هل يؤدي استخدام باكستان للطائرات المسيّرة التركية في كشمير إلى مشكلة للهند رغم قدراتها العسكرية الضخمة؟
بات هذا التساؤل يلح على المهتمين بالتنافس الهندي الباكستاني على الإقليم المتنازع عليه بعدما شاهد العالم الطائرات المسلحة بدون طيار الأذربيجانية وهي تقضي بلا رحمة على أنظمة الدفاع الجوي الأرمينية وقطع المدفعية والدبابات ومنحتها انتصاراً حاسماً على عدوها الإقليمي أرمينيا.
وأصبح السؤال الآخر والأوسع نطاقأ في المجال العسكري حالياً: هل يمكن استخدام هذه الطائرات بكفاءة في الصراعات الأكثر تعقيداً بين الدول الأقوى عسكرياً مثل الهند وباكستان.
استخدام باكستان للطائرات المسيّرة التركية في كشمير هل يغير قواعد اللعبة؟
وغيرت الطائرات المسيرة التركية قواعد اللعبة، في العديد من النزاعات، وبينما يقول بعض الخبراء إن هذه النزاعات أغلبها حروب منخفضة الكثافة، وإن الطائرات المسيّرة لن تكون فعالة، في مواجهة جيوش ضخمة مدججة بالأسلحة كالجيش الهندي.
ولكن في المقابل يرى آخرون أن حربي القوقاز وإدلب تحديداً شهدت وجود معدات عسكرية متطورة مضادة للطائرات، تشبه الموجود لدى الجانب الهندي والعديد من القوى العسكرية المتقدمة الأخرى، وحتى في ظل وجود هذه المعدات أثبتت الطائرات المسيرة فعاليتها.
ووفقاً للعديد من الخبراء، فإن الطائرات التركية بدون طيار هي التي قدمت ميزة حاسمة لأذربيجان على خصمها في حرب الأسابيع الستة بشأن ناجورنو قره باغ.
استخدام باكستان للطائرات المسيّرة أمر مقلق بالنسبة للهند، خاصة أنه ليس من المستبعد أن تقدم تركيا وحتى الصين طائرات مسيّرة فعالة لباكستان إذا اندلعت حرب مع الهند بسبب النزاع المشتعل في كشمير، في ضوء علاقتها الوثيقة مع إسلام أباد، خاصة تركيا التي عززت علاقتها مع باكستان بشكل كبير مؤخراً، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasiantimes.
الأرمن عانوا من 6 أضعاف الخسائر الأذربيجانية
وأظهرت مقاطع الفيديو الدرامية التي نشرتها أذربيجان مع بدء المعركة طائرات تركية بدون طيار من طراز بيرقدار تقصف أهدافاً على الأسطح وفي الخنادق، وينتهي الأمر بالجنود الأرمن كبط جالس.
وأفادت التقارير بأن أرمينيا فقدت نحو 185 دبابة من طراز T-72، و90 مركبة قتال مدرعة، و182 قطعة مدفعية، و73 قاذفة صواريخ متعددة، و26 نظام صواريخ أرض جو، التي تشمل نظام Tor و5 S-300s ، و14 راداراً أو جهاز تشويش، وطائرة حربية SU-25 وأربع طائرات بدون طيار و451 مركبة عسكرية، كما وثقها المحلل Stijn Mitzer في مدونة الشؤون العسكرية Oryx.
كما قُتل نحو 2300 جندي أرميني في الاشتباكات المريرة.
من ناحية أخرى، كانت الخسائر من أذربيجان أقل بكثير، وكما يستنتج البعض، فقد تكبدت سدس الأضرار التي لحقت بأرمينيا فقط.
وأظهرت الحرب كيف يمكن لأسطول من الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة نسبياً أن يقدم تفوقاً جوياً حاسماً دون إشراك القوات الجوية التي تتعرض عادة لمخاطرة جسيمة.
وأصبحت حروب الطائرات المسيرة شائعة منذ أن نشر الأمريكيون طائراتهم من طراز بريداتور في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
اليوم أي دولة تمتلك الريادة التكنولوجية في إنتاج هذه الأنظمة المستقلة تتفوق على منافسيها.
وساعدت الطائرات بدون طيار التركية Bayraktar TB-2 أذربيجان في السيطرة على ساحة المعركة حتى النهاية، والتي تعد من بين أكثر الطائرات فاعلية التي قدمتها تركيا لباكو.
فوزنها يبلغ ثُمن وزن الطائرة الأمريكية MQ-9 Reaper، وتحمل TB – 2 أربعة صواريخ موجهة بالليزر MAM (التركية الذكية الصغيرة) وهي عبارة عن صاروخ متوسط الارتفاع طويل التحمل فهي مركبة جوية تكتيكية بدون طيار قادرة على القيام بمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) والهجوم المسلح، وهي قليلة التكلفة مقارنة بنظيراتها الأمريكية والإسرائيلية، وبطبيعة الحال مقارنة بالطائرات المقاتلة العادية.
كانت طائرة بدون طيار من طراز Bayraktar TB2 هي التي دمرت عشرات المركبات المضادة للطائرات الروسية الصنع في سوريا هذا العام.
وبحسب ما ورد اعترف وزير الدفاع الروسي كراسنايا زفيزدا بأن أنظمة الدفاع في البلاد كانت غير كافية على مثل هذا الارتفاع المنخفض حيث تعمل TB-2.
في عملية "درع الربيع" في محافظة إدلب السورية في فبراير/شباط الماضي، أثبتت طائرات بيرقدار بدون طيار قوتها بمعدلات إصابة عالية وقدرتها على المناورة ضد آليات بانتسير الروسية للدفاع الجوي. ونشرت تركيا مقطع فيديو يظهر سقوط الصاروخ على بانتسير، والذي ادعت وسائل الإعلام التركية أنه كان نشطاً في ذلك الوقت، ما يشير إلى فشل النظام في الكشف عن طائرة بيرقدار بدون طيار.
بعد ترقيات واختبارات متتالية، تم تسليم 104 من طراز بيرقدار إلى القوات المسلحة التركية، ومهد نجاحها في ساحات القتال الطريق لتصدير الطائرة بدون طيار إلى دول أخرى.
تم بيع الطائرة التي أثبتت كفاءتها في المعركة إلى قطر وأوكرانيا، وقد أعربت العديد من الدول الأخرى عن اهتمامها بشراء الطائرة بدون طيار من تركيا بعدما أثبتت كفاءتها في سماوات سوريا وليبيا وناجورنو قره باغ.
التداعيات على الهند
تثير علاقة تركيا الوثيقة مع باكستان مخاوف في الهند بشأن احتمال بيع البلاد لطائرات بدون طيار مسلحة من طراز Bayraktar TB-2 من قبل تركيا لإسلام أباد حليفتها العسكري، واحتمال استخدام باكستان للطائرات المسيّرة في كشمير.
دأب البلدان على تنمية علاقاتهما العسكرية بشكل كبير منذ السنوات القليلة الماضية.
قد تجبر نزاعات باكستان المتزايدة مع جيرانها، لا سيما الهند، على اللجوء إلى تركيا للحصول على طائرات مسيرة.
وأظهرت المعاركة المتعددة التي خاضتها طائرات TB-2 أنها تعمل على تعمية أي دفاعات جوية تماماً، حتى إنها هزمت أنظمة الدفاع الجوي الروسية Pantsir و S-300.
لذلك فيحتمل أن هذه الطائرات قادرة على مفاجأة حتى الدول المتفوقة عسكرياً، كالهند.
يمكن لباكستان استخدام مثل هذه الأنظمة لإلحاق أضرار كبيرة بمدافع المدفعية الهندية المنتشرة على الحدود، وحتى الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي.
مع قدرة -الصين وباكستان- على تطوير ونشر طائرات مسيرة في المعارك، تكافح الهند لرفع قدراتها في هذا المجال.
حتى الآن، استخدمت الهند طائراتها من طراز Searcher وHarop بدون طيار المستوردة من إسرائيل لأغراض المراقبة والاستطلاع فقط.
و Harop هي طائرة انتحارية بدون طيار تستخدم لتجاوز أنظمة الدفاع الجوي للعدو.
وتعمل البحرية الهندية أيضاً على الحصول على 30 طائرة بدون طيار من طراز Guardian غير مسلحة من الولايات المتحدة.
الجانب الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للهند هو أنها لم تطور بعد القدرة على تصنيع الطائرات بدون طيار محلياً، وهو أمر يمكن لخصومها الاستفادة منه بشكل معين، وحتى الآن هي تفتقر إلى أي طائرة بدون طيار استراتيجية مسلحة تقليدية في ترسانتها.
لكن الهند لديها قدرات عسكرية كبيرة، فلماذا تخشى الطائرات المسيرة؟
رغم أن الهند واحدة من أكبر القوى العسكرية في العالم، فإن لديها العديد من أوجه القصور في القدرات العسكرية تجعلها معرضة بشدة لهجمات الطائرات بدون طيار المتقدمة على الحدود وحتى داخل أراضيها، حسب موقع Eurasiantimes.
كما ثبت أنه في المواجهة بين أنظمة دفاع جوي باهظة الثمن والطائرات المسيرة الهجومية منخفضة التكلفة فإن الطائرات المسيرة تربح، وهو أمر قد يمثل يمثل مشكلة للهند في حال استخدام باكستان للطائرات المسيّرة.
لقد ضربت الطائرات بدون طيار التركية بلا رحمة حتى أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدماً، في كل من سوريا وليبيا، وهي بمثابة تذكير بمدى صعوبة الدفاع الجوي الفعال في عصر الطائرات المسيرة المسلحة الرخيصة نسبياً وذات التوجيه الدقيق والصواريخ كروز تحلق على ارتفاع منخفض.
وأفادت تقارير بأن الطائرات المسيرة التركية التي استخدمتها أذربيجان دمرت أنظمة إس 300 الشهيرة والتي تمثل منظومة أساسية للدفاع الجوي في العديد من الدول مثل الهند وإيران، وسوريا.
فقد نشرت القوات المسلحة الأذربيجانية عدة مقاطع فيديو تظهر تدمير رادار 36D6 نشط لنظام إس 300 الأرميني، دمرته طائرات Harop المتسكعة، الإسرائيلية الصنع في نفس الهجوم، وتم إصدار مقطع فيديو آخر، يظهر التدمير الناجح لعنصري رادار في موقع أرميني نشط من طراز S-300 SAM تم قصفه بواسطة طائرات بيرقدار 2 التركية.
وحتى صواريخ إس 400 الأكثر تقدماً التي نشرت في سوريا أثبتت عدم فاعليتها في مواجهة الاستخدام المشترك للحرب الإلكترونية والصواريخ المضادة للإشعاع والذخائر الموجهة بدقة.
على الرغم من كونها محمية بالعديد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية، والتي تضمنت أنظمة الدفاع الجوي إس 300 وإس 400 المخصصة للدفاعات الجوية عالية الارتفاع (HIMADS) وأنظمة Buk-M1 التي تتضمن صواريخ أرض-جو متوسطة المدى (SAM)، ونظام Pantsir للدفاع المتوسط المدى، كانت الدفاعات الجوية في سوريا غير كافية ضد الهجمات الإسرائيلية والتركية.
ويعتبر نظام إس 300 من أكثر النظم الجوية تقدماً لدى الهند، كما أن نيودلهي تعاقدت مع روسيا لشراء نظام إس 400 متجاهلة التهديدات بفرض عقوبات أمريكية.
حتى دولة مثل السعودية، التي لديها أنظمة دفاع جوي كثيفة ومتطورة وأغلبها غربي، وجدت صعوبة بالغة في صد هجوم مسلح بطائرات مسيرة شنه المتمردون الحوثيون في عام 2019، ما أدى إلى أضرار كارثية في منشآت شركة أرامكو النفطية.
لماذا الطائرات المسيرة فعالة ضد أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة؟
الحجم الصغير نسبياً للطائرات بدون طيار، مثل Bayraktor التركية أو Kamikaze (الطائرات الانتحارية)، يجعل من الصعب إسقاطها بصاروخ مصمم للاشتباك مع أهداف أكبر.
كما تعتبر خفة الحركة العالية والقدرة على المناورة من المزايا الإضافية للطائرات المسيرة.
وهذا هو السبب في أن حصول إسلام أباد على أسراب من الطائرات المسلحة بدون طيار المتقدمة من تركيا والصين سيعطيها ميزة حاسمة ضد الهند، في حال استخدام باكستان للطائرات المسيّرة في كشمير، لأنه كما تظهر التجربة في أرمينيا وسوريا فإن أنظمة دفاع جوي متقدمة قد لن تكون قادرة على مواجهة مثل هذا الهجوم.
كما أن الخبراء الأتراك الذي غالباً ما يوجهون الطائرات، استخدموا استراتيجية في الساحات الثلاث سوريا وليبيا وأذربيجان هي استخدام الطائرات المسيرة أولاً لتدمير أنظمة الدفاع الجوي (حتى لو ببعض الخسائر) لكي تفتح الطريق لأسراب الطائرات المسيرة لقصف الأهداف الأخرى بعدما فقدت الحماية الجوية.
قد تظل أكبر تحدٍّ لم يختبر بشكل كبير أمام الطائرات المسيرة هو الطائرات المقاتلة النفاثة، وبينما يسعى الأتراك إلى تسليح طائراتهم المسيرة بدون طيار بصواريخ مضاد للطائرات، تظل السرعة والقدرة على المناورة في صالح الطائرات المقاتلة العادية.
ولكن في المقابل تتفوق الطائرات المسيرة في رخص الثمن وبالتالي إمكانية استخدام عدد وحدات أكبر إضافة إلى قدرة على البقاء فترات أطول في الجو، والأهم عدم القلق من الخسائر البشرية.
ويقول موقع Eurasiantimes في ختام تقريره: "نظراً لأن الحليفين الأقرب لباكستان أي الصين وتركيا معروفان بأنهما مطوران كفؤان للطائرات المسيرة الهجومية على المستوى العالمي، فإن تحتاج الهند إلى الاستيقاظ على حقيقة مواجهة هجوم صارم قبل فوات الأوان وقبل تجد نفسها أمام سيناريو استخدام باكستان للطائرات المسيّرة، في كشمير مثلما فوجئت أرمينيا بما حدث في ناغورني قره باغ.