"نكسة أم بداية لانطلاقة جديدة"؟ بات هذا هو التساؤل الرئيسي الذي تطرحه العقوبات الأمريكية على تركيا التي يبدو أنها تستهدف بعض قطاعات الصناعات الدفاعية التركية بالأساس، بينما تجنَّبت الاقتصاد التركي أو العلاقات العسكرية غير الصناعية بين البلدين.
فمع ظهور تفاصيل العقوبات بدا أنها خبر مريح للاقتصاد التركي، والمستثمرين الأجانب المعنيين به، لأنها جاءت أقل من المتوقع ودون مساس بالاقتصاد، ولكنها لا تمثل خبراً ساراً للصناعات الدفاعية التركية الطموحة، ولكن رئيس هيئة المشتريات الدفاعية التركية إسماعيل دمير المستهدف شخصياً بالعقوبات كان تعليقه على العقوبات مفاجئاً في طبيعته على هذه العقوبات.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على صناعة الدفاع التركية بسبب شرائها صواريخ إس -400 الروسية، وهي خطوة من شأنها أن تضع مزيداً من الضغط على جيش حليف رئيسي لأمريكا في الناتو لكن هذه الخطوة تحمي الاقتصاد التركي من أي إجراء عقابي آخر، حسب وصف تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وتشمل العقوبات الأمريكية حظراً على إصدار جميع تراخيص الجديدة للتصدير الأمريكية والتراخيص إلى هيئة المشتريات الدفاعية التركية SSB وتجميد الأصول وقيود التأشيرة على رئيسها إسماعيل دمير وضباط آخرين بها، ولكن العقوبات لا تسري على العقود الموقعة من قبل.
إذ قطعت العقوبات فعلياً علاقة أكبر وكالة مشتريات دفاعية في تركيا بالمؤسسات المالية الأمريكية والأجهزة العسكرية والتكنولوجيا، ولكن اللافت أنها تقطع العلاقة المستقبلية وليست الحالية بين هيئة المشتريات الدفاعية التركية وبين الولايات المتحدة.
العقوبات لا تشمل كل صناعة الدفاع التركية
لا تشمل العقوبات الأمريكية التي وقعت أمس الإثنين 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، صناعة الدفاع التركية ككل، بل تركز على رئاسة المشتريات الدفاعية التركية.
ويرى البعض أن العقوبات الأمريكية على تركيا تعرض النفوذ العسكري لأنقرة في منطقتها للخطر، بعد أن قامت ببناء جيشها كعضو في منظمة حلف شمال الأطلسي لأكثر من نصف قرن.
بينما يقول آخرون إن العقوبات قد تمثل حافزاً لصناعة الدفاع التركية بناء على تجارب أنقرة السابقة مع المواقف السلبية الأمريكية بشأن المشتريات العسكرية التركية.
وتقول تركيا إن صفقة الصواريخ إس 400 لن تعرض المنشآت العسكرية الأمريكية ولا أنظمة الناتو الدفاعية للخطر، وذلك في ردها على الانتقادات الأمريكية للصفقة، وعرضت تشكيل لجنة فنية لمراجعة الأمر.
كما تقول أنقرة إن الصفقة الروسية أُبرمت قبل سريان القانون الأمريكي الذي يحظر على حلفاء واشنطن استيراد أسلحة من روسيا وهو القانون المعروف باسم قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA).
وقال المتحدث الرئاسي التركي إبراهيم كالين: "إن تركيا بصفتها عضواً قوياً في الناتو وثاني أكبر جيش في الحلف، توقعت بل كانت تفضل تطوير نظام دفاعها الجوي مع حلفاء الناتو، لكن حلفاء أنقرة الغربيين فشلوا في فهم مخاوفها الأمنية الوطنية الملحة والرد عليها".
وكانت تركيا قد تجاهلت التحذيرات الأمريكية وقامت باختبار صواريخ إس 400 خلال الانتخابات الأمريكية، في مؤشر لرغبتها في حسم الأمر قبل وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلطة الذي يعتقد أنه علاقته مع أنقرة لن تكون مثل العلاقة القوية التي كانت لدى ترامب مع أردوغان شخصياً.
لماذا تمثل العقوبات الأمريكية على تركيا خبراً ساراً للمستثمرين؟
وجد المستثمرون بعض العزاء في حقيقة أن الاقتصاد التركي والصناعة المالية قد نجيا من العقوبات الأمريكية.
ومحت الليرة خسائرها يوم الإثنين بعد إعلان العقوبات. تم تداول العملة بنسبة 0.3% أقوى عند 7.8338 للدولار اعتباراً من 1:07 بعد الظهر. في إسطنبول يوم الثلاثاء. كما ارتفعت الأسهم مع ارتفاع مؤشر بورصة إسطنبول 100 بنسبة 0.5%.
وقاوم ترامب مراراً ضغوط الكونغرس بفرض عقوبات صارمة على تركيا، ومن شأن العقوبات الأمريكية على تركيا في هذه النسخة حماية أنقرة من عقوبات أقوى كان يدعو لها البعض في واشنطن.
وقالت تركيا إنها لجأت لشراء الصواريخ الروسية وإن طلباتها السابقة لأنظمة باتريوت أمريكية الصنع قد تم رفضها، وهو أمر أكد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي اتهم سلفه باراك أوباما بالمسؤولية عن هذه الأزمة.
وقالت وزارة الخارجية التركية: "الرئيس ترامب نفسه اعترف في كثير من الحالات أن قرار تركيا كان مبرراً".
حظر التعامل المالي مع هيئة المشتريات الدفاعية التركية
وتستهدف العقوبات الأمريكية على تركيا في نسختها الأخيرة أيضاً أفراداً من بينهم إسماعيل دمير، رئيس هيئة المشتريات الدفاعية التركية المعروفة باسم SSB (أو رئاسة المشتريات الدفاعية)، إضافة إلى فرض حظر على جميع تراخيص التصدير الأمريكية والتراخيص عامة إلى SSB وتجميد أصولها (في أمريكا).
ووفقاً للعقوبات فإن الهيئة أصبحت ممنوعة من تلقي قروض من الولايات المتحدة، والمؤسسات المالية الأمريكية، كما ستعارض الولايات المتحدة أيضاً أي تمديد ائتماني لهيئة المشتريات الدفاعية التركية من المؤسسات المالية الدولية وستحظر مساعدة بنك التصدير والاستيراد الأمريكي للصادرات إليها.
ولن يكون للبنود المالية تأثير فوري على هيئة المشتريات التركية، لأنها ليس لها علاقة تعاقدية مع المؤسسات المالية التي يشملها القانون.
حظر التصدير.. ماذا يعني للبلدين؟
فيما يتعلق بحظر تراخيص التصدير الجديدة لنقل البضائع أو التكنولوجيا الأمريكية، هيئة المشتريات الدفاعية التركية، فإن هذا يعني وقف الصادرات الأمريكية إلى الجيش التركي التي تمر عبر الهيئة.
وفي المتوسط، يمر حوالي ملياري دولار من عقود الدفاع التي تشمل شركات أمريكية من خلال هيئة المشتريات الدفاعية التركية كل عام.
ولا يعرف هل تسمح العقوبات الأمريكية على تركيا بتمرير الصادرات العسكرية الأمريكية لأنقرة عبر مسار آخر، لأن القانون ركز على هيئة المشتريات الدفاعية التركية وليس كل المؤسسات التركية.
ولكن اللافت أن جزءاً كبيراً من هذه التجارة مع هيئة المشتريات الدفاعية التركية سيستمر لأن العقوبات لا تسري بأثر رجعي. ولكن لن يُسمح بالتراخيص أو الإضافات الجديدة للتراخيص الحالية بعد انتهاء الصلاحية.
وقد يكون أحد أسباب استمرار العقود القائمة أن أنقرة ما زالت تشارك في صناعة الطائرات الشبحية الشهيرة إف 35 رغم استبعادها من المشروع، ولكن عمليات إنتاج الطائرة لا تستطيع الاستغناء عن المكونات التركية إلى عام 2022
ففي يوليو/تموز 2020، قالت الولايات المتحدة إن تركيا ما زالت تشارك في بناء هيكل الطائرة المركزي، و139 مكوناً في نظام دفع المحرك، وإنه جرى تجنُّب عمليات الفسخ المكلفة والمُعطِّلة والمُخرِّبة للعقود مع أنقرة، إلى حين تحديد مصادر بديلة لكافة المكونات تركية الصنع وسيتم اللجوء إليها بعد انقضاء العقود التركية وتسليم العتاد.
وبحسب تحليل لقسم Bloomberg Government عام 2018، فإنَّ 10 شركات تركية في طريقها لجني قرابة 12 مليار دولار من مكونات المقاتلة F-35.
وتشير بيانات البنتاغون إلى أن الشركات التركية تصنع 817 جزءاً من أجزاء هيكل الطائرة البالغة 24 ألفاً تقريباً، و188 جزءاً من أجزاء المحرك البالغة 3 آلاف تقريباً.
ولكن ما زال هناك مخاطر أكبر محتملة بالنسبة لأنقرة إذ يدفع الكونغرس نحو لغة أكثر تقييداً في التشريع، وإذا تمت الموافقة عليه، فإنه سيجعل من الصعب للغاية على تركيا طلب التنازلات ما لم تتخلص فعلياً من الصواريخ الروسية.
وقال آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن، إن مشتريات الوكالة التركية للأسلحة من موردين خارج الولايات المتحدة ستتأثر أيضاً.
نكسة أم حافز يقوي الصناعات الدفاعية التركية؟
"ستكون هذه العقوبات شعلة وتحذيراً"، كانت هذه كلمات إسماعيل دمير المستهدف شخصياً بهذه العقوبات، باعتباره رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية (SSB) في الثلاثاء 15 ديسمبر/كانون الأول، أي بعد يوم من الإعلان عن العقوبات.
وأضاف أن تركيا عازمة على تحقيق صناعة دفاعية مستقلة تماماً، وستكون العقوبات الأمريكية على تركيا بمثابة إنذار قوي يحفز على مزيد من التطوير للصناعة المحلية.
وسيستمر تطوير الصناعة المحلية، وربما بشكل أسرع، حسبما قال دمير للصحافيين عقب مناقشات الميزانية في البرلمان.
وقال دمير "لا أعتقد أن القرار سيكون له تأثير ملموس على صناعة الدفاع التركية. لأننا بالفعل خضعنا لقيود أمريكية"، مشيراً إلى أن البلاد ستجد حلولاً في "بيئتها"، حسب تعبيره.
وفي إشارة إلى عدم رغبة أنقرة في التصعيد، قال دمير إن أنقرة لديها علاقات مع الولايات المتحدة في عدة مجالات، وإن الجانبين يهدفان إلى استمرار هذه العلاقات.
وكتب دمير على تويتر بعد إعلان العقوبات أن العقوبات الأمريكية على تركيا لن تكون قادرة على إعاقة صناعة الدفاع التركية بأي شكل من الأشكال.
وقال "لسنا قلقين ولا داعي لأن يشعر الجمهور بالقلق أيضاً"، مضيفاً أن هذه الخطوة ستعزز صناعة الدفاع التركية.
وقال إنه لا يوجد تعبير في البيان الأمريكي يشير إلى أن العمليات اللوجستية والمشتريات الحالية لوزارة الدفاع التركية ستتأثر بالعقوبات.
ولدى سؤاله عما إذا كان الإنتاج المحلي للمركبات الجوية المسلحة أو غير المسلحة سيتأثر بالعقوبات الأمريكية، قال دمير "لن تكون هناك انتكاسة".
تركيا تلقت الدرس مرتين والتاريخ يقدم إجابة مفاجئة لمسار العقوبات
كانت أنقرة تتوقع مثل هذا القرار الأمريكي بفرض عقوبات في هذا الإطار، وهذا "لم يكن مفاجأة" ، حسبما قال دمير لقناة هابر تورك يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 2020.
كان الحظر والمنع الأمريكي دوماً حافزاً للصناعة العسكرية التركية، كما يظهر التاريخ القريب والبعيد للبلاد صاحبة ثاني أكبر جيش في الناتو.
حدثت الأزمة الرئيسية الأولى بين تركيا والولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين نتيجة لرسالة غير دبلوماسية من الرئيس الأمريكي السابق ليندون جونسون إلى رئيس الوزراء التركي آنذاك عصمت إينونو بشأن عدم استخدام الأسلحة الأمريكية في أزمة قبرص.
وبعد القيود الأمريكية التي فرضت في السبعينيات، واصلت أنقرة إطلاق مبادرات صناعة الدفاع لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في هذا القطاع، وظهر تأثير ذلك خلال تدخل تركيا في قبرص في منتصف السبعينيات.
إذ إن أدنى نقطة في العلاقات الثنائية بين البلدين حدثت خلال السبعينيات وكانت صناعة الدفاع هي محورها، إذ أقر الكونغرس آنذاك تشريعاً لاعتماد حظر أسلحة على تركيا خلال الحرب الباردة بعد التدخل الأمريكي في قبرص إثر محاولة القبارصة الروم ضمها إلى اليونان.
وعلى الرغم من أن هذا الحظر تم رفعه بعد عدة سنوات، ولكن كان له تأثير نفسي كبير، إذ اكتشفت أنقرة أن الولايات المتحدة كانت في الواقع حليفاً غير موثوق به، الأمر الذي حفز كثيراً من المناقشات في تركيا لتنويع مصادر وواردات الأسلحة وإنشاء صناعة دفاعية وطنية، وانخفض التعاون الدفاعي خلال هذه الفترة نتيجة القرار التركي بإغلاق القواعد الأمريكية، وكان هذا الحظر سبب بداية الصناعات الدفاعية التركية وإنشاء معظم الشركات التركية في المجال العسكري الحالية.
وفي السنوات الأخيرة، كان هناك توتر كبير في علاقات الحليفين وكانت الصادرات الدفاعية أبرز مظاهره أيضاً، إذ أدى رفض واشنطن تقديم طائرات بدون طيار التي تحتاجها أنقرة لمحاربة الإرهاب إلى حدوث أزمة ثقة بين البلدين، وأطلقت تركيا مبادرة كبرى لصناعة الطائرات المسيرة، وبدأت كل من الشركات العامة والخاصة في الاستثمار بكثافة في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
واليوم تركيا تعد من بين البلدان الأفضل في العالم في إنتاج واستخدام الطائرات بدون طيار.
ويعتقد كثيرون أن العقوبات الأمريكية على تركيا الأخيرة ستكون لها نتائج مماثلة. سوف تستثمر تركيا بشكل أكبر للاعتماد على الذات من حيث القدرة العسكرية، وقد تبحث أنقرة حتى عن مصادر بديلة لشراء الأسلحة وأنظمة الأسلحة.
الحظر الغربي على تركيا قد بدأ منذ مدة.. صفقة باكستان نموذجاً
ومن الناحية الفعلية، فإن أوروبا وأمريكا على السواء قد توقفتا عن تصدير الأسلحة وكثير من المنتجات العسكرية لتركيا خلال السنوات الماضية.
ومن الواضح أن تركيا تبني سياستها العسكرية على هذه الحقيقة، كما يبدو في مناقشتها مع أوكرانيا لإيجاد بديل للمحركات الألمانية للدبابة التركية ألتاي التي توصف بأنها واحدة من أفضل الدبابات في العالم، ولكن برنامجها تأخر بسبب مشكلة غياب المحرك جراء رفض ألمانيا تصديره لأنقرة، وعامة تعد المحركات هي المشكلة الرئيسية التي تواجه الصناعات الدفاعية التركية عامة.
وفي هذا الإطار، وحتى قبل فرض العقوبات الأمريكية الأخيرة، فإن واشنطن عرقلت صفقة تصدير تركيا لطائرات مروحية من طراز T129 الهجومية إلى باكستان عبر رفض منح تراخيص لتصدير المحركات الأمريكية الصنع التي تعمل بها الطائرة، مما أدى إلى تأخير الصفقة واضطرت أنقرة لأن تطلب من إسلام أباد مهلة لإيجاد بديل للمحركات الأمريكية.
وكان هذا الموقف يمثل مؤشراً مبكراً لتركيا حتى قبل استبعادها من برنامج إف 35 بشأن نوايا واشنطن السلبية تجاه الصناعات العسكرية التركية.
ورداً على هذا الموقف، كلفت الحكومة التركية Tusas Engine Industries، الشركة الشقيقة لشركة TAI، بتطوير محرك محلي لـ T129، بعدما وافقت باكستان على منح أنقرة سنة أخرى لحل المشكلة، حسبما قال إسماعيل دمير، الذي أضاف في مطلع العام الحالي: نأمل أن نتمكن من تطوير محركنا المحلي قريباً لتشغيل طائرات T129.
وأضاف "وبعد عام واحد قد تكون باكستان راضية عن مستوى التقدم في أعمالنا برنامج المحرك".
وفي هذا الإطار تتطلع تركيا إلى أن تطير أول طائرة مروحية بمحرك محلي الصنع قريباً.
وفي شهر سبتمبر/أيلول 2020 قال نائب المدير العام لشركة TAI المنتجة للطائرات المروحية ومنها الطائرة T129 المقرر تصديرها إلى باكستان إن أول طائرة هليكوبتر محلية متعددة المهام في تركيا، T625 Gökbey التي طورتها شركة صناعات الفضاء التركية (TAI)، من المقرر أن تطير بمحرك محلي بحلول نهاية العام.
وأشار يليكجي إلى أنه عندما تبدأ Gökbey في استخدام المحرك المنتج محلياً، ستكون تركيا من بين ست أو سبع دول فقط في العالم تصمم وتصنع بالفعل طائرة هليكوبتر بموارد محلية.
من هو البديل لأمريكا بالنسبة لتركيا؟
ومع أن روسيا وبصورة أقل الصين، قد تكون البديل الأقدر على معالجة الثغرات التي تسببها العقوبات الأمريكية على الصناعات العسكرية التركية وكذلك الأوروبية، إلا أن هناك محاذير عديدة قد تمنع أنقرة من الاعتماد على الدولتين.
منها بالنسبة لروسيا أن موسكو هي المنافس التاريخي لأنقرة منذ قرون والبلدان يؤيدان أطرافاً متحاربة في ليبيا وسوريا والقوقاز، حتى لو أدارا علاقتهما المركبة بطريقة لم تستطع أوروبا وأمريكا أن تفعلها مع أنقرة.
ولكن الأهم أن الاعتماد التركي على الصناعات العسكرية الروسية معناه تكرار نفس مشكلة العلاقة مع الغرب، إضافة إلى أنه يشكل مزيداً من الاستفزاز للولايات المتحدة، وينطبق الأمر على أي محاولة لتعزيز العلاقات الدفاعية مع الصين، إلى جانب أن بكين لديها دواعي قلقها الخاصة بسبب التعاطف التركي مع الإيغور الأقارب للأتراك إثنياً ودينياً.
وتبدو أوكرانيا الشريك الأرجح لأنقرة في محاولتها لإيجاد بديل لتقنيات الغرب العسكرية، خاصة أن أوكرانيا لا تحتاج فقط ضخ الأموال التركية في صناعاتها الدفاعية بل إنها تحتاج أيضاً للصادرات العسكرية التركية في بعض المجالات مثل السفن الحربية والصواريخ، بينما لدى أوكرانيا أهم ما تحتاجه تركيا وهو المحركات بأنواعها لتشغيل الطائرات والطائرات المسيرة والدبابات.
ورغم أن هذا التعاون التركي الأوكراني قد يغضب روسيا والغرب، إلا أنه بالنسبة للغرب تحديداً سيمثل محاولة عرقلته إحراجاً كبيراً لأن هذا التعاون من شأنه تقوية أوكرانيا أمام العدوانية الروسية التي طالما انتقدها الغرب دون أن يسعف كييف بالدعم اللازم لمواجهتها.
وبالفعل يتعاون البلدان في مجالات عسكرية عدة وتعمل الشركات التركية والأوكرانية حالياً على نحو 50 مشروعاً دفاعياً مشتركاً، ووصل التعاون إلى درجة صدور قرار من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لأوكرانيا في فبراير/شباط 2020، بتقديم 40 مليون دولار لأوكرانيا، لدعم البحث والتطوير في مجال تقنيات المحركات، إضافة إلى شراء شركات تركية نحو ربع أسهم الشركة المصنعة للمحركات الأوكرانية Motor Sich، وهي خطوات أدت إلى إنقاذ قطاع الصناعات الدفاعية الأوكرانية الذي يعاني من أزمات مالية ولكن يمتلك إمكانيات واعدة.
أما خسائر الشركات التركية المتوقعة جراء العقوبات الأمريكية المتعلقة بانتهاء عقود مشاركتها في إنتاج الطائرات إف 35، فإن أنقرة تراهن على أنها سوف تستفيد من خبرة هذه الشركات في إنتاج طائراتها الشبحية الخاصة من الجيل الخامس، والتي تعد أكبر مشكلة أمامها هي المحرك والتي يبدو أن الأتراك يراهنون أنهم يمكنهم حلها عبر الشراكة مع الأوكرانيين.