تشهد العلاقات الإماراتية الجزائرية حالة من التوتر الواضح وغير الرسمي حتى الآن في ظل غياب الرئيس الجزائري الذي يتلقى العلاج في ألمانيا إثر إصابته بفيروس كورونا، ويعد آخر تلك التوترات تناول الإعلام بعض التقارير التي تتحدث عن منع الإمارات دخول الجزائريين إلى أراضيها ضمن 13 دولة أخرى.
إلا أن وزارة الخارجية الجزائرية نفت تلك التقارير واعتبرت أن هذه الأخبار زائفة ولا تمتّ للحقيقة بصلة، في حين أنه لم يتم نفي هذا القرار من قبل الإمارات رسمياً.
ما هي أسباب التوتر بين الجزائر والإمارات؟
ومن خلال قراءة المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط ككل يمكن تلخيص أسباب التوتر الحاصل بين البلدين في عدة نقاط، يأتي في مقدمتها موقف الجزائر من الملف الليبي والذي ساندت فيه حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج، بينما في المقابل تدعم الإمارات الجنرال خليفة حفتر.
وتتلقى حكومة الوفاق الليبية دعماً عسكرياً تركياً، ويعد هذا ضمن أبرز النقاط في الملف الليبي، فلم تر فيها الإمارات التي تعادي تركيا بالأصل، موقفاً واضحاً من قبل الجزائر، حيث لم تأخذ الجزائر مسافة كافية من الموقف التركي.
بالإضافة إلى اتخاذ الجزائر مواقف بعيدة عن سياسات أبوظبي، مع إرساء علاقات طيبة مع تركيا وقطر، وتنسيق جهودهما مع هذه الأطراف في عدد من الملفات، وذلك في ظل تعزيز أنقرة لموقعها في ضفة البحر الأبيض المتوسط، وهو ما اعتبرته الإمارات تهديداً لطموحاتها التوسعية في المنطقة.
ويعد الموقف الجزائري من تطبيع الإمارات مع إسرائيل أيضاً ضمن أهم الأسباب التي تقود إلى هذا التذبذب الحاصل، حيث جاء رد الفعل الرسمي من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عقب تطبيع الإمارات والبحرين؛ بالقول إن بلاده "لن تشارك ولن تبارك الهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل".
وفي محاولة لتصعيد التوتر القائم بين البلدين قامت الإمارات بفتح أول قنصلية عربية لها في مدينة العيون بالصحراء الغربية التي يسيطر عليها المغرب وتطالب جبهة البوليساريو باستقلالها، لتؤكد اعترافها بمغربية الصحراء الغربية، ومؤخراً أعلنت دولة البحرين نيتها افتتاح قنصلية لها أيضاً في المنطقة ذاتها.
بل قامت الولايات المتحدة باعتماد "خريطة رسمية جديدة" للمغرب تضم منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، خلال مراسم أقيمت في السفارة الأمريكية في الرباط، مما يعني اعترافها بمغربية الصحراء الغربية أيضاً.
مما دفع الجزائر التي لم تعلق على سلوك الإمارات، بالرد على الموقف الأمريكي من خلال بيان وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، التي أشارت فيه إلى أن "النزاع في الصحراء الغربية هو مسألة تصفية استعمار لا يمكن حله إلا من خلال تطبيق القانون الدولي والعقيدة الراسخة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بهذا الخصوص".
وشدد البيان على أن اعتراف ترامب "يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة، خاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء الغربية" وأن "هذا الإعلان من شأنه تقويض جهود خفض التصعيد بين الطرفين المتنازعين"، وأكدت الجزائر أن"موقفها يستند على الشرعية الدولية ضد منطق القوة والصفقات المشبوهة".
وتميل الجزائر كل الميل إلى جبهة البوليساريو وتعمل على دعمها، ويرى المغرب الذي يشهد منافسة شرسة مع الجزائر إن لم تكن خلافات مستمرة منذ استقلال البلدين، أن هذا الدعم يرجع إلى طمع الجزائر في ثروات الصحراء الغربية وفي أن يكون لها منفذ مباشر على المحيط الأطلنطي، بينما تنفي الجزائر تلك الاتهامات وتقول إنها تدعم القرارات الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وبالتالي يمكن القول بأن الإمارات من خلال موقفها من الصحراء الغربية، أرادت الضغط على المصالح الجزائرية من جهة، وتحفيز المغرب على التطبيع مع إسرائيل من جهة أخرى، وهو ما حدث بالفعل حيث أعلنت المغرب في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري عن تطبيعها مع دولة الكيان الصهيوني.
ما مدى توغل الإمارات في الاقتصاد الجزائري؟
وكشف الموقع الفرنسي "مغرب إنتليجنس" في أحدث تقرير نشره على موقعه الإلكتروني أن أبوظبي تتحرك ضد الجزائر، وتعمل على ممارسة ضغوط على قيادتها بسبب عدد من المواقف لم ترضِ ساسة الإمارات.
مما يدفعنا للبحث عن الدور الاقتصادي للإمارات في الجزائر ومدى تأثيرها، فنجد أنه في أواخر عام 2018 بلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في الجزائر بالقطاعات المختلفة نحو 10 مليارات دولار، بينما بلغ التبادل التجاري نحو 1.1 مليار دولار لصالح الإمارات بفارق نحو 564.3 مليون دولار بواقع 12.6% من إجمالي واردات الجزائر.
ومن بين أكبر المشاريع الاستثمارية الإماراتية بالجزائر، يوجد مشروع مصفاة الألومنيوم بمنطقة بني صاف بقيمة 5 مليارات دولار، ومشروع إنشاء محطة توليد الكهرباء (1200 ميغاوات) بقيمة مليار دولار، ومشروع إنتاج الحليب في محافظة تيارت.
بالإضافة إلى شراكة بين البلدين وألمانيا لإنتاج مركبات الوزن الثقيل (مرسيدس بنز) بمحافظة غليزان، ومصنع جزائري- إماراتي لإنتاج الحديد والصلب بمحافظة غليزان (غرب الجزائر) بقيمة 300 مليون دولار.
وتستحوذ الإمارات على الشركة العمومية للتبغ والكبريت بنحو 49% مقابل 51% لصالح الدولة الجزائرية، هذا بخلاف احتكارها ميناء "جنجن" من خلال شركة "موانئ دبي العالمية"، إذ تحصل على 70% من موارد الميناء، وهو ما دفع الجزائريين بعد انتهاء حكم بوتفليقة إلى استرجاعها.
ويشير الصحفي نيكولا بو، في إحدى مقالاته، إلى أن أثرياء الجزائر أودعوا ثروات بمئات الملايين من الدولارات في بنوك الإمارات، فعلى سبيل المثال علي حداد، أغنى رجل في الجزائر، والذي يوصف بأنه "حصالة عائلة بوتفليقة (الرئيس الجزائري السابق)".
وأكد الخبير الاقتصادي، فريد بن يحيى، لـ"عربي بوست"، أن "العلاقات التجارية الجزائرية مع الإمارات ليست كبيرة، لكن الاستثمارات نوعاً ما متوسطة، وبالتالي لا يمكن القول بأن الإمارات لديها القدرة الكافية للتأثير على اقتصاد الجزائر".
هل تستطيع تركيا مساندة الاقتصاد الجزائري؟
وفي خضم ذلك، ربما تسعى تركيا في ظل التوتر الحاصل بين الإمارات والجزائر إلى توطيد مزيد من العلاقات وذلك من خلال التعاون السياسي والاقتصادي، ويأتي التعاون الجزائري التركي واضحاً وخاصة بعد أن سلمت السلطات الجزائرية نظيرتها التركية شخصية بارزة من مجموعة فتح الله غولن المعارضة.
كما سبق لتركيا أن سلمت ضابطاً جزائرياً كان مطلوباً لدى سلطات بلاده، وهو قرميط بنويرة، الذي شغل منصب السكرتير الشخصي لقائد أركان الجيش السابق، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، قبل أن يفر إلى تركيا وبحوزته ملفات وصفت بـ"الخطيرة".
ودائماً ما يدعم المواقف السياسة المصالح الاقتصادية، وبالنظر إلى العلاقات الاقتصادية التركية- الجزائرية، فإن حجم التبادل التجاري يبلغ نحو 4 مليارات دولار، ويكاد يكون الميزان التجاري لصالح تركيا إلا أنه يعد متوازناً بين البلدين لأن الفارق طفيف جداً بواقع 38 مليون دولار فقط.
مما يشير إلى أن الاستثمارات التجارية بين البلدين تأتي في صالح الطرفين، ويسعى كل منهما إلى رفع هذا المؤشر إلى نحو 5 مليارات دولار، وتعد الجزائر ثاني شريك تجاري لتركيا في إفريقيا.
ويبلغ حجم الاستثمارات الخارجية لتركيا بالجزائر نحو 3.5 مليار دولار، مما سمح بتوظيف نحو 30 ألف عامل جزائري، كما أنجزت الشركات التركية نحو 377 مشروعاً استثمارياً بالجزائر بقيمة 16.1 مليار دولار.
وتستحوذ الشركات التركية العاملة في الجزائر على استثمارات كبرى تقدر بمليار دولار وهو ما جعلها تشكل أهم مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفقاً لمدير الوكالة لتطوير الاستثمار في الجزائر عبدالكريم منصوري.
وتسعى تركيا، في يناير/كانون الثاني المقبل، إلى إقامة منطقة تبادل حر مع الجزائر، تضمن توسيع الاستثمارات وتدفق السلع، خاصة بعد إلغاء القاعدة الاستثمارية 49/51 في قانون المالية الساري حالياً، التي فرضتها الحكومة الجزائرية في قانون المالية التكميلي لعام 2009 التي تعني امتلاك الشريك الجزائري عمومي أو خاص نسبة 51% من أصول أسهم الاستثمار المراد إقامته في الجزائر.
وأشار بن يحيى إلى أن العلاقات الجزائرية التركية هي علاقات استراتيجية قادرة على البناء في المستقبل وبخاصة في ظل الموقف الخليجي مع الجزائر، مما يتيح الفرصة أمام تركيا، مشيراً إلى ضرورة استفادة الجزائر من الاستثمارات التركية الخاصة بالتحول التكنولوجي، وكذلك في المجال السياحي.
واقترحت الجزائر في مطلع الشهر الجاري، على تركيا إنشاء تكتل شركات مختلطة لدخول أسواق دولية، و"تنظيم لقاءات بين رجال أعمال البلدين، لبحث فرص شراكة جديدة بعد جائحة كورونا"، مع "ضرورة تفعيل مجلس الأعمال الجزائري التركي".
وترى تركيا أن الجزائر هي بوابتها إلى إفريقيا، لذلك تسعى إلى تحفيز استثماراتها فيها، مما يشير إلى أن هناك مزيداً من الشراكة والاستثمارات الجديدة في المستقبل، بينما ترى القوى الاقتصادية بالجزائر أن التعاون مع تركيا سيكون مفيداً في ظل القوة السياسية والاقتصادية الإقليمية التي تتمتع بها أنقرة.
وبخاصة أن الاستثمار التركي في غضون ما بين 4 إلى 5 سنوات فقط، تمكن من تحقيق أرقام لم تحققها الصين أو فرنسا بالجزائر، وبالتالي ليس بعيداً على دولة مثل تركيا أن تسهم في مساندة الاقتصاد الجزائري بقوة.