صفقات التطبيع التي وقَّعتها الإمارات والمغرب والسودان والبحرين مع إسرائيل تمت بمقابل لكل دولة قدمه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، فماذا لو تراجعت إدارة جو بايدن عن هذا المقابل أو جزء منه؟
صفقات ترامب الملغومة
في حالة المغرب، قدم ترامب اعترافاً بمغربية الصحراء في مخالفة صريحة للاتفاقات الدولية، وفي حالة الإمارات قدم ترامب صفقة طائرات الإف-35 التي وافق عليها مجلس الشيوخ مؤخراً بأغلبية طفيفة قد تتغير أو قد يستخدم بايدن حق الفيتو للتراجع عنها إذا ما أراد ذلك.
أما السودان فالصفقة مرتبطة بقرار لا يملكه البيت الأبيض من الأساس وهو حماية الخرطوم من دعوات التعويض التي رفعتها أو قد ترفعها عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهو قرار تشريعي يملكه الكونغرس.
وقد عبر ممثلو السفارة السودانية في واشنطن بالفعل أن السودان قد يتخلى عن اتفاقات التطبيع مع إسرائيل إذا لم يحصل على حصانة من دعاوى الإرهاب.
وفي الوقت الذي تحاول فيه إدارة ترامب منعَ انهيار الصفقة، أكد مسؤول أمريكي ما أورده تقرير لوكالة Bloomberg من أن الولايات المتحدة عرضت على السودان قرضاً بقيمة مليار دولار للمساعدة في سداد متأخراتها والحصول على 1.5 مليار دولار من المساعدات التنموية السنوية.
البحرين ربما تبدو الاستثناء الوحيد في لعبة صفقات ترامب، وإن كان إعلان وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأسبوع تصنيف "سرايا المختار" البحرينية المرتبطة بإيران على أنها جماعة إرهابية، بدعوى عملها على إسقاط نظام الحكم في المملكة يلقي الضوء على المقابل الذي وعد به ترامب المنامة.
إغراءات غير مستدامة
صحيفة The New York Times الأمريكية رصدت الجوانب الهشة في صفقات ترامب وما قد ينتج عن رفض بايدن الالتزام بما تعهد به ترامب، وذلك في تقرير بعنوان "الحوافز التي قدمها ترامب لدول التطبيع معرضة للفقد بعد رحيله".
ففي كل صفقة تطبيع يبدو أن الحوافز التي أغرت بها إدارة ترامب تلك الدول لإعلان التطبيع مهددةٌ بالفقد، إما برفض الكونغرس لها، مثل صفقة المقاتلات في حالة الإمارات، أو تراجع إدارة جو بايدن عنها، كما قد يحدث مع الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
غير أن الأمر حينها لن يقتصر على تعريض تلك الاتفاقيات الإقليمية للخطر وحسب، بل سيفضي أيضاً إلى تفاقم نظرة عالمية إلى الولايات المتحدة على أنها طرف لا يمكن الاعتماد عليه للوفاء بالتزاماته حيال الاتفاقات الدبلوماسية.
كيف يمكن أن تنقلب الأمور؟
في المقابل، يذهب روبرت مالي، الرئيس والمدير التنفيذي لـ"مجموعة الأزمات الدولية" والشخصية المقربة من أنتوني بلينكن الذي اختاره بايدن لتولي وزارة الخارجية، إلى أن إدارة بايدن القادمة ستحاول التراجع أو التخلي عن الأجزاء التي تتحدى الأعراف الدولية من صفقات التطبيع، كما في حالة سيادة المغرب على الصحراء الغربية، أو تنقض سياسة طويلة الأمد للولايات المتحدة، مثل بيع مقاتلات "إف 35" إلى الإمارات.
وإضافة إلى أن الكونغرس كان قد أبدى قلقاً بشأن تلك الاتفاقات، فإن موافقة مجلس الشيوخ على صفقة لبيع طائرات شبحية وطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة الدقيقة إلى الإمارات الأسبوع الماضي جاءت بأغلبيةٍ طفيفة، ما يشير إلى قلق متصاعد بشأن توسيع نطاق صفقات الأسلحة إلى الخليج العربي.
ومن ثم قد ينقلب هذا المسار إذا تولى الديمقراطيون السيطرةَ على المجلس بعد انتخابات الإعادة في جورجيا الشهر المقبل، وفي كل الأحوال، فإن إدارة بايدن ستعمل على التأكد من أن صفقة بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات لن تنتقص من التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي في المنطقة.
بعد يوم واحد من تصويت مجلس الشيوخ، قال رئيس لجنة الدفاع بالمجلس، السيناتور جيمس إينهوف، إن قرار إدارة ترامب القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية قرارٌ "صادم ومخيب للآمال"ـ وتوقع التراجعَ عن ذلك القرار. يُذكر أن منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي جميعها تعتبر الصحراء المغربية منطقةً متنازعاً عليها.
وقال إينهوف في بيان له: "إنني حزين لأن حقوق شعب الصحراء الغربية جرى التنازل عنها على هذا النحو. لقد كانت نصائح سيئة من فريق الرئيس، فقد كان بإمكانه إبرام هذه الصفقة دون أن يقايض مقابلها بحقوق أشخاص لا صوت لهم".
التطبيع السوداني حالة خاصة
من جهة أخرى، لم تكشف اتفاقيات التطبيع عن وضع أشد حساسية منها في الاتفاق مع السودان. إذ رُبطت قضية تبدو غير ذات صلة- مسألة الحصانة من دعاوى الاتهام بدعم الإرهاب في المحاكم الأمريكية- لتصبح على نحو غير مباشر شرطاً لتوقيع السودان على مضضٍ على اتفاقية تطبيع مع إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول.
كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد قررت بالفعل رفعَ اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل تعويض الخرطوم لضحايا تفجيرات 1998 ضد السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا. وخلال هذه المفاوضات، طالبت الحكومة الانتقالية في السودان بإسقاط جميع دعاوى الإرهاب الأخرى التي واجهتها البلاد بسبب الهجمات التي اتهم السودان بالمشاركة فيها خلال 27 عاماً كان مدرجاً فيها على القائمة.
ومع ذلك، فإن الكونغرس فقط هو من يمكنه منح السودان التسويةَ القانونية التي يسعى إليها. وخلال الأشهر العديدة الماضية، وصل المشرعون إلى طريق مسدود فيما يتعلق بذلك، لا سيما أنه سيحرم عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 من حقهم في اللجوء إلى المحاكم.
وفي حين يصر السودان على أنه غير مسؤول عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ويستدل بحقيقة أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كان قد ترك ملاذه في البلاد قبل خمس سنوات من الهجمات، فإن الحل الوسط الذي كان الكونغرس قد خلص إليه لإرضاء عائلات الضحايا، هو السماح بمواصلة دعاوى 11 سبتمبر/أيلول، ما قد يجعل السودان مسؤولاً عن تعويضات بمليارات الدولارات للضحايا.
كما تفاقمت المخاوف بين مسؤولين حكوميين أمريكيين حاليين وسابقين وبين المعنيين بالصراع بوجه عام، من أن الولايات المتحدة قد تُقدم على تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن منظمةً إرهابية أجنبية، كبندٍ من بنود إقناع السعودية بالتوقيع على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
التطبيع السعودي مع إسرائيل
ومع ذلك فمن المشكوك فيه أن يكفي تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابيةً وحده لإقناع السعودية- التي تعد أقوى نظام ملكي في الشرق الأوسط- بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لأن ذوبان الخلافات من هذا النوع قد يستغرق سنوات، وهذا إذا حدث على الإطلاق.
من جانبها، تقول نيكي هيلي، التي كانت أول سفيرة لترامب لدى الأمم المتحدة، إن الرحلة السرية التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السعودية الشهر الماضي للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كانت إشارة صريحة على حدوث انفراجة.
وقالت هيلي أمام قمة "ديبلوتيك" DiploTech العالمية التي عقدت في إسرائيل يوم الأربعاء 16 ديسمبر/كانون الأول، إن "هذه الدول العربية تريد أن تكون صديقةً لإسرائيل".
ومن ثم، حتى وإن لم يوافقوا على دبلوماسية الصفقات التي يتبعها ترامب، فإن بايدن ووزير خارجيته بلينكن سيكونان حذرين من الظهور بمظهر المتخلي عن مصلحة إسرائيل، التي يُنظر إليها أمريكياً على أنها الحليف الأقوى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتتمتع بنفوذ كبير بين الناخبين الإنجيليين واليهود الأمريكيين.
وهو ما يذهب إليه أيضاً داني دنون، السياسي الإسرائيلي الذي تقاعد هذا العام عن منصبه السابق في رئاسة بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة، قائلاً: "أعتقد أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيحاول الاستمرار على وتيرة الزخم الحاصل [زخم التطبيع] لأنه مفيد للولايات المتحدة، ومفيد لحلفاء الولايات المتحدة، وأعتقد أن هذا هو الشيء الصحيح للقيام به".