أطلق رجل الدين الشيعي العراقي زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ما يشبه حملةً انتخابيةً مبكِّرة استعداداً للانتخابات البرلمانية المُقرَّر إجراؤها في 6 يونيو/حزيران. وكان الصدر قد قال سابقاً إنه لن يشارك في الانتخابات هذه المرة، لكنه غيَّر رأيه وأعلن لن يشارك في الانتخابات فحسب، بل يخطِّط أيضاً للفوز بالأغلبية اللازمة لشغل منصب رئيس الوزراء، كما يقول موقع Al-Monitor الأمريكي.
مقتدى الصدر يحشد كل قوته
وأمَرَ الصدر أتباعه بالتجمُّع الجمعة 4 ديسمبر/كانون الأول في مظاهرةٍ حاشدة تقيم صلاة الجمعة في إعلانٍ للوحدة ضد الخصوم. واعتُبِرَ ذلك بمثابة حشدٍ لمشاركةٍ واسعة النطاق في الانتخابات البرلمانية المبكِّرة.
وفي السياق نفسه، لبَّى الآلاف من أنصار الصدر دعوته للتظاهر في ساحة التحرير في وسط بغداد، يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني، مطالبين بـ"القضاء على الفساد".
ولم يحضر الصدر الاحتجاجات لمخاطبة أنصاره، الذين كان بعضهم يرتدي زياً عسكرياً. وفي المقابل، أرسل ممثِّلاً عنه، وهو الشيخ خضير الأنصاري، الذي حاوَلَ محاكاة أسلوب الخطابة الديني والسياسي للصدر ووالده، محمد صادق الصدر.
وتتمثَّل دعاية الصدر بين أنصاره في أنه "لا يسعى إلى أن يكون في السلطة"، ولكنه "يريد هزيمة أولئك الذين يريدون الإضرار بالعراق".
وحاوَلَ المرجع الشيعي البارز طمأنة الناس والقوى السياسية بأن تحرُّكه للفوز بالانتخابات لن يكون عن طريق "العنف أو القتل أو إشعال الحرائق، أو قطع الطرق، أو القصف، أو الاحتلال، أو أيِّ شكلٍ من أشكال الظلم".
التلويح بالعنف
ومع ذلك، قدَّمَ أنصار الصدر عرضاً يتسم بالعنف بمدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار، مِمَّا أثار تكهُّناتٍ بأن الصدر قد يلجأ إلى العنف لانتزاع الفوز في الانتخابات المبكِّرة وضمان منصب رئيس الوزراء.
وفي مساء يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني، اشتبك أنصار الصدر مع المتظاهرين المعتصمين في ساحة الحبوبي بالناصرية، ما أسفَرَ عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة أكثر من 70.
وقال متظاهرون في ذي قار إن أنصار الصدر أرادوا السيطرة على الساحة وتفريق الاعتصام، ما أدَّى إلى اشتباكاتٍ بين الجانبين.
وبعد ساعاتٍ قليلة من الاشتباك، أضرَمَ أنصار الصدر النار في خيام المعتصمين، التي نُصِبَت منذ أكتوبر/تشرين الأول، في ساحة الحبوبي. وكان هؤلاء المعتصمون يطالبون بإصلاحاتٍ حقيقية ومحاسبة من قتلوا أصدقاءهم. لم يكتفِ هؤلاء باستقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ولا بوعود مصطفى الكاظمي بإجراء انتخاباتٍ مبكِّرة، الأمر الذي لم يقنعهم بإيقاف مظاهراتهم كما حصل في بغداد.
ونَصَبَ المتظاهرون في ذي قار خياماً جديدة، وعادوا إلى الساحة، ويواصلون الاحتجاجات. وصحيحٌ أن رجل الدين العراقي حثَّ أنصاره على الانضمام إلى مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكنه انقلب على هذه المظاهرات بعد أشهر، ما دَفَعَ المتظاهرين إلى ترديد هتافاتٍ مُناهِضةٍ له في الشوارع. وبحسب مراقبين، يريد مقتدى الصدر إنهاء هذه الاحتجاجات.
الصدر حصل على ما أراده حتى الآن
وقال مصدرٌ في الحزب الشيوعي العراقي لموقع Al-Monitor الأمريكي، إن "الصدر حصل على ما أراده من المظاهرات، وهو قانونٌ انتخابيٌّ جديد أقرَّه مجلس النواب". وأضاف: "لم يعد الناس في الشوارع يتجنَّبون الصدر في شعاراتهم وهتافاتهم".
ولا يبدو أن مقتدى الصدر يراهن على أصوات المحتجين العراقيين في الانتخابات المقبلة، خاصةً وأن قانون الانتخاب الجديد يقسِّم العراق إلى دوائر انتخابية صغيرة، الأمر الذي يخدم مصالح التيار الصدري القادر على توزيع أصوات أنصاره على مُرشَّحيه. وفي المقابل، ينقسم المحتجون إلى جماعاتٍ صغيرة مختلفة.
ويكثِّف أعضاء البرلمان الصدريون ظهورهم التلفزيوني في البرامج السياسية، في محاولةٍ للترويج للتصويت في الانتخابات، وهم يدعون المتظاهرين إلى إنهاء احتجاجاتهم واللجوء بدلاً من ذلك إلى الانتخابات لإحداث التغيير السياسي الذي يطالبون به.
وقال حارث حسن، الزميل غير المقيم بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن "التيار الصدري يعتقد أن قانون الانتخابات الجديد سيسمح له بزيادة مقاعده في البرلمان لأن المقاعد في القانون الجديد تُوزَّع على نطاقٍ واسع في مُختَلَف الدوائر العراقية، ويعتقد الصدريون أنهم يستطيعون كسب المزيد من المقاعد من خلال توجيه ناخبيهم للتصويت لمُرشَّحٍ معين في كلِّ دائرة".
أكبر كتلة برلمانية في البرلمان العراقي
وخلال الانتخابات البرلمانية العراقية الثلاثة التي أُجرِيَت بين عاميّ 2005 و2014، احتَفَظَ التيار الصدري بحوالي 11% من المقاعد. لكن في تصويت عام 2018، فاز بنحو 15.8% من المقاعد البرلمانية، ما جَعَلَه أكبر كتلة تضم 52 نائباً.
وقال أمين زوير، النائب عن تحالف "سائرون" بزعامة الصدر: "أنصار الصدر أيديولوجيون، ويمكننا توجيههم". وأضاف في حديثه لموقع Al-Monitor: "عندما نطلب من ناخبينا التصويت لمُرشَّحٍ ما، فإنهم يفعلون ذلك".
لكن يبدو من غير المُحتَمَل أن يكون للتيار الصدري اليد العليا في تشكيل الحكومة، إذ أن اللعبة السياسية العراقية لا تضمن أغلبيةً برلمانيةً لأيِّ حزبٍ دون الحاجة إلى تشكيل تحالفاتٍ مع قوى سياسية أخرى. ولن تشعر الأحزاب السياسية بالراحة عند تسليم أهم منصبٍ في الحكومة العراقية إلى الصدر.
وفي الواقع، لا يمكن التكهُّن بنتائج الانتخابات حتى الآن، لكن يبدو أن التيار الصدري يستخدم أوراقه في محاولةٍ لانتزاع الفوز، وقد أطلَقَ بالفعل حملته الانتخابية من خلال تعبئة الناس في مظاهراتٍ كبيرة في الشارع. والأهم من ذلك هو أنه لا يمكن لأحدٍ أن يتوقَّع الخطوة التالية للصدر.