رغم مرور 5 أعوام على مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني والعثور على جثته في أحد شوارع القاهرة فإن محاولة روما محاكمة بعض قتلته من الأجهزة الأمنية المصرية يفتح الباب أمام الحد من القتل خارج إطار القانون في مصر، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
وفي مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 أصدر الادعاء العام الإيطالي اتهامات بقتل الطالب وقتله بحق 4 أفراد من وكالة الأمن الوطني المصرية.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه بالنسبة لكل من يعملون لكشف الحقيقة المتعلقة بوفاة ريجيني، وسبب محاصرة قوات الأمن للطالب في شبكة مراقبة، كان يوماً مشحوناً بالعواطف.
محامٍ ريجيني: كانت رحلة طويلة!
وقال أحمد عبدالله، رئيس لجنة أمناء المفوضية المصرية للحقوق والحريات، التي يعمل محاموها بمثابة المستشار المصري لعائلة ريجيني: "كانت رحلة طويلة، بدايةً من اليوم الذي اقتحموا فيه منزلي واقتادوني إلى السجن".
واعتُقِل عبدالله على خلفية اتهامات إرهابية في 2016، وأُطلِق سراحه بعدها بعام، ضمن نمط من الأعمال الانتقامية ضد المفوضية المصرية للحقوق والحريات والعاملين بها، التي شملت مداهمة مكاتبها واعتقال آخرين.
وأضاف عبدالله: "نرى الآن بداية تحقيق العدالة". ويُتوقَّع أن تحاكم إيطاليا المسؤولين الأمنيين الأربعة، على الأرجح غيابياً، في العام القادم. واتُّهِم الأربعة بخطف طالب الدكتوراه، فيما يواجه أحدهم، وهو الرائد مجدي إبراهيم عبدالشريف، بإلحاق ضرر جسدي جسيم بريجيني.
وتأتي خطوة توجيه الاتهام إلى الرجال الأربعة وتقديم تفاصيل جرائمهم المزعومة إلى محكمة علنية بعد سنوات من إلقاء المسؤولين المصريين اللوم على آخرين في اختفاء ريجيني وقتله. ومن المُتوقَّع أن تكشف المحاكمة عن ممارسات جهاز الأمن المصري، الذي يُعتبَر على نطاق واسع العمود الفقري لدولة بوليسية وحشية.
ومازال الاختفاء القسري مستمراً
وفي سبتمبر/أيلول من العام الجاري، أفادت اللجنة المصرية للحقوق والحريات، التي تتعقب حالات الاختفاء القسري ضمن عملها في مجال حقوق الإنسان، بأنَّ 2723 شخصاً اختفوا قسرياً على أيدي قوات الأمن المصرية منذ بدأت في تتبع الأرقام في عام 2015. وبحسب منظمة Human Rights Watch، ترتبط حالات الاختفاء بالتعذيب، وهي "البصمة التي تقود إلى الأجهزة الأمنية".
وعلَّق عبدالله: "عقب آلاف الحالات من الاختفاء القسري في مصر، نستطيع أخيراً محاسبة أحدهم".
وفي الأسابيع التي أعقبت مقتل ريجيني، قدَّم المسؤولون المصريون لنظرائهم الإيطاليين مجموعة من التفسيرات تشير إلى أنَّ ريجيني كان جزءاً من عصابة لتهريب الآثار، أو أنه قُتِل بعد حضور حفلة جنسية، أو أنه كان يعمل مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها الدولة المصرية عدواً سياسياً. لكن لا يوجد دليل يدعم أياً من هذه الادعاءات.
وفي مارس/آذار 2016، قتلت قوات الأمن المصرية خمسة رجال في تبادل لإطلاق النار، بدعوى أنهم "عصابة" اختطفت الشاب البالغ من العمر 28 عاماً. وقالت لاحقاً إنَّ هناك "شكوكاً" في مسؤولية الجماعة.
محاولات العرقلة لم تفلح
وفي غضون ذلك، عرقل المسؤولون المصريون جهود إيطاليا للتحقيق في وفاة ريجيني، وحجبوا أدلة أساسية عنها. وعندما قدم المسؤولون المصريون لقطات من كاميرات المراقبة من مترو أنفاق القاهرة في عام 2018 بعد عامين من مطالب المدعين الإيطاليين، كانت اللقطات بها ثغرات غير مُبرَّرة؛ مما يجعلها غير مجدية.
وكرَّرت النيابة العامة في مصر الادعاء بأنَّ عصابة إجرامية كانت مسؤولة عن اختطاف ريجيني عندما أوقفت تحقيقها في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام. وقالت إنَّ هوية قاتل ريجيني ما زالت "غير معروفة". وذكر بيانها أيضاً أنَّ المسؤولين الأمنيين المُتهَمين؛ فهي "بتصرفات فردية منهم"، وهو ادعاء من المُرجَّح أن يخضع للتدقيق في المحاكمة المقبلة بالنظر إلى هيكلية وزارة الداخلية المصرية وسلطتها الواسعة.
"فرصة ذهبية لمحاسبة جهاز الأمن المصري"!
ومن المُرجَّح أن تكون المحاكمة مُحرِجَة للقادة الأوروبيين، بمن فيهم البعض في إيطاليا، الذين أغرقوا الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، ونظامه بمبيعات الأسلحة والزيارات الرسمية. وقدَّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السيسي هذا الأسبوع وسام جوقة الشرف، أرفع وسام للدولة الفرنسية، خلال زيارة الزعيم المصري إلى باريس.
وستوفر المحاكمة أيضاً فرصة فريدة لمحاسبة جهاز الأمن القومي المصري القوي. وقال حسين باعومي، من منظمة العفو الدولية، إنَّ لوائح الاتهام "تبعث برسالة قوية إلى الجميع في جهاز الأمن الوطني وقوات الأمن بأنهم ليسوا محصنين، على الرغم من أنهم تصرفوا لسنوات على افتراض الإفلات التام من العقاب".
ويتفق عبدالله معه، وقال: "هذا انتصار ونافذة أمل لكل من يؤمن بالعدالة. حتى وإن استغرق تحقيقها وقتاً، يظل من الممكن تحقيقها".