في خطوة غير مفاجئة، أعلنت مصر الأربعاء 16 ديسمبر/كانون الأول عن انضمام الإمارات إلى منتدى غاز شرق المتوسط (مقره القاهرة) بصفة مراقب. وذلك في ظل صراع متصاعد بين اليونان وقبرص الجنوبية اللتين تعتبران عضوين في هذا التكتل من جهة بدعم فرنسي، وبين تركيا وقبرص الشمالية من جهة أخرى. فماذا يعني ذلك؟ ولماذا الآن؟
بداية، ما الغاية من إنشاء منتدى شرق المتوسط؟ وكيف تم تأسيسه؟
في يناير/كانون الثاني 2019، أطلق من القاهرة ما يعرف بـ"منتدى غاز شرق المتوسط" (EMGF)، والذي يضم في عضويته مصر وإسرائيل واليونان وقبرص اليونانية وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، ليتم تحويله في سبتمبر/أيلول الماضي رسمياً إلى "منظمة إقليمية حكومية" في اتفاق غابت عنه السلطة الفلسطينية.
وتسعى الدول الأعضاء في المنتدى إلى تحركات منفردة بعيداً عن أنقرة، التي لطالما طالبت بضرورة تحقيق التقاسم العادل للموارد الطبيعية بمنطقة شرق المتوسط، في ظل تعنت من مصر واليونان وقبرص اليونانية وتصاعد الخلافات بين الطرفين.
ولا عجب أن توقيع الاتفاقية الأخيرة تلك- جرى في لقاء عبر دائرة تلفزيونية مغلقة- للممثلين عن الدول الست، كان بحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي بصفة مراقب، وسفراء الدول الست وسفيري الولايات المتحدة وفرنسا لدى مصر، إذ كانت باريس قد طلبت مسبقاً الانضمام بصفة مراقب للمنتدى، الذي يتهم بالسعي لحصار تركيا وتهميش حصتها في ثروات الغاز بشرق المتوسط.
وتدعم فرنسا اليونان بشكل كبير في صراعها مع تركيا حول شرق المتوسط، وذلك في ظل تصاعد الخلافات بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث يسعى الأخير لتوثيق التقارب مع جميع خصوم أنقرة كمصر والإمارات وإسرائيل في المنطقة، في محاولة لتقييد تحركات أنقرة وتقليم نفوذها الذي يمتد من سوريا وحتى قبرص إلى ليبيا.
ماذا وراء انضمام الإمارات الآن؟
لم يكن انضمام الإمارات للمنتدى برغم بعدها الجغرافي عن منطقة شرق المتوسط مفاجئاً نظراً لسعي إسرائيل قبل مصر لضمها، ونظراً لـ"عداوتها" المستمرة مع تركيا ودعهما أي خصوم لأنقرة في المنطقة. لكن الإعلان عن انضمام الإمارات جاء عقب زيارة قام بها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، التقى خلالها بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يوم الأربعاء.
وقالت الرئاسة المصرية في بيان إن الجانبين عبرا عن "أهمية القيمة المضافة التي ستسهم بها دولة الإمارات في نشاط المنتدى لخدمة المصالح الاستراتيجية وتعزيز التعاون والشراكة بين دول المنتدى"، بحسب تعبير البيان.
لكن هذا الأمر كان باقتراح وتخطيط إسرائيلي منذ البداية، كشف وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، في 23 سبتمبر/أيلول 2020 الماضي، عن أن تل أبيب اقترحت انضمام الإمارات إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وأشار شتاينتز حينها أن الدول المشاركة في المنتدى تدرس الأمر.
وكان شتاينتز التقى في ذلك الحين، نظيره الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي، عبر تقنية الاتصال المرئي، وبحث معه التعاون بين الجانبين في نقل الغاز إلى أوروبا، إذ كشف شتاينتز أنه تحدث مع وزير الطاقة الإماراتي بخصوص التعاون في ربط شبكات الكهرباء وتطوير سوق الغاز الطبيعي للصادرات عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا ومشاريع أخرى، والتي هي من المؤكد ستعيق خطط أنقرة حول الطاقة وتهمشها، وربما ستلحق الضرر بها.
الإمارات ومنتدى شرق المتوسط ومعاداة تركيا
وفي 3 من ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلنت الإمارات مشاركتها لأول مرة، هي وفرنسا، في مناورات "ميدوزا-10" المشتركة بين القبارصة واليونانيين والمصريين، والتي جرت في الفترة الممتدة ما بين الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني والسادس من ديسمبر/كانون الأول قبالة ساحل الإسكندرية.
ووفق تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي، فإن المشاركة الإماراتية في تلك المناورات، جاءت بعد أقل من أسبوعين من عقد اتفاقية "شراكة استراتيجية" مع اليونان في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، التي وصفتها أثينا بأنها "إنجاز كبير".
وتعد تلك المرة الأولى التي تبرم فيها أثينا اتفاقية ثنائية بهذا الحجم منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتأكيد أقدمت على مثل هذه الاتفاقية بسبب أزماتها مع تركيا، وبالتالي فإن أي وجود للإمارات في تلك الاتفاقية يهدف إلى "احتواء تركيا وإضفاء المصداقية على الاستراتيجيات الرادعة لكلا البلدين"، بحسب وصف الموقع الأمريكي.
إذ تدعم الإمارات وجهة نظر اليونان تجاه عداوة تركيا، وقد تجلى هذا الدعم عندما أرسلت أبوظبي طائرات مقاتلة إلى جزيرة كريت بعد صدام بين سفن حربية يونانية وتركية في شرق البحر المتوسط.
كما أن تلك الاتفاقية تعد الأولى من نوعها بين الدول التي تؤسس رسمياً آلية لتبادل المعلومات الاستخباراتية السرية. إذ تتمثل السمة المميزة لذلك الاتفاق في بند الدفاع المشترك الذي تتعهد البلدان فيه بمساندة بعضهما بعضاً، في ضوء أي تهديد لسلامة أراضيهما من أي طرف ثالث.
لكن الإمارات حينها، أكدت اهتمامها بالابتعاد عن الصراع بين تركيا واليونان، فكلتاهما عضو في حلف الناتو وتقع تحت حمايته، وليس من مصلحة الإمارات ولا سياستها التدخل في حرب بين البلدين، بحسب المونيتور.
التطبيع مع إسرائيل يشجِّع الإمارات على وضع قدمها في شرق المتوسط
وكما أسلفنا سابقاً فإن وجود الإمارات في هذا المنتدى- الذي تسعى إسرائيل من خلاله للسيطرة على أي مشاريع للغاز في المنطقة تنطلق نحو أوروبا- كان بضغط ودفع إسرائيلي بالدرجة الأولى بعد اتفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب، قبل أن يكون برغبة مصرية أو يونانية لتقوية "الحلف المناهض لتركيا".
وفيما يتعلق بالدول التي تطلق على نفسها "التحالف المناهض لتركيا"، يتمثل التحدي الاستراتيجي في تحويل الشراكة السياسية التي تستهدف تركيا إلى علاقة ديناميكية أكبر تربط بين اقتصاداتها وتدعم الاستثمار الاستراتيجي.
وتبدو الإمارات جادةً الآن في أن تطأ بقدمها البحر الأبيض المتوسط، وتضايق تركيا بكل وسعها، وبترحيب رسمي إسرائيلي ومصري ويوناني، فلا بد للإمارات أن تغتنم الفرصة.