ستخرج بريطانيا عملياً من الاتحاد الأوروبي في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل من خلال مغادرة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، لكن يبدو أن عدم التوصل لاتفاق قد يؤدي لمواجهة عسكرية بسبب حقوق الصيد، فما القصة؟
السفن البريطانية في وضع الاستعداد
وضعت بريطانيا 4 سفن حربية تابعة للبحرية الملكية بطول 80 متراً لمنع سفن الصيد التابعة للاتحاد الأوروبي من دخول المياه البريطانية في حال عدم التوصل إلى اتفاق جديد حول حقوق الصيد، وهي إحدى نقاط تعثر المفاوضات التجارية.
وأعلنت وزارة الدفاع البريطانية، في بيان السبت 12 ديسمبر/كانون الأول، أن "السفن في وضع الاستعداد"، موضحة أنها "قامت بتخطيط مكثف واستعدادات لضمان أن الدفاع سيكون جاهزاً لمختلف السيناريوهات عند انتهاء الفترة الانتقالية".
وفي نفس السياق، كان الاتحاد الأوروبي قد أعلن الخميس عن نشر إجراءات طارئة لصيد السمك والنقل البري والجوي ستطبق اعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع المملكة المتحدة بشأن بريكست حتى ذلك الوقت.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين: "ليس هناك ما يضمن أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق يمكن أن يدخل حيز التنفيذ في الوقت المناسب، ومسؤوليتنا هي أن نكون مستعدين لجميع الاحتمالات بما في ذلك عدم وجود اتفاق مع المملكة المتحدة اعتبارا من الأول من كانون الثاني/يناير 2021".
ماذا يعني هذا التطور الخطير؟
يسابق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الزمن للتوصل إلى اتفاق تجاري يتم العمل به بداية من مطلع العام المقبل 2021 عندما يصبح الانفصال بين الجانبين رسمياً، لكن المهلة للتوصل لهذا الاتفاق (اليوم الأحد 13 ديسمبر/كانون الأول) أوشكت على الانتهاء دون مؤشرات على أن الاتفاق سوف يتم، فماذا يعني ذلك؟
مصدر من الحكومة البريطانية قال لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إن المحادثات بين بلاده والاتحاد الأوروبي في بروكسل استمرت خلال ساعات ليل السبت حول الاتفاق التجاري لما بعد بريكست، مضيفاً أن العرض الذي طرحه الاتحاد الأوروبي لا يزال غير مقبول، كما أكد مسؤولون أن المحادثات الأخيرة لم تتخللها أي انفراجة.
وحذر الطرفان من أن النتيجة الأكثر توقعاً حتى الآن هي عدم التوصل إلى اتفاق، بينما كثفت الحكومة البريطانية استعداداتها للخروج من السوق الموحدة نهاية الشهر الجاري.
خروج بريطانيا دون اتفاق تجاري ستكون له تداعيات خطيرة ومباشرة، وما إعلان وزارة الدفاع عن نشر فرقاطات من الملكية البحرية لحماية المياه الإقليمية إلا أحد المؤشرات على تلك التداعيات، لكنه ليس المؤشر الوحيد، حيث يقول خبراء إن معاناة بريطانيا ربما تكون أشد وطأة من معاناتها بفعل وباء كورونا.
حروب صيد السمك مع أيسلندا
نشر بريطانيا سفنها الحربية يعيد إلى الأذهان الذكرى السيئة "لحروب سمك القد" مع أيسلندا حول حقوق الصيد في شمال الأطلسي، والتي استمرت قرابة 20 عاماً قبل التوصل إلى تسوية في نهاية المطاف في السبعينيات، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقد وصف وزير سابق من حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا نشْر الفرقاطات لحماية مياه الصيد البريطانية حال الخروج من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، بالخطوة "المهينة". توبياس إلوود، وهو حالياً رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم، اعتبر الخطوة تهديداً "غير مسؤول".
وقال إلوود لبي بي سي: "لسنا في العصر الإليزابيثي على أي حال، إننا نستقبل عصر ما بعد بريكست، وإذْ ذاك نحتاج إلى التحلي بمستويات أعلى من المسؤولية"، مضيفاً: "الاستعداد للسيناريو الأسوأ، واستغلال الـ48 ساعة المتبقية للتوصل إلى اتفاق حقيقي، هما أمران مختلفان تماماً".
وتتركز قصة الصيد في المياه الإقليمية لبريطانيا من جهة وتلك الخاصة بدول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى حول حقوق مواطني كل طرف في دخول المياه الإقليمية للطرف الآخر، وكانت تلك النقطة سبباً في مواجهات بحرية بين الفرقاطات البريطانية والسفن الحربية الأيسلندية في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي، وبالتالي فإن نشر فرقاطات بريطانية الآن يثير القلق من تكرار تلك المواجهات والتي ربما تتطور إلى ما هو أخطر.
وفي ظل تمسُّك كل طرف بموقفه، تبدو فرصة التوصل لاتفاق تجاري ضئيلة بالفعل، لكن لا يمكن استبعاد التوصل لاتفاق في آخر لحظة، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب اليوم الأحد بقوله إن اتصالاً متوقعاً بين رئيس الوزراء بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لين مساء اليوم قد يؤدي إلى تمديد مهلة التوصل لاتفاق حتى نهاية الفترة الانتقالية (نهاية الشهر الجاري).
انتقادات لبوريس جونسون
يعتبر جونسون مهندس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وهو ما يجعله عرضة لانتقادات حادة، واتهمه رئيس حزب المحافظين السابق اللورد كريس باتن بركوب "قطار الاستثنائية الإنجليزية الجامح".
كما قال وزير العدل في حكومة إقليم اسكتلندا لـ"بي بي سي": "دبلوماسية الفرقاطات التي تنتهجها المملكة المتحدة ليست محل ترحيب في المياه الأسكتلندية. سنحمي مياه صيدنا عند الضرورة. شرطتنا وقوتنا البحرية لها الحق في القيام بذلك، لكننا إذْ نفعل لن نهدد حلفاءنا. في واقع الأمر هم شركاؤنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما لن نهدد بإغراق سفنهم".
لكن القائد السابق للأسطول الملكي، الأدميرال ألان ويست، دافع عن التهديد باستخدام قوة الأسطول لحماية مياه المملكة المتحدة من سفن الصيد الأجنبية إذا طُلب إليها أن تقوم بذلك حال الوصول إلى سيناريو الخروج من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق.
وتؤكد وزارة الدفاع البريطانية استعدادها بخطط "شاملة" لسيناريوهات متعددة مع نهاية الفترة الانتقالية. وشملت الخطط وضع 14,000 فرد على أهبة الاستعداد لدعم الحكومة في فصل الشتاء، وقالت الوزارة إن "أربعة من زوارق الدوريات ستكون جاهزة لمراقبة المياه البريطانية. وأضافت أنها ستطبق إجراءات قوية لحماية حقوق بريطانيا كدولة ذات شواطئ مستقلة".
وأكد متحدث رسمي أن زيادة صلاحيات خفر البحرية البريطانية، بما يمكّن عناصرها من اعتراض طريق المراكب الأجنبية وتوقيف الخارجين على القانون، هي أحد المقترحات الواردة في خطة طوارئ وزارة الدفاع حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.