحسب صحيفة Navy Times، يرون أن استعراض القوة العسكرية الأمريكية بهذه الصورة المكثفة وفي هذا التوقيت عبارة عن رسالة "تطمين" للحلفاء في المنطقة بعد قرار ترامب سحب الآلاف من الجنود الأمريكيين من العراق وأفغانستان.
الخلاصة هي أن الهدف الرئيسي من تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة هذه الفترة، قد يكون بالفعل استعراضاً للقوة هدفه ردع إيران أو تحذيرها، وقد يكون تجهيزاً لمواجهة قد تحدث في أي وقت، والمؤكد أن تلك الاحتمالات ستظل قائمة حتى اليوم الأخير لترامب في البيت الأبيض.