"أخطر فترة مرّت علينا خلال 30 عاماً"، هكذا وصف أعضاء بحزب الله أيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة، وسط تزايد احتمالات توجيه ضربة إسرائيلية لحزب الله، وتساؤلات حول كيف سيرد الحزب.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، خاضت جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة حرباً في سوريا، ودعمت القوات العراقية وأدارت سياسة لبنان كحاكم غير رسمي للبلاد، بينما كانت تحاول تجنب المواجهة مع إسرائيل.
ومع ذلك، يخشى قادة الجماعة اللبنانية الموالية لإيران المنهكون من أن اللحظات الأخيرة لرئاسة دونالد ترامب قد تؤدي إلى تهديدات تتفوق على كل شيء آخر، وأكثر ما يخشونه توجيه ضربة إسرائيلية لحزب الله، تضطرهم للرد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
توجيه ضربة إسرائيلية لحزب الله سيؤدي لسيناريو مختلف عن كل مرة
في قلب التنظيم، يراقب أعضاء حزب الله الساعة – والسماء، حيث تحلق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء منذ أكثر من شهر، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، ازدادت وتيرة الرحلات الجوية بشكل حاد، وكذلك الأمن في الضاحية الجنوبية لبيروت، المركز العصبي لأقوى جماعة مسلحة في المنطقة.
يخشى القادة وكبار الأعضاء من أن ترامب ووزير خارجيته المنتهية ولايته مايك بومبيو وإسرائيل يعتزمون استغلال الأسابيع التي سبقت تنصيب جو بايدن للتصرف بشكل عدواني ضد إيران وحزب الله قبل أن يتخذ الرئيس الجديد موقفاً أكثر ليونة متوقعاً على نطاق واسع.
قال أحد أفراد حزب الله من متوسطي الرتبة: "لديهم نافذتهم ويريدون إنهاء ما بدأوه. "لكن لا تقلقوا، السيد [زعيم الجماعة حسن نصر الله] بخير".
كيف سيرد الحزب؟ الرهان على بايدن يكبله
كشفت المقابلات مع عضوين متوسطي الرتبة في حزب الله ووسيط مطلع على تفكير كبار قادة الجماعة عن صورة منظمة مصممة على عدم الانجرار إلى صدام مع إسرائيل أو بطريقة يُنظر إليها على أنها تعمل صراحة للدفاع عن إيران.
ومع أن الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، دعا خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى عدم تعليق آمال كبيرة على إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن فيما يتعلق.
إلا أن المصادر الثلاثة قالت إنها تعتقد أن الإدارة الأمريكية القادمة ستحاول التفاوض على الاتفاق النووي مع طهران، الذي وقع عليه باراك أوباما وألغاه ترامب ويمكن تجديده الآن في شكل آخر.
وقال أحد أعضاء حزب الله: "هذا يعني تخفيف العقوبات، وهذا يعني أن الضغط سينتهي عنا في النهاية". إنهم يحاولون إيذاء إيران لإلحاق الضرر بنا. لن تنجح لأن الجميع شاهد نتائج هذه الخطة منذ الصيف. ولدينا جميعاً الوسائل للتغلب على ضغوطهم".
وواقعياً تشير تصرفات الحزب وحلفائه السياسيين مثل التيار الوطني الحر، إلى أنهم يعولون كثيراً على مجيء بايدن، لدرجة أنها أفسدوا مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل حكومة تكنوقراط، تمهيداً لمحاولة جذب جهد دولي وعربي لإنقاذ لبنان المنهار اقتصادياً، وتبدو عملية التعطيل لهذه المبادرة هي نتيجة رهان خفي من الحزب وحلفائه على الحصول على دعم للبنان بشروط أفضل لهم أو أقل قسوة في ظل تفاهم إيراني أمريكي جديد في عهد بايدن.
وهذا السلوك هو من سمات تفكير الساسة اللبنانيين الذين يربطون دوماً حل مشاكلهم الداخلية بالتفاهمات الخارجية لرعاتهم.
إسرائيل تتجنب استهداف مقاتلي الحزب
كانت الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية داخل سوريا شبه أسبوعية منذ أوائل عام 2017 وقُتل أعضاء حزب الله الذين شاركوا بشكل كبير في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، في غارات جوية في بعض الأحيان.
وعلى الرغم من عدم استهداف إسرائيل أعضاء بارزين في حزب الله مؤخراً، فإن مقتل كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده، خارج طهران في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، على يد إسرائيل كما يعتقد، يثير القلق في بيروت من تكرار الأمر مع حزب الله في الشهر والنصف القادمين أي قبل رحيل ترامب.
وصف أحد كبار الشخصيات الأسابيع المقبلة بأنها "أخطر فترة خلال الثلاثين عاماً الماضية. الجميع قلق، ولسبب وجيه".
حتى الآن، أشارت إسرائيل إلى أن صفوف (عدوها اللدود) ليست هدفها الرئيسي في سوريا، وأطلقت أحياناً طلقات تحذيرية على أهداف تضم عناصر من حزب الله، لتجنب قتلهم في غاراتها.
وشملت إحدى هذه الهجمات، في أبريل/نيسان 2020، سقوط صاروخ بالقرب من سيارة جيب عند المعبر الحدودي من سوريا إلى لبنان. وعندما فر أربعة من أعضاء حزب الله من السيارة، دمرها صاروخ ثان.
دعم القادة الإسرائيليون بشدة سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في "الضغط الأقصى" على إيران وإلغاء ترامب للاتفاق النووي، واعتبروا كليهما فرصتين رئيسيتين لتقليص قوة حزب الله، الذي يعتبرونه تهديداً قوياً ومتزايداً، يشجعه الفوضى في العراق وسوريا.
حزب الله يراهن على أن السعودية لا تريد إلحاق الضرر بحلفائها
لقد دافع مسؤولو ترامب عن مواءمة المصالح الإسرائيلية مع وجهة نظر المملكة العربية السعودية والخليجية بشأن إيران كسبب رئيسي لصفقات التطبيع التي أبرمت مع الإمارات والبحرين وتدفئة العلاقات مع الرياض.
جدير ذكره أن الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله، كان حذر أمس الأربعاء من أيّ هجوم أمريكي أو "إسرائيلي" في الأشهر المتبقية لولاية ترامب، وطالب محور المقاومة بأن يكون على "جهوزية عالية" خلال هذه الفترة.
وكشفت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية، الشهر الماضي، عن وجود تعاونٍ مشترك ووشيك بين كل من "إسرائيل" والإمارات والبحرين؛ وذلك لمواجهة تنظيم "حزب الله" اللبناني.
ويعتقد القادة الإسرائيليون أن نظرائهم في الخليج معادون لحزب الله وإيران، وهم غير مستعدين لإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي الكارثي طالما أن الجماعة تسيطر على سياسة الدولة.
وقال عضو ثانٍ في حزب الله: "لا يهم على الإطلاق ما يقوله السعوديون. يمكن للحزب أن يعتني بنفسه. يجب أن يفهموا أنه إذا سقطت البلاد، فمن سيخرج الأقوى؟ لن تكون الأحزاب التي يدعمونها، في إشارة إلى أن تدهور سيكون الأكثر تضرراً منه تيار المستقبل الذي يخلو من الطابع العسكري، بينما سيتضرر منه حزب الله ذي البنية العسكرية بشكل أٌقل.
وقامت سياسة حزب الله أن يتخذ من لبنان وبالأخص تيار المستقبل ما يشبه الرهائن لنيل مكاسب من السعودية وغيرها من دول الخليج والغرب، والذين ظلوا يدعمون لبنان اقتصادياً وسياسياً بينما يعزز حزب الله سيطرته على البلاد، كما كان لديه القدرة على الاعتداء بشكل مباشر على حلفاء الغرب والخليج حتى وهم في الحكومة مثلما حدث في أحداث 7 آيار/مايو 2008 عندما اعتدى مقاتلو حزب الله وحركة أمل الشيعية الحليفة له على مقار تيار المستقبل ببيروت وبعض الأهداف السنية، كما هجموا على بعض المناطق الدرزية في الجبل ردا على قرار الحكومة اللبنانية برئاسة القيادي بالمستقبل فؤاد السنيورة تفكيك شبكة اتصالات حزب الله وإقالة مدير أمن المطار المحسوب على الحزب.
ولكنه يبدو رهاناً انتهى زمانه
غير أنه يبدو واضحاً أن هذه السياسة تغيرت تماماً، خاصة من قبل السعودية وأمريكا تحديداً، اللتين لم تعدا تبديان اهتماماً يذكر بلبنان، بل على العكس فإن الرياض تلمح أحياناً إلى لوم تيار المستقبل لأنه يشارك حزب الله في الحكومات اللبنانية، ولم تعد تتقبل فكرة استحالة استبعاد الحزب باعتباره ممثل للشيعة وصاحب القوة العسكرية والسياسة في البلاد.
ويبدو أن السعودية لم تعد معنية كثيراً بحليفها الأساسي في لبنان تيار المستقبل، بل ساهمت سياسات ولي عهد السعودية الأمير محمد بين سلمان في إضعاف التيار بعدما احتجز زعيمه سعد الحريري عندما كان رئيساً للحكومة في الرياض قبل أن يُطلق بوساطة فرنسية.
كل هذا يقلل المعادلة التقليدية التي كانت تحمي لبنان من هجمات إسرائيل عبر دور أمريكي خفي تقليدي (خاصة أن واشنطن كانت تحتفظ بعلاقة وثيقة مع الجيش اللبناني)، ووساطة سعودية لدى واشنطن لتخفف من احتمالات أي هجوم إسرائيلي أو تجعله يركز على حزب الله أو المناطق الشيعية كما حدث في حرب عام 2006، حسبما قالت مصادر لبنانية لـ"عربي بوست".
ولكن على العكس قد يتحول ترامب في أيامه الأخيرة، إلى عامل تحريض لإسرائيل ضد الحزب، دون اهتمام بمصير ببقية المكونات اللبنانية كثيراً.
لكن هل سيحاول الإسرائيليون القيام بشيء كبير في بيروت في الأسابيع المقبلة؟
من الممكن وبالفعل أن هناك تنبيهات أمنية في الضاحية (معقل الشيعة في بيروت) والجنوب (ذي الأغلبية الشيعية).
يقول أعضاء الحزب "هذا كله يتعلق بحماية قادتنا. ليس لدينا أي شيء محدد. لكن هناك شيء ما في الجو".
المنطقة الأمنية لحزب الله في قلب معقله محاطة بحواجز فولاذية تم رفعها الأسبوع الماضي، ما سمح للسيارات بالمرور. وقف عناصر الأمن على جوانب الطريق يراقبون انسياب الحركة المرورية تحت مرصد الكاميرات الكبيرة التي تحافظ على رؤية مترابطة للضاحية.
تم وضع لافتات لصور الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي اغتيل في بغداد في 3 كانون الثاني/يناير في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار، بالقرب من التقاطعات وعلى واجهات المتاجر في جميع أنحاء الضاحية ، كما أن صور نصر الله بارزة.
ومن الشائع أيضاً نشر ملصقات لأشخاص أقل قتلى في سوريا والعراق وفي اشتباكات سابقة مع إسرائيل.
قال العضو الثاني في حزب الله: "نحن لا نخشى الموت كما تعلم". لكن يجب علينا حماية قادتنا ونعلم أننا سنتضرر سياسياً إذا حدث أي شيء لهم. هذه أوقات خطيرة. ترامب مجنون لكنه لن يحصل على ما يريد. ليس لديه صبر وليس لديه وقت. يعتقد الإسرائيليون أنهم سيأتون من أجلنا. نحن القادمون من أجلهم".