أعلنت إثيوبيا، الأربعاء 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إنقاذ نحو 1000 عسكري بينهم لواء كانت قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" تحتجزهم رهائن، رغم أن رئيس الوزراء الحاصل على جائزة نوبل للسلام آبي أحمد أعلن انتهاء المعارك قبل أسبوعين، فماذا يعني ذلك؟
تصريحات آبي أحمد تخالف الواقع
الإعلان عن تحرير هذا العدد الضخم من قوات الجيش الإثيوبي وبينهم قائد عسكري كبير برتبة لواء بعد أكثر من أسبوعين من "انتهاء المعارك وسيطرة الجيش على إقليم تيغراي بالكامل وعاصمته ميكيلي" بحسب نص تصريحات آبي أحمد يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يطرح علامات استفهام كثيرة بشأن حقيقة الوضع على الأرض داخل الإقليم.
تصريحات المدير العام لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، اللواء محمد تيسيما، أفادت بأن قوات الدفاع والشرطة الإثيوبية قامت بعملية مشتركة، تمكنت إثرها من إنقاذ نحو 1000 عسكري، من أيدي قوات الجبهة، كانت احتجزتهم كرهائن منذ اندلاع المواجهات بين الجانبين 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأضاف أن "القوات الإثيوبية تمكنت من تحريرهم دون تسجيل أي أضرار بشرية، وكان من بين العسكريين، اللواء أدامنيه مينغيستي"، موضحاً أن "الجنود تم أسرهم بشكل جماعي بعد دعوتهم لمأدبة عشاء في 4 نوفمبر".
هذا الإعلان في حد ذاته يشير إلى أن الأوضاع داخل إقليم تيغراي وعاصمته ربما ليست تحت السيطرة بالفعل، لكن هذا ليس المؤشر الوحيد.
تعتيم كامل على ما يجري على الأرض
منذ بداية المواجهات المسلحة بين الجيش الإثيوبي وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت حكومة آبي أحمد بإعلان الأحكام العرفية ومنع دخول وسائل الإعلام المستقلة إلى إقليم تيغراي تماماً ولا يزال هذا الوضع مستمراً حتى الآن، وبالتالي لا توجد وسيلة مستقلة لتأكيد أو نفي ما يقوله آبي أحمد أو ما يقوله قادة تيغراي.
فآبي أحمد يقول إن القتال انتهى بينما يقول قادة تيغراي إن القتال مستمر، ويبدو أن مزاعم رئيس الوزراء لا تعكس الواقع على الأرض فعلاً، فقد أعلنت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الأربعاء، أن الوضع في إثيوبيا "مقلق للغاية"، وأكدت على الضرورة الملحة لمراقبة وضع حقوق الإنسان في إقليم تيغراي المضطرب.
وفيما يتعلق بحقيقة انتهاء المعارك، قالت ميشال باشليت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي: "بلغنا أن المعارك ما تزال مستمرة في إقليم تيغراي نفسه"، مضيفة أن "الوضع في إثيوبيا مقلق للغاية ومتقلب، وكما حذرت مسبقاً يخرج عن السيطرة، وله تداعيات مروعة على المدنيين".
وأوضحت قائلة: "لدينا تقارير تفيد بأن القتال لا يزال مستمراً بين القوات الفيدرالية، والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والميليشيات التابعة لها على الجانبين، في المناطق المحيطة ببلدات مثل ميكيلي وشيريرو وأكسوم وأبي عدي، والحدود بين منطقتي أمهرة وتيغراي".
استهداف المدنيين في تيغراي
وعلى الرغم من تعهد حكومة آبي أحمد للأمم المتحدة بالعمل على حماية المدنيين في إقليم تيغراي وتصريحاته الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية للإقليم، إلا أن باشليت قالت أمس الأربعاء إن "وصول المساعدات الإنسانية غير المقيد لم يكن ممكناً"، مناشدةً الحكومة في أديس أبابا الوفاء بتعهد رئيس الوزراء بضمان وصول المساعدات الإنسانية.
"هناك حاجة ماسة إلى مراقبة وضع حقوق الإنسان من جهة مستقلة في منطقة تيغراي، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين والمساءلة عن الانتهاكات. لقد تأكدنا من صحة المعلومات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتجاوزات، بما في ذلك الهجمات العشوائية ضد المدنيين والأهداف المدنية والنهب والاختطاف والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات".
كما أشارت باتشليت إلى وجود تقارير عن التجنيد الإجباري لشباب تيغراي للقتال ضد مجتمعاتهم، إضافة إلى تقارير أخرى عن دخول قوات إريترية إلى الإقليم وتشارك في القتال إلى جانب الجيش الإثيوبي، وهو ما تنفيه أسمرة وأديس أبابا ويصر عليه قادة تيغراي.
هل تشهد إثيوبيا حرب عصابات؟
أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عقد مؤتمراً صحفياً مشتركاً في مقر الأمم المتحدة بنيويورك مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد، عبر دائرة تلفزيونية، عبَّر فيه عن القلق من الأوضاع في الإقليم، وأضاف: "أولويتنا العاجلة هي رفاه شعب تيغراي وضمان تلقي المحتاجين للمساعدات الإنسانية على وجه السرعة، ونحن نعمل على تعبئة القدرات الكاملة للأمم المتحدة من أجل ذلك".
ورداً على أسئلة الصحفيين بشأن تورط جنود إريتريين في القتال إلى جانب القوات الإثيوبية في تيغراي، قال الأمين العام: "نحن لا نمتلك براهين على وجود قوات إريترية داخل إثيوبيا".
وأضاف غوتيريش: "سألت رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد عن هذا وأكد لي أن القوات الإريترية لم تدخل أراضي إقليم تيغراي"، رغم أن تقارير إعلامية نقلاً عن مصدر حكومي أمريكي و5 دبلوماسيين إقليميين قالت، الأربعاء، إن الولايات المتحدة تعتقد أن جنوداً إريتريين "عبروا الحدود إلى داخل إثيوبيا لمساعدة حكومة آبي أحمد".
لكن عدم وجود مصادر مستقلة لتأكيد ما يقوله آبي أحمد تزيد القلق مما يجري فعلاً على الأرض وما يتعرض له سكان تيغراي الذين يبلغ تعدادهم أكثر من خمسة ملايين نسمة، ويرون في آبي أحمد خائناً لهم يريد فرض سيطرته عليهم، وهو ينتمي إلى قومية الأورومو، كما تشير إلى تحول المواجهة إلى حرب عصابات ممتدة وهو ما حذر منه بالفعل كثير من المراقبين والمحللين العسكريين.
وقد أوقع ما يشهده إقليم تيغراي منذ 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ضرراً كبيراً بسمعة آبي أحمد على المسرح الدولي بعد أن كان نجماً سياسياً صاعداً بقوة ورمزاً للسلام في القارة السمراء بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام قبل العام الماضي، فهل يستطيع رئيس الوزراء استعادة زمام الأمور مرة أخرى؟