كان أحد أوّل القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد توليه منصبه في عام 2017، هو إصدار الأمر التنفيذي الذي بات يُعرف لمنتقديه باسم قرار "حظر المسلمين"، وهو الأمر الذي يقضي بمنع سفر الأشخاص من دول معينة، معظمها ذات أغلبية مسلمة، من السفر إلى الولايات المتحدة. غير أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن قد تعهد بأن أحد إجراءاته الأولى بعد توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2021 سيكون إلغاء هذا الحظر.. فهل يكون هذا الأمر سهلاً؟
ما هو قرار "حظر دخول المسلمين"؟
كان ترامب قد بذل التعهدات خلال حملته الرئاسية في 2016 بمراقبة المسلمين الأمريكيين وإبعاد المسلمين الآخرين عن الولايات المتحدة، وقد فرض قرار حظر السفر بعد أسبوع من توليه منصبه، ليقضي قراره بمنع دخول الرعايا الأجانب من سبع دول ذات أغلبية مسلمة -هي إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن- وعلّق وصول اللاجئين من جميع الدول.
ومع ذلك، فإن هذا الحظر قد أصبح الآن في نسخته الثالثة بعد عديدٍ من الطعون القضائية عليه، ليحظر دخول معظم الأشخاص من إيران وليبيا وكوريا الشمالية والصومال وسوريا واليمن، بالإضافة إلى المهاجرين من إريتريا وقيرغيزستان وميانمار ونيجيريا، وحالات معينة من تنزانيا وفنزويلا.
وفي نهاية المطاف، بررت إدارة ترامب قرارَ الحظر بالقول إنه "يجري تطبيقه على البلدان التي لا تشارك قدر المعلومات الاستخباراتية الذي تحتاجه الولايات المتحدة لفحص مواطني تلك الدول القادمين إليها على النحو المناسب". غير أن خبراء من الأمن القومي أشاروا إلى أن الإدارة لم تقدم سوى القليل من الأدلة على أن "ثمة تهديدات إرهابية مصدرها مواطنون جاؤوا من أي من تلك الدول المحظورة وحصلوا على تأشيرات"، حسب قول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
بايدن يقرر التخلص من قرار "حظر المسلمين" بأسرع وقت ممكن
من جانبه، فإن بايدن الذي يعتقد مثل آخرين في الحزب الديمقراطي، أن الحظر لا يخدم سوى أجندة عنصرية وليس معنياً بحفظ الأمن القومي، قال إن حظراً من هذا النوع يشكل "خطأ أخلاقياً"، ومن ثم تخطط إدارته للتخلص منه خلال أول 100 يوم له في المنصب، ما يعني أن موقف الحكومة الأمريكية من القرار يمكن أن يتغير بحلول الربيع.
يقول موقع حملة بايدن على شبكة الإنترنت: "إن تحيّز إدارة ترامب ضد المسلمين يضر باقتصادنا، ويخون قيمنا، علاوة على أنه قد يمثل أداة قوية لتجنيد الإرهابيين. إن منع المسلمين من دخول البلاد هو خطأ أخلاقي، لا سيما أنه ليس ثمة معلومات استخباراتية أو أدلة ملموسة تشير إلى أنه يجعل أُمتنا أكثر أماناً. إنه ليس إلا إساءة استخدام أخرى للسلطة من قبل إدارة ترامب، تهدف في المقام الأول إلى استهداف المهاجرين الملونين [من أصول أمريكية جنوبية] والسود. لذلك وغيره، فإن بايدن سيلغي (الحظر على الدول ذات الأغلبية المسلمة) فور توليه منصبه".
من جهة أخرى، لا يزال الإدارج الحالي للحظر يؤثر في المقام الأول على المسلمين، وتذهب تقديرات محاميي الهجرة والمدافعين عن حقوق الإنسان إلى أن عشرات الآلاف من الأشخاص قد رُفضت طلباتهم للحصول على التأشيرة رفضاً تاماً أو ظلت تراوح في مكانها المحبوس بين الإجراءات البيروقراطية فيما يُعرف باسم "المعالجة الإدارية".
ومع ذلك، قال دعاة حماية الهجرة وحلفاء بايدن في مقابلات معهم، إنهم واثقون بأن بايدن سيلغي الحظر في أول يوم له في منصبه.
ومن هؤلاء السيناتور ريتشارد جيه دوربين (سيناتور ديمقراطي عن ولاية إلينوي)، الذي تحدث بناء على معلومات من حملة بايدن والفريق الانتقالي حول أولويات موضوع الهجرة عند الرئيس المنتخب، فقال: "أعتقد أن حظر سفر القادمين من الدول المسلمة سيكون من أول الأشياء [التي سيتعامل معها/يلغيها بايدن]. نفسياً، تشكل هذه خطوة مهمة".
شبكة من العقبات البيروقراطية ستواجه بايدن وسيستغرق الأمر وقتاً أطول
وقد قال الخبراء إنه بالنظر إلى أن الحظر قد تم إقراره من خلال أمر تنفيذي، فإن بايدن بإمكانه التراجع عنه بنفس الطريقة. ويمكن توجيه الإرشادات الخاصة بالقرار الجديد إلى المسؤولين القنصليين ومسؤولي الجمارك وحماية الحدود الأمريكيين في غضون أيام.
لكن، مع ذلك، فإن الأرجح أن يستغرق التحول عن السياسات المتضمنة في هذا القرار وقتاً أطول بكثير، والوصول إلى إصدار تأشيرات سفر فعلية للأشخاص الذين يأملون في القدوم إلى الولايات المتحدة.
يذهب إلى ذلك قدير عباس، وهو أحد المحامين العاملين بمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، الذي اضطلع بمتابعة دعاوى قضائية للطعن على الحظر، مشيراً إلى أن الحصول على الدعم اللوجستي وإعادة تفعيل إجراءات القرار من خلال تفكيك شبكة العقبات البيروقراطية التي أقامتها إدارة ترامب سيستغرق وقتاً.
وقال إن إجراءات التعامل مع التأشيرات الواردة عبر وزارة الخارجية والتصرف حيال الالتماسات من جانب دائرة خدمات الهجرة والجنسية الأمريكية "جرى التلاعب بها على نحو فعال". وأوضح عباس، قائلاً: "لقد تم تغيير طابعها بطرقٍ تجعلها أعصى من أن تحل على الفور بمجرد إلغاء الأمر التنفيذي" لترامب.
على الجانب الآخر، يقول مؤيدو الحظر إن إلغاءه سيعرّض الولايات المتحدة لتهديدات جديدة فيما يتعلق بأمنها القومي، وسيزيد على نحو كبير من عبء التدقيق الواقع على مسؤولي الاستخبارات، ما قد يؤدي إلى مفاقمة التأخير في عمليات التصرف والتعامل مع الطلبات.
وفي هذا السياق، يقول أحد مسؤولي وزارة الأمن الداخلي الذي يعتقدون أن الأمر التنفيذي لإدارة ترامب يخدم غرضاً مهماً، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنهم غير مصرح لهم بالتعليق علناً، إن "تغيير التوجيهات الخاصة بالأمر التنفيذي لن يستغرق إقرارها سوى أيام قليلة. لكن بالنظر إلى الافتقار الواقع في الوصول إلى قواعد بيانات الحالة الجنائية والإرهابية الخاصة بالمواطنين الأجانب والتي من المفترض أن يقصد الأمر التنفيذي بإجراءاته إلى تلافيها، فإن المرجح أن يتضاعف عبء العمل الواقع على أولئك الذين يُجرون الفحص الفعلي قبل إصدار التأشيرات بدرجة كبيرة، لأن أعداد المتقدمين للحصول على تأشيرات ستتزايد فجأة بدرجة أكبر من المتوقع، ومن ثم سيتطلب الأمر مزيداً من عمليات التدقيق".
عشرات الآلاف من المسلمين رُفضت طلباتهم
ويشير قدير عباس ومحامون آخرون، مثّلوا مدعين حال قرار الحظر بينهم وبين أحباء أو وظائف أو دورات جامعية أو علاج طبي، إلى أن عشرات الآلاف من الأشخاص إما رُفضت طلباتهم رفضاً تاماً لأسباب تتعلق بتلك السياسة، أو ينتظرون نتائج فحص أوراقهم أو نتائج التقدم لبرنامج الإعفاء من التأشيرة. كما يقول عباس ومحامون آخرون إن عدداً آخر لا يحصى من راغبي الحصول على تأشيرات لم يتقدموا من الأصل، وكان مانعهم قرار الحظر.
ومع ذلك، يقول عباس: "على الرغم من معرفتنا بأن كثيراً من التأشيرات قد رُفضت بناءً على قرار حظر المسلمين، وأن كثيراً من قرارات الإعفاء قد رُفضت أو مُنحت، أعتقد أني لا أستطيع تحديد العدد الإجمالي للأشخاص الذين تأثروا بقرار الحظر".
ويقول خبراء بدائرة الهجرة إنه سيتعين معالجة طلبات التأشيرات المتراكمة في غياهب النسيان الإداري والتعامل معها إما بالرفض أو الموافقة.
على المنوال ذاته، تقول سيرين شبايا، المديرة التنفيذية لمشروع الهجرة الوطني التابع لجمعية المحامين الأمريكية، إن "هناك عدداً كبيراً من الأشخاص الذين كانوا قد تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرات الزيارة وتأشيرات الطلاب ومجموعة متنوعة من التأشيرات المؤقتة الأخرى، والأرجح أن يبدأ هؤلاء في إعادة الخطوات من الصفر مرة أخرى، لذا أعتقد أن الأشخاص الذين ربما تقدموا بخلاف ذلك للحصول على تأشيرة زيارة متعددة الدخول هم على الأرجح ما زالوا في الخطوة الأولى".
ثم هناك الآخرون الذين رُفضوا بسبب الحظر وقد يرغبون في المحاولة مرة أخرى، أو الذين قد تقرر إدارة بايدن حقهم في عملية تمديد تلقائية لقرارات الإعفاء.
كما أشارت شبايا إلى أن كثيراً من حالات رفض التأشيرات في ظل إدارة ترامب كانت قد استندت صراحةً إلى سياسة ترامب على أنها سبب الرفض، مضيفةً: "لذلك بالنسبة إلى كثير من الأشخاص الذين رُفض منحهم التأشيرة تماماً، أعتقد أن هناك سؤالاً سيبرز حول الكيفية التي ستتعامل بها إدارة بايدن مع هؤلاء".
ترامب لم يكن أول مَن فعل ذلك
بيد أن المدافعين عن المهاجرين واللاجئين قد شددوا على أن ترامب لم يكن هو أول من أقر بروتوكولات التدقيق المطولة -أو تطبيق الفحص المكثف على أولئك القادمين من الدول ذات الأغلبية المسلمة، بمعنى أن الفحص الصارم كان يجري سابقاً حتى بدون قرار الحظر الذي أصدره ترامب، ومن ثم كان التعامل مع طلبات المهاجرين، على سبيل المثال، يستغرق سنوات في بعض الأحيان.
لذلك ختم عباس كلامه بالقول: "حتى إذا أُلغيت كل الأضرار التي لحقت بنظام الهجرة والتأشيرات والتي أحدثتها إدارة ترامب بابتكاراتها غير المسبوقة على مدار أربع سنوات، فإن ما سيتبقى لدينا هو نظام الهجرة الذي يعود إلى ما قبل ترامب والذي لا يزال ينطوي أيضاً على تمييز منهجي ضد المسلمين. فقد كان الحال دائماً أنه إذا كنت قادماً من دولة ذات أغلبية مسلمة، فإن التعامل مع طلب الهجرة الخاص بك سيشهد تعاملاً مختلفاً عن غيره من الطلبات".