الاتفاق النووي الإيراني وعودة الولايات المتحدة إليه مرة أخرى مع تنصيب جو بايدن هو الملف الأبرز على الساحة السياسية هذه الأيام، وحذرت السعودية من أنه لا بد من أن تتم استشارتها قبل إقدام واشنطن على إحياء الاتفاق، فماذا يعني ذلك؟
ماذا قالت السعودية عن الاتفاق النووي؟
وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان قال السبت، 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري: "ما نتوقعه بشكل أساسي هو استشارتنا بشكل كامل واستشارة حلفائنا فيما يخص سير المفاوضات مع إيران. الطريقة الوحيدة للتوصل إلى اتفاق مستدام لن تتم إلا عبر مثل هذا التشاور.
حديث الوزير السعودي خلال مؤتمر للأمن في المنامة يعتبر أول تعليق سعودي مباشر على تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، بشأن نيته العودة للاتفاق النووي الإيراني المعروف بخطة العمل الشاملة، والذي تم توقيعه عام 2015، وانسحب منه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب عام 2018.
وحتى يمكن وضع تصريحات الأمير فرحان في سياقها، فمن المهم رصد التصعيد الذي يشهده ملف البرنامج النووي الإيراني في هذه الفترة، خصوصاً بعد اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة في أحد ضواحي طهران، الجمعة 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في عملية يبدو أن الموساد الإسرائيلي يقف وراءها دون اعتراف رسمي من تل أبيب.
فقد هدَّدت إيران أنها ستردُّ على اغتيال فخري زادة، لكن تقارير إعلامية أشارت إلى أن إدارة بايدن تواصلت سراً مع مسؤولين إيرانيين بالفعل، وطالبتهم بضبط النفس وعدم الرد على عملية الاغتيال انتظاراً لتنصيب بايدن، في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، حتى تفوت الفرصة على ترامب المتحفز لتصعيد المواجهة العسكرية مع طهران قبل مغادرته البيت الأبيض.
هل التصريحات السعودية تعني مزيداً من العراقيل؟
طهران وجَّهت بشكل مبطن اتهامات للسعودية بالضلوع في عملية اغتيال فخري زادة، اعتماداً على تقارير لقاء سري تم بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي عهد السعودية محمد بن سلمان في مدينة نيوم السعودية قبل عملية الاغتيال، لكن الرياض نفت بشكل قاطع تلك الاتهامات، ونفت أيضاً لقاء بن سلمان ونتنياهو.
وبالعودة لتصريحات وزير الخارجية نجد أن الرسالة كانت للمرة الأولى مفصلة ومباشرة، حيث قال: "أعتقد أننا شاهدنا نتائج وتبعات خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)، التي لم تشترك فيها الدول الإقليمية، والتي نتج عنها تنامي عدم الثقة وتجاهل القضايا المسببة للقلق والتأثير الفعلي على الأمن الإقليمي"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ورداً على سؤال بشأن إذا ما كانت إدارة بايدن تواصلت بالفعل مع الرياض بخصوص شكل الاتفاق النووي الإيراني المفترض إحياؤه، قال فرحان إنه لم تحدث اتصالات بعد في هذا الشأن، مستدركاً: "إننا مستعدون للعمل مع إدارة بايدن بعد أن يتم تنصيبه. إننا واثقون من أن إدارة بايدن المقبلة، وكذلك شركاؤنا الآخرون بمن فيهم الأوروبيون قد اقتنعوا تماماً بضرورة مشاركة القوى الإقليمية في القرار".
ويبدو أن وزير الخارجية السعودي كان يبني على تصريحات نظيره الألماني هايكو ماس قبل أيام بشأن ضرورة العمل على "اتفاق نووي مع إضافة"، وهي نفس العبارة التي رددها الأمير فرحان، وأضاف عليها مزيداً من "الإضافات"، والمقصود أن الاتفاق الحالي أو خطة العمل المشتركة التي وقعها باراك أوباما (وكان بايدن نائباً له) ليست مقبولة من جانب الرياض.
هل أصبحت العودة للاتفاق النووي مستحيلة؟
بعد انسحاب ترامب بشكل منفرد من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، وبدء طهران التخلي عن التزاماتها بموجب الاتفاق طبقاً لبنوده، كان الشركاء الآخرون في الاتفاق وهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومعهم روسيا والصين يحاولون الحفاظ على الاتفاق، وبذلك لا يزال الاتفاق النووي قائماً من الناحية القانونية.
وبعد الانتخابات الأمريكية التي أُجريت 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وخسارة ترامب، بات واضحاً أن بايدن سيعمل على إعادة بلاده إلى الاتفاق مرة أخرى، رغم صعوبة المهمة في ظل التطورات التي شهدها العامين الماضيين، لكن تطورات الأيام الأخيرة ربما تكون جعلت من تلك المهمة شبه مستحيلة بالفعل.
فالرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف -من توصلا للاتفاق في المقام الأول- يواجهان انتقادات حادة من جانب المتشددين في طهران، ومع اغتيال فخري زادة واتخاذ مجلس تشخيص مصلحة النظام قرارات طرد مفتشي وكالة الطاقة الذرية ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%، أصبح موقف روحاني أكثر ضعفاً.
وبالتالي فإن أي محاولات لجعل إيران تقبل إعادة التفاوض وإضافة بنود جديدة للاتفاق تشمل التخلص من برنامج الصواريخ الباليستية، أو جعل مدة الاتفاق أطول مما كان متفقاً عليه (10 سنوات)، كما تريد السعودية على لسان وزير خارجيتها، سيكون من شبه المستحيل أن توافق عليها حكومة الرئيس روحاني.
بايدن أيضاً سيواجه ضغوطاً هائلة من جانب اللوبي الإسرائيلي داخل واشنطن، ولن يكون بمقدوره، بحسب مراقبين، الموافقة على شروط إيران، وهي رفع العقوبات التي فرضها ترامب بشكل مباشر، وكذلك دفع تعويضات مليارية لإيران عما سببته تلك العقوبات من أضرار، وبالتالي ربما يكون الاتفاق النووي الإيراني أصبح بالفعل في حكم الميت إكلينيكيا، وربما تكون هذه النقطة هي العامل الذي شجع السعودية على أن تضع شروطها أخيراً على الطاولة.