رفض الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب القانون الذي أقره الكونغرس بشأن حزمة التحفيز الاقتصادي ووصفها بـ"العار" مطالباً بتعديله، لكن مشروع القانون المذكور هو نفسه الذي يقر إعادة الحصانة السيادية للسودان، فما قصة هذه الفوضى غير المفهومة؟
مشروع قانون من 6000 صفحة!
صدَّق الكونغرس الأمريكي، مساء الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول، على خطة لدعم الأسر والشركات المتضررة من تداعيات أزمة كورونا، قيمتها 900 مليار دولار، واعتُبرت ضرورية جداً لإعادة تحريك عجلة أكبر اقتصاد في العالم، لكنّ هذه الخطة لا يمكنها أن تدخل حيز التنفيذ بدون توقيع الرئيس.
ومساء أمس الثلاثاء رفض ترامب تلك الخطة أو مشروع القانون، وقال في فيديو عبر حسابه بموقع "تويتر": "أدعو الكونغرس إلى تعديل مشروع القانون هذا، وزيادة مبلغ 600 دولار القليل بشكل يبعث على السخرية إلى 2000 أو 4000 دولار للزوجين"، في إشارة إلى الأموال المخصصة للعائلات. وأضاف: "كما أدعو الكونغرس إلى التخلص من العناصر غير الضرورية والمُكلفة في مشروع القانون هذا".
مشروع القانون الذي أقره الكونغرس مكوَّن من 5993 صفحة ويضم في طياته بنوداً كثيرة ومتنوعة، تبلغ قيمتها المادية 2.3 تريليون دولار، وتشمل أيضاً ضمن بنودها قرار إعادة الحصانة السيادية للسودان بعد أن تم رفع الخرطوم من قائمة أمريكا السوداء للدول الراعية للإرهاب، إضافة إلى عدد آخر من البنود التي لا علاقة لها بحزمة التحفيز أو الدعم المقدم للأمريكيين للتخفيف من وطأة الجائحة عليهم.
ما الذي أوصل الأمور لهذه الفوضى؟
قصة هذا التشريع مرتبطة بشكل مباشر بالطريقة التي تعمل من خلالها الديمقراطية الأمريكية المكونة من الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ والبيت الأبيض مقر رأس الإدارة التنفيذية، وفي ظل الاستقطاب الحاد بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي تصبح مسألة تمرير التشريعات والموافقة عليها عبارة عن عملية مقايضات ومفاوضات معقدة للغاية.
وفي ظل التداعيات الاقتصادية الكارثية لجائحة كورونا والتي حوَّلت غالبية الأمريكيين إلى عاطلين عن العمل يحتاجون إلى دعم حكومي، تدور مناقشات حول هذه النقطة المعروفة بحزمة التحفيز الاقتصادي منذ شهور، وجاءت الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وهزيمة ترامب ورفضه الاعتراف بالنتيجة لتضع مزيداً من العراقيل أمام التوصل لاتفاق بين الطرفين بشأن حزمة التحفيز الاقتصادي.
وسبب الخلاف الرئيسي بين الطرفين يمكن تلخيصه في استراتيجية الجمهوريين القائمة على تقديم الدعم لأصحاب الأعمال من خلال تخفيضات ضريبية ضخمة ودفع أموال تشجيعية لهم، في مقابل استراتيجية الديمقراطيين القائمة على تقديم دعم مالي مباشر للعمال وزيادة الضرائب على أصحاب الأعمال والدخول المرتفعة، ومن ثم تحدث مفاوضات بين الجانبين تنتهي غالباً بالتوصل إلى مشروع قانون يلبي أرضية وسط بين الاستراتيجيتين.
هذه المرة ونظراً للتوقيت قرب نهاية الفصل التشريعي الجاري استعداداً لتنصيب الإدارة الجديدة 20 يناير/كانون الثاني المقبل، كانت هناك رغبة في تضمين مشروع القانون أكبر قدر ممكن من البنود حتى لو لم تكن لها علاقة بالبند الرئيسي وهو حزمة التحفيز الاقتصادي الخاصة بالجائحة، وهو ما أدى إلى أن يخرج مشروع القانون بذلك الحجم الهائل (نحو 6 آلاف صفحة)، وها هو ترامب يرفضه ويطالب بإدخال تعديلات عليه.
ما علاقة باكستان؟ وهل تتأثر السودان؟
مشروع القانون أثار عاصفة من الانتقادات تركزت بالأساس حول قيمة المعونة المقدمة للمواطن الأمريكي الذي يعاني من تداعيات كورونا وهي عبارة عن دفعة واحدة قيمتها 600 دولار، إضافة إلى وجود بنود تتعلق بتقديم معونات خارجية لدول تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
وقد عبَّر النائب تشيب روي، وهو جمهوري من تكساس، عن تلك النقطة في بيان حاد اللهجة بقوله: "مشروع القانون يلقي بمليارات الدولارات للمساعدات الخارجية، ومن ضمنها برامج المساواة بين الجنسين في باكستان بقيمة 10 ملايين دولار"، بحسب تقرير لشبكة Fox News، رصد ردود الفعل الغاضبة تجاه مشروع القانون.
الانتقادات شملت أيضاً تقديم 500 مليون دولار لبرامج مشتركة مع إسرائيل، والتي أثارت ردَّ فعلٍ عنيفاً من مؤسس موقع Intercept جلين جرينوولد: "إسرائيل لديها رعاية صحية عالمية لا يتمتع بها الأمريكيون، ومع ذلك نقدم لهم معونات من أموالنا. هذه الأموال ليست جزءاً من مشروع قانون كوفيد (حزمة التحفيز) لكنه مشروع قانون منفصل تمت إضافته مع المعونات الخارجية، ومع ذلك يقول الكونغرس إنهم لا يستطيعون تقديم أكثر من 600 مليون للأمريكيين".
نفس البند الخاص بالمعونات الخارجية شمل أيضاً 700 مليون دولار للسودان و135 مليون دولار لبورما و1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية سنوية لمصر، إضافة إلى 506 ملايين دولار لبيليز وكوستاريكا والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس ونيكاراغوا وبنما كجزء من مبادرة الأمن الإقليمي لأمريكا الوسطى.
كيف يوظِّف ترامب وأنصاره تلك الفوضى؟
رفضُ ترامب لمشروع القانون ووصفه بالعار في فيديو على تويتر مرتبط، بحسب المراقبين، بإصرار الرئيس على أنه فاز في الانتخابات وأن الدولة العميقة في واشنطن تآمرت للتخلص منه، حيث إن ترامب لا يزال متمسكاً بمحاولات البقاء في البيت الأبيض رغم حسم المجمع الانتخابي للنتيجة رسمياً.
واستغل كثير من أنصار ترامب مشروع القانون الذي أقره الكونغرس بأغلبية كبيرة من الحزبين للتشكيك في أن المشرعين يعملون لصالح المواطن الأمريكي، وأن ترامب هو الوحيد الذي يريد أن يقدم المزيد من المعونات المالية المباشرة للمواطنين الأمريكيين، رغم أن ذلك عكس استراتيجية الرئيس الجمهوري وموقفه المعلن طوال فترة المفاوضات.
لكن الأهم الآن بالنسبة لمشروع القانون هو إذا ما كان الكونغرس سيقوم بإدخال التعديلات التي يريدها ترامب بالفعل؟ وفي هذه الحالة، يكون التساؤل بشأن دعوة ترامب الكونغرس إلى التخلص من "العناصر غير الضرورية والمُكلفة في مشروع القانون هذا"، فأي من بنود المساعدات الخارجية قد يتم تعديله؟ وهل يمكن أن يؤثر تعديل القانون على البند الخاص بالسودان والحصانة السيادية والمعونات المقدمة له في هذا السياق؟
تساؤلات كثيرة تطرحها الفوضى التي نتجت عن هذا التشريع الغريب فعلاً من حيث عدد البنود الملحقة بالتشريع الرئيسي والذي على الأرجح لم يقرؤه غالبية أعضاء الكونغرس، كما قال عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بول راند الذي صوت ضد مشروع القانون.