تتواصل هجمات الحوثيين على محافظة مأرب شرقي اليمن، وهي أهم معاقل الحكومة الشرعية، بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي.
ومنذ أسابيع تصاعدت حدة الهجمات في مأرب، في ظل معارك شرسة للحوثيين ضد الجيش، بمساندة مسلحين قبليين، ما أسقط مئات القتلى والجرحى من الطرفين.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قالت وسائل إعلام موالية للحوثيين إن مسلحي الجماعة سيطروا على قاعدة "ماس" العسكرية، أكبر قواعد الجيش شمال غربي مأرب، وهو ما قوبل بنفي من وسائل أخرى مؤيدة للحكومة.
هذا الضغط العسكري المستمر هو امتداد لحملة كبيرة أطلقها الحوثيون، مطلع العام الجاري، للسيطرة على مأرب، التي تضم مقر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة.
وعزز من طموح الحوثيين في التقدم ناحية مأرب، سيطرتهم على "الحزم"، عاصمة محافظة الجوف (شمال)، مطلع مارس/آذار الماضي.
كما سيطروا على أجزاء واسعة من مديرية "نهم" شرقي صنعاء، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، وهي توصف بأنها البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء (شمال)، الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ سبتمبر/أيلول 2014.
ودفعت هذه المكاسب رئيس هيئة استخبارات الحوثيين، عبدالله الحاكم، في يوليو/تموز الماضي، إلى توعد الحكومة بانتزاع مأرب من يدها.
وقال "الحاكم"، وهو أحد أبرز قادة الحوثيين، إن قواته "على مشارف مدينة مأرب، وسيتم دخولها قريباً".
ورغم المكاسب الميدانية المتوالية في "الجوف" و"نهم"، فإن الضغط العسكري غير المسبوق على مأرب أخفق حتى الآن في إحراز تقدم ملموس يعزز حظوظ الحوثيين في السيطرة على المحافظة الاستراتيجية.
إصرار مثير للتساؤلات
رغم خسائرهم البشرية الكبيرة، يصر الحوثيون على مواصلة هجومهم العسكري على مأرب، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة حول أهميتها للجماعة.
كما تعكس استماتة الجيش، مسنوداً بمسلحي القبائل، و"النشاط الفاعل" لطيران التحالف العربي في المعركة، قيمة استثنائية لمأرب في ميزان الحرب الدائرة في اليمن للعام السادس.
قبيل انطلاق عمليات التحالف العربي، بقيادة السعودية، في اليمن لدعم القوات الموالية للحكومة، عام 2015، استطاع الحوثيون، بمساعدة من قوات الرئيس الراحل علي صالح (حليف سابق للجماعة)، السيطرة على كافة المحافظات الشمالية.
لكن السلطات المحلية الموالية للحكومة في مأرب تمكنت، مسنودة بقبائل المحافظة، من تشكيل قوة دفاعية، حالت دون سقوط المدينة في أيدي الحوثيين، المدعومين من إيران.
هذه الوضعية ساهمت في تأهيل مأرب لتصبح مركزاً للعمليات العسكرية الحكومية، المدعومة من التحالف، ضد الحوثيين في وقت لاحق.
ويرى يعقوب العتواني، كاتب سياسي، أن "المكاسب التي حققها الحوثيون خلال الشهور الماضية في الجوف ونهم تشكل حافزاً رئيسياً لهم كي يواصلوا هجومهم العسكري على مأرب".
وأضاف العتواني للأناضول أن "هذه المكاسب مهددة، طالما بقيت مأرب خاضعة لنفوذ الحكومة الشرعية (..) هناك تحول متزايد لصالح الجيش في الجوف مؤخرا تقف خلفه مأرب".
واعتبر أن "سقوط مأرب في يد الحوثيين يغلق الشمال كله في وجه الحكومة والتحالف".
وإضافة إلى المكاسب الميدانية، تمثل منابع النفط في مأرب دافعاً مهماً لجماعة الحوثي في استمرار هجومها على المحافظة.
فالجماعة، وفق خبراء، تتطلع إلى وضع يدها على أحد أهم مصادر الدخل الوطني في البلاد.
ويراهن الحوثيون على الثروة النفطية في مأرب لتمويل أقوى لحربهم على حدود السعودية، وكذا محاولة استعادة زخم التمدد باتجاه المحافظات الجنوبية.
النفوذ السعودي
بات من الملاحظ لدى قطاع كبير من اليمنيين "الأداء النشط والفاعل" لطيران التحالف العربي عندما تكون مأرب تحت التهديد.
ويتضح ذلك في ازدياد عدد الطلعات الجوية لمقاتلات التحالف، واستهدافها مواقع وتجمعات الحوثيين في مختلف جبهات القتال بمأرب.
ونقلت وسائل إعلام يمنية عن مصادر عسكرية، الإثنين، أن السعودية دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى مأرب، تضم دبابات وراجمات صواريخ ومدافع ذاتية الحركة.
وأرجع مصدر عسكري يمني، في حديث للأناضول، اهتمام السعودية بمأرب إلى "إدراك المملكة أن خسارة معركة مأرب ربما تكون مؤشراً على خسارة الحرب بشكل كامل لصالح الحوثيين".
وأوضح المصدر، طلب عدم نشر اسمه، أن "مأرب تعد المركز الرئيسي للنفوذ السعودي في اليمن، بعد هيمنة الإمارات، بواسطة أدواتها، على عدن والساحل الغربي للبلاد".
عاصمة فعلية
تلعب مأرب دور العاصمة الفعلية للحكومة الشرعية، بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، على عاصمة البلاد المؤقتة في عدن (جنوب)، مطلع أغسطس/آب 2019.
وإضافة إلى وجود مقر وزارة الدفاع، تحتضن مأرب معظم مسؤولي الدولة المتواجدين داخل البلاد.
وتتكفل المحافظة، الغنية بالنفط والغاز، بجزء كبير من نفقات الحكومة والجيش، ما يمنحها ثقلاً سياسياً ومعنوياً في معادلة الحرب بالنسبة للحكومة الشرعية.
وقال رئيس الوزراء اليمني، معين عبدالملك، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "مأرب كانت وستظل عصية على ميليشيا الحوثي، التي فشلت في إخضاعها منذ انقلابها أواخر 2014".
وأشاد عبدالملك، خلال اتصال هاتفي مع محافظ مأرب سلطان العرادة، بـ"التماسك والثبات والمعنويات العالية للشعب والجيش والمقاومة ورجال القبائل في هذه المعركة الوجودية التي يخوضها ضد المشروع الإيراني"، وفق موقع "سبتمبر نت"، الناطق باسم الجيش.
وتبذل الأمم المتحدة، منذ سنوات، جهوداً للتوصل إلى حل سلمي للنزاع، الذي تسبب في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.
وخلفت الحرب المتواصلة 233 ألف قتيل، وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، وفق المنظمة الدولية.