كيف أسقطت المحكمة العليا ورقة التوت عن مزاعم ترامب؟ الانتخابات ليست مزورة

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/09 الساعة 14:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/13 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب - رويترز

قال ترامب: "لنر إن كان شخص ما لديه الشجاعة، قاض أو قضاة في المحكمة العليا، لنر إن كانت لديهم الشجاعة لأن يفعلوا ما يعرف الجميع في البلاد أنه الصواب".. وجاء الرد من المحكمة العليا برفض دعوى تزوير الانتخابات، فهل سقطت ورقة التوت الأخيرة وانتهى الأمر؟

كم قاضياً أيَّد قرار المحكمة العليا؟

تنبع أهمية قرار المحكمة العليا الذي أصدرته الثلاثاء 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري من عدة مؤشرات، أبرزها على الإطلاق أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، بحسب غالبية المحللين والمراقبين لسلوكه منذ ما قبل الانتخابات التي خسرها، كان قد أعلن بوضوح توقعه أن نتيجة الانتخابات سوف تحسم في المحكمة العليا، وجاءت تصريحاته قبل ساعات من صدور قرار المحكمة لتعيد التذكير بتلك الحقيقة.

القاضية إيمي كوني باريت/ رويترز

لذلك جاء قرار المحكمة الأعلى في البلاد بمثابة الضربة القاضية لآمال ترامب في قلب نتيجة الانتخابات لصالحه، حيث رفضت المحكمة العليا محاولة الجمهوريين وقف إعلان فوز جو بايدن بالانتخابات في ولاية بنسلفانيا، وصدر قرار المحكمة في سطر واحد دون تسجيل اعتراضات من جانب قضاة المحكمة التسعة، وهذا مؤشر واضح على موقف المحكمة من الانتخابات.

وحتى نقف على أهمية هذا القرار بالنسبة لترامب، نذكر مناشدته المباشرة المحكمة العليا قبل ساعات فقط من صدور القرار، حيث قال "دعونا نرى إذا ما كان هناك شخص ما، مشرع أو مشرعان وربما قاض أو قضاة في المحكمة العليا يمتلك الشجاعة الكافية ليفعل ما يعرف الجميع أنه الصواب".

كيف خذلت المحكمة العليا ترامب؟

تتشكل المحكمة العليا الأمريكية من 9 قضاة، ويرأسها حالياً جون روبرتس (قاضٍ يميني عيّنه الرئيس جورج بوش الابن) وخمسة قضاة يمينيين أيضاً أحدثهم إيمي كوني باريت، التي خاض ترامب معركة شرسة لتعيينها خلفاً للقاضية الليبرالية روث بادر غينسبيرغ، التي توفيت أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، وثلاثة قضاة ليبراليين، وهو ما يجعل المحكمة الأعلى في البلاد تميل أكثر للجمهوريين لأول مرة في العصر الحديث.

ترامب عزز هيمنة المحافظين على المحكمة العليا الأمريكية/ رويترز

وكان إسراع ترامب والجمهوريين في عملية تعيين باريت عشية الانتخابات أمراً مثيراً للجدل، حيث جرى العرف أن يظل المقعد خالياً حتى تنتهي الانتخابات، ويتم تنصيب الرئيس الفائز والكونغرس الجديد ثم تتم عملية التعيين، حيث يرشح الرئيس القاضي ثم يصدق الكونغرس على المرشح، وهذا الأمر حدث بالفعل عشية انتخابات 2012، وأعلن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وقتها معارضته ترشيح الرئيس الديمقراطي وقتها باراك أوباما لشغل المقعد الفارغ في المحكمة حتى ما بعد الانتخابات، وهو ما التزم به أوباما.

لكن ماكونيل الذي لا يزال زعيماً للأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ غيّر موقفه تماماً وأسرع في عملية التصديق على باريت التي رشحها ترامب، لكن القرار الذي أصدرته المحكمة، أمس الثلاثاء، وهو الأول الذي تشارك فيه باريت لم يأتِ في صالح ترامب كما كان يمني نفسه.

وقال ستيف فالديك محلل شبكة CNN الرئيسي لشؤون المحكمة العليا إن قرار المحكمة السريع هو مؤشر واضح على أن المحكمة العليا تريد أن تنأى بنفسها عن المساعي القانونية التي يواصلها ترامب حتى الآن لقلب النتيجة لصالحه: "حقيقة أن القضاة أصدروا قرارهم من سطر واحد دون آراء منفردة مؤشر قوي على نية المحكمة أن تبقى بعيدة عن النزاعات الانتخابية، وأنها ستترك الأمور للعملية الانتخابية ومسؤوليها".

والنقطة الأخرى التي لا تصب في صالح ترامب تتعلق بأن يوم 8 ديسمبر/كانون الأول يمثل "الملاذ الآمن" لأي نزاعات قضائية بشأن الانتخابات، بحسب القانون الفيدرالي الأمريكي، وهو ما يعني أن الطريق إلى يوم تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات التي تصله من المجمع الانتخابي أصبح مفتوحاً وخالياً من أي نزاعات قضائية على الأرجح.

انتهاء دعاوى تزوير الانتخابات

هذا القرار من المحكمة العليا يفنّد مزاعم تزوير الانتخابات التي يرددها الرئيس المنتهية ولايته، فهو صادر من أعلى سلطة قضائية في البلاد، لكنه لا يعني أن ترامب سوف يعلن الاستسلام، فقد أصبح واضحاً أنه وزعماء الحزب الجمهوري مصممون على الاستمرار في مسار رفض الهزيمة، وترديد دعواى التزوير حتى اللحظة الأخيرة.

وفي هذا السياق، رفع المدعي العام في ولاية تكساس دعوى قضائية أمام المحكمة العليا يطالب فيها بإعادة الانتخابات في ولايات هي جورجيا وميشيغن وبنسلفانيا وويسكونسن، بحسب شبكة Fox News، زاعماً في دعواه أن تغيير تلك الولايات الأربع لقوانينها الانتخابية كان له تأثير مباشر على العملية الانتخابية في ولايته تكساس.

بايدن الانتخابات الأمريكية
الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن/ رويترز

والتغيير الذي يشير إليه المدعي العام في تكساس كين باكستون يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها الولايات بسبب تفشي وباء كورونا في البلاد، للتوسع في التصويت عبر البريد بصورة غير مسبوقة، وهو نفس الادعاء الذي يكرره ترامب منذ ما قبل يوم الانتخابات (3 نوفمبر/تشرين الثاني)، وبحسب كثير من خبراء القانون والدستور في البلاد، على الأرجح سيكون مصير الدعوى التي رفعها باكستون غير مختلف عن مصير الدعاوى الأخرى التي رفعها فريق ترامب القانوني حتى الآن.

ويمكن تلخيص ادعاءات التزوير التي يرددها ترامب ويسانده فيها كثير من الجمهوريين في التوسع غير المسبوق في التصويت المبكر وعبر البريد، لكن فشل الرئيس المنتهية ولايته وفريقه القانوني في تقديم أدلة ذات قيمة على أن عملية الانتخابات بشكلها الذي فرضته جائحة كورونا قد شهدت عمليات تزوير تؤثر على النتيجة أو تغير من إرادة الناخبين.

وربما يكون ترامب مدركاً لتلك الحقيقة، لكنه كان يعول على المحكمة العليا بتشكيلتها اليمينية كي تصدر قراراً في صالحه رغم كل شيء، قياساً على المرة الوحيدة التي وصلت فيها النزاعات الانتخابية للمحكمة العليا، وذلك عام 2000، في الانتخابات الشهيرة التي فاز فيها الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب على منافسه الديمقراطي ألبرت جور بقرار من المحكمة العليا.

لكن الانتخابات هذه المرة ونتيجتها المعلنة مختلفة بشكل تام عن انتخابات بوش-جور، ففي عام 2000 لم تشهد سوى ولاية واحدة، وهي فلوريدا، نزاعاً قضائياً، بينما كانت الولايات الأخرى بلا منازعات، أما هذه المرة فترامب يطعن بالتزوير في جميع الولايات تقريباً التي فاز بها بايدن، وخصوصاً الولايات المتأرجحة (ميشيغن وجورجيا وبنسلفانيا وتكساس وويسكونسن)، كما أن بايدن فاز بـ306 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 232 فقط لترامب، بينما كان الفارق بين جور وبوش محصوراً بمقاعد فلوريدا فقط.

وبالتالي فإن قرار المحكمة العليا السريع والحاسم فيما يخص اعتماد فوز بايدن في بنسلفانيا يمثل سقوطاً لورقة التوت الأخيرة التي كان يعول عليها ترامب أمام أنصاره، ويمكن القول إن حرب الانتخابات التي أشعلها ترامب قد انتهت بالفعل بهزيمته وفوز بايدن، بحسب المحللين وخبراء القانون.

تحميل المزيد