كيف يمكن لأمريكا مواجهة “سور الصواريخ العظيم” الذي تسعى الصين لاعتماده كاستراتيجية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/20 الساعة 07:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/21 الساعة 06:58 بتوقيت غرينتش
المواجهة بين الصين وأمريكا قد تكون نووية

كلما ازدادت قوة الصين وسعت لبسط نفوذها في مناطق تواجد القوات الأمريكية اقتربت ساعة الصدام الكبرى التي يبدو أنه لا مفر منها، وبما أن المسرح الرئيسي للمواجهة المحتملة عبارة عن جزر ومضايق فإن السفن الحربية والصواريخ المضادة لها هي السلاح الرئيسي.

ويبني المحللون العسكريون الافتراض الأساسي في أي مواجهة عسكرية بين الصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى على بناء الطرف الوافد على المنطقة (واشنطن) سوراً عظيماً من الصواريخ متعددة الأغراض؛ مضادة للسفن، ومضادة للطائرات، ومضادة للغواصات على وحول الجزر التي تشكّل سلسلة الجزر الأولى خارج السواحل الصينية.

كيف فعلها "التنين الأحمر"؟ الصين تطيح بأمريكا وتتربع الآن على عرش الاقتصاد العالمي، ماذا يعني ذلك؟/ عربي بوست

وتناولت مجلة National Interest الأمريكية هذا السيناريو في تقرير: "هل يمكن للصين بناء "سور عظيم" من الصواريخ المضادة للسفن؟"، رصد الخيارات الجيوسياسية أمام بكين وواشنطن للاستعداد للسيناريو المرعب.

الجيش الصيني لن يخضع للحصار

والمؤكد هو أن جيش التحرير الشعبي الصيني لن يخضع بينما يقيّد الحلفاء حرية حركته بين المياه الإقليمية الصينية وغرب المحيط الهادئ، بل وسيحاول جنود جيش التحرير الشعبي الصيني وقواته البحرية والجوية اختراق الجدار، أو الالتفاف حوله، أو إبطال عمله، واستعادة قدرتهم على الوصول إلى العالم الأوسع من حولهم؛ خشية أن تفقد الصين علاقات التصدير والاستيراد التي تضمن "حلمها" بالازدهار والكرامة الوطنية، ناهيك عن قدرتها على إبراز قوتها العسكرية خارج محيطها المباشر.

وتأتي فرضية استراتيجية "السور العظيم" المذكورة لتسليط الضوء على ضرورة وجود رد فعل من الحلفاء على التحدي الصيني السافر، المتمثل في "رفض وصول الدفاعات" إلى المنطقة، والذي يهدف إلى تصعيب الأمور على القوات الأمريكية وحلفائها، عند سعيها للدخول إلى المياه أو الأجواء المحاصرة غرب المحيط الهادئ.

الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ/رويترز

تحاول الصين فرض استراتيجية منع الوصول على نطاق جغرافي كبير، على أمل منع التعزيزات الأمريكية المندفعة لإغاثة تايوان أو اليابان أو أي حليف آسيوي آخر. كما يجب تذكير الصين بأن فرضية إقامة الحواجز عبر البحار الضيقة لمنع وصول الخصوم ليست فكرة صينية خالصة، وأن بإمكان حلفاء الولايات المتحدة غرب المحيط الهادئ تطبيقها أيضاً، بل وقد تكون العوامل الجغرافية في صالحهم بطريقة لا يمكن للصين أن تحظى بها؛ لا يوجد ما هو أسهل وأرخص من إغلاق مضيق لمنع السفن الصينية من الخروج من المياه الإقليمية أو العودة من خارجها.

ومهما تراجع ذكر الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية أمام واقع الصمت المطبق في عالم الاستخبارات السرية، تظهر أهمية استراتيجية سلسلة الجزر الدفاعية المترسخة داخل دوائر البنتاغون بشكل واضح وملموس، لاسيما في تدريبات سلاح الجو والبحرية الأمريكية.

استراتيجية توظيف الدبلوماسية

ولكن من غير المرجح أبداً أن يتراجع أو ينكمش جيش التحرير الشعبي الصيني أمام السور العظيم لحلفاء الولايات المتحدة، مهما كان هائلاً. ولكن كيف ستسعى الصين نحو الانتصار؟ من خلال تسخير كل الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية في جميع أنحاء سلسلة الجزر، من المنافسة الاستراتيجية السلمية إلى الصراعات المسلحة، وما بينهما.

هناك ما هو أكثر من رفض وصول الأسلحة وأجهزة الاستشعار وأجهزة الكمبيوتر، إنها مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات الكبرى التي تهدف إلى ردع الخصم من دخول الفضاء الجغرافي المتنازع عليه، ما يؤخر تقدم الخصم إلى تلك المنطقة في حالة فشل الردع، أو منع دخوله تماماً في الحالة المثالية.

ما التدابير المضادة المتاحة أمام بكين إذا لاحظت ازدياد الصلابة الدفاعية لسلسلة الجزر؟ في أوقات السلم ستحاول الصين كسر السلسلة أو استمالتها عن طريق استغلال المزايا المتوفرة لديها مثل الثروة والقرب الجغرافي، وديمومة وجودها.

أول حاملة طائرات صينية لياونينغ تشارك في عرض عسكري في بحر الصين الجنوبي ترافقها سفن حربية وطائرات مقاتلة/ رويترز

أصبحت العواصم الآسيوية تطمح إلى إقامة علاقات تجارية مع الصين؛ التجارة تزيل كل العقبات، وتساعد الدول على الازدهار. وفي نفس الوقت تدرك الدول الآسيوية أن "الأخ الكبير" على مرمى بصرهم، يزداد قوة يوماً بعد يوم. قد تتواجد الولايات المتحدة اليوم في المحيط الهادئ وقد تغيب غداً، أما الصين فهي باقية إلى الأبد، لذا مكانة بكين باعتبارها قوة مركزية في آسيا تسمح لها بالجمع بين الحوافز الاقتصادية والتواصل الدبلوماسي، طوعاً أو كرهاً.

الفلبين ودورها المحوري في الصراع

هدف الدبلوماسية الصينية هو إقناع جيرانها برفض الدعم العسكري الأمريكي، إذ لا يمكن أن تصمد استراتيجية سلسلة الجزر الدفاعية الأمريكية إذا رفض الحلفاء الآسيويون دخول القوات الأمريكية إلى أراضيهم. وهذا هو سبب استمالة الرئيس الصيني شي جين بينغ، للرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، بهذا الحماس. بإمكان الصين اختراق السور العظيم لحلفاء الولايات المتحدة بدون أن تطلق رصاصة واحدة إذا منع الرئيس دوتيرتي دخول القوات الأمريكية إلى الأراضي الفلبينية من أجل مصالحه التجارية مع الصين.

ولكن ماذا لو فشلت مغامرات الدبلوماسية الصينية وصمد التحالف الأمريكي واندلع صراع عسكري؟ عندئذ بدلاً من السيناريوهات التي سيحاول بها جيش التحرير الشعبي الصيني اختراق الجدار سنلقي نظرة على الاستراتيجية الصينية لهدم الجدار، والتي ستكون من الكلاسيكيات المعروفة بـ"الدفاع الشامل" أو "الدفاع المحيط". وفي هذه الحالة يتكون "المحيط" من نقاط ثابتة (الجزر) والمياه والقطع العسكرية الواقعة بينها.

الرئيس الفلبيني دوتيرتي/ رويترز

ووفقاً لنظريات المؤرخ العسكري كارل فون كلاوزفيتز عن "الدفاع المحيط"، يبدو أن أفضل الأماكن لجيش التحرير الشعبي الصيني من أجل الاختراق هي مضيق مياكو ومضيق لوزون. يقع مضيق مياكو جنوب أوكيناوا (اليابان)، وهو الممر الأوسع بين المياه الصينية وغرب المحيط الهادئ، باتساع 250 كيلومتراً. وهو أيضاً المدخل المفضل لسفن وطائرات جيش التحرير الشعبي الصيني، لذا قد يندفع قادة الجيش الصيني نحو مضيقهم المفضل، لاسيما أن دفاعات الحلفاء سيكون لديهم مساحة جغرافية أكبر لحمايتها، وبالتالي يصبح هذا المضيق أكثر عرضة للاختراق إذا تعرّض لهجوم عنيف.

ويقع مضيق لوزون في الجنوب، ويفصل بين تايوان وجزيرة لوزون، أكبر جزر الفلبين. أي أنه يقع بين حليف متردد للولايات المتحدة، وآخر مترنح، ما يفتح المجال أمام الصين لإحداث أضرار دبلوماسية. يقع المضيق في أقصى الجنوب من القواعد البحرية الأمريكية وقوات دفاع البحرية اليابانية في يوكوسوكا وساسيبو. وسوف تتسع بذلك المساحة التي يحتاج الحلفاء إلى تغطيتها ما لم يسمح الرئيس الفلبيني دوتيرتي للحلفاء باستخدام خليج سوبيك وغيره من المنشآت الفلبينية. ولا يخفَ على أحد أن دوتيرتي حلقة ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها عندما تحتدم الأمور.

حرب المضايق قد تكون حاسمة

ومن المشكوك فيه أن تكتفي بكين بفتح ممر مائي وحيد، لذا قد تسعى الاستراتيجية الصينية إلى فتح قوس عريض في سلسلة الجزر لتنويع خياراتها الجيوسياسية. بافتراض أن مضيق مياكو هو الهدف الرئيسي للبحرية الصينية، لن يكتفي جيش التحرير الشعبي الصيني بالسيطرة المؤقتة على المضيق، وقد يدفع قواته شمالاً نحو أوكيناوا والجزر اليابانية أو جنوباً باتجاه تايوان.

يبدو الانعطاف نحو الجنوب واعداً بشكل أكبر، وقد يتطلب الانعطاف نحو الشمال من جيش التحرير الشعبي إخضاع أوكيناوا أولاً، موطن القوات الجوية الأمريكية واليابانية القوية.

وفي المقابل، توجه الصين نحو تايوان سيزيد من مساحة التغطية المطلوبة للحلفاء مع تدخل قوات جيش التحرير الشعبي الصيني بين الجزر المستهدفة، ويمنع وصول القوات القادمة من أوكيناوا واليابان، لذا قد يكون هذا هو الاختيار الاستراتيجي الأفضل لبكين.

خريطة قارة آسيا
الصين وما حولها في خريطة قارة آسيا / IStock

لم يعد بإمكان الولايات المتحدة التخلي عن التزاماتها في شرق آسيا، وقد يتمثل ذلك في غزو الصين لتايوان، أو انتزاع جزر سينكاكو من اليابان، أو أي شيء آخر في صالح بكين ويضر واشنطن. إذا حدث أي من ذلك، سيفقد الحلفاء ثقتهم في القدرات العسكرية الأمريكية، وقد يتكيفون مع رغبات الصين الأقوى في المنطقة. وسينهار بذلك نظام التحالف الأمريكي والمكانة الاستراتيجية للولايات المتحدة غرب المحيط الهادئ.

لذا، يجب على القوات المنتشرة الصمود حتى يتمكن الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ والقوات التابعة من شق طريقهم للوصول إلى منطقة النزاع. يحتاج مخططو الحروب اليوم إلى اكتشاف طريقة للتصدي لمشكلة منع الوصول، ولكن يجب عليهم أيضاً تحمل عبء اكتشاف كيفية رفض الاستراتيجية الصينية، وحرمان بكين من الأمر الواقع الذي تتوق إلى فرضه في المنطقة.

تحميل المزيد