أعرب وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الخميس 26 نوفمبر/تشرين الثاني، عن تفاؤل دولته بقرار السلطة الفلسطينية الأخير استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات والبحرين، واعتبرها دلالة على أنَّ القيادة الفلسطينية تتقبل تدريجياً ما تُسمَى "اتفاقية إبراهام" المُوقَّعة حديثاً مع إسرائيل.
وقال قرقاش، في حديث عبر الإنترنت خلال منتدى Med2020 الدولي الذي نظمه معهد الدراسات السياسية الدولية في ميلانو: "إنني متفائل بشأن قرار الفلسطينيين النظر إلى [اتفاقات إبراهام] نظرة أكثر رصانة وعقلانية".
وتابع: "يدرك الفلسطينيون أنَّ هذا تغيير كبير.. التصريحات الغاضبة الأولية أتاحت مساحة لمزيد من التقييمات الواقعية. قرارهم بإعادة التواصل معنا ومع إسرائيل يعيدنا إلى القول المأثور القديم القائل إنه إذا لم تكن هناك، فقد فقدت بالفعل 80% من قضيتك"، حسب تعبيره.
رفض فلسطيني للتصريحات الإماراتية
لكن تصريحات المسؤول الإماراتي قوبلت بالرفض من وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي، الذي رد بانزعاج واضح من أن الإماراتيين "يحلمون" وأن اتفاقيات التطبيع ستنهار بمجرد مغادرة الراعي الرئيسي لها، الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، البيت الأبيض.
وقال المالكي لموقع Middle East Eye البريطاني من مكتبه في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة: "إن قرارنا إعادة فتح البعثات في الإمارات والبحرين ليس له علاقة بقبول مُفترَض للاتفاقات. نحن لا نتهيأ لتقبل فكرة [الاتفاقيات] على الإطلاق. ففي الواقع، نعتقد أنها ستكون في عداد الأموات قريباً".
وأضاف المالكي: "ومع ذلك، نعترف أنَّ الوضع في البيت الأبيض تغير، ونحن مستعدون لإعادة الانخراط الآن مع أولئك الذين يرغبون في مساعدتنا".
وفي الوقت الذي تبني فيه القيادة الفلسطينية آمالاً عديدة على التغييرات في الولايات المتحدة، يحذر محللون من أنَّ مد التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج قد يكون بعيداً عن الانتهاء.
آمال الفلسطينيين في مواجهة الواقع الجديد
وقال روبي سابيل، الأكاديمي والخبير في القانون الدولي في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، إنَّ "إسرائيل لديها مصلحة في مواصلة تحسين العلاقات مع الدول العربية في الخليج وكذلك دول الخليج التي ترى إيران تهديداً. ولن تنضم دول الخليج لتلك الاتفاقيات؛ لأنها تحب إسرائيل أو لأنها تعتقد حقاً أنَّ بإمكانها دفع القضية الفلسطينية، لكن لمصلحتها الخاصة".
وأضاف سابيل أنَّ دول الخليج ستعطي الأولوية لمصالحها الإستراتيجية والأمنية، لكن في أثناء فعلها ذلك ستحاول عدم الإضرار بفلسطين. وقال: "لا أعتقد أنَّ أية دولة عربية ستعمل ضد تحسين القضية الفلسطينية".
لكن آمال الفلسطينيين تتحطم في مواجهة الواقع؛ فقد أثبتت اتفاقيات إبراهام أنها "مفيدة" للغاية للقيادة الإماراتية، وقد تنظر دول الخليج الأخرى إلى صفقات التطبيع على أنها قد تقدم فرصاً تجارية وإستراتيجية لها كما تتدعي إسرائيل.
فمن جانبها، حصلت الإمارات على تنازلات عسكرية مهمة بالحصول على مقاتلات "إف-35" التي تسعى لشرائها منذ وقت من الولايات المتحدة، واستئناف الشراكة الاستخباراتية والتعاون الأمني السيبراني مع إسرائيل لكن في العلن عقب عقود من التواصل السري، بحسب اعتراف أنور قرقاش.
هل الإمارات مهتمة أصلاً بعملية السلام؟
وقال قرقاش: "تطورت العلاقة مع إسرائيل بخطوات تدريجية صغيرة على مر السنين. سنحت فرصة لتطبيع العلاقات في يونيو/حزيران الماضي وانتهزناها. أعتقد أنه لو لم يحدث ذلك هذا العام، لكان سيحدث على أية حال العام المقبل أو العام الذي يليه".
وأضاف قرقاش أنَّ صفقة الإمارات مع إسرائيل تختلف عن الاتفاقيات التي وقعتها الأخيرة مع مصر والأردن، اللتين تشتركان في حدود مع إسرائيل ولديهما جروح حرب للشفاء: "نحن نبدأ بصفحة نظيفة، وهذا سيساعد [الفلسطينيين] أيضاً … سلامنا سيكون سلاماً دافئاً".
لكن يجادل خبراء بأنَّ الإمارات إنَّ كانت مهتمة بصدق بدعم عملية السلام، لم تكن لتُقدِم تنازلات إلى إسرائيل من دون أي مقابل.
وفي تصريح لموقع Middle East Eye، قال جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، "كان بإمكان الإمارات أن تطلب موافقة إسرائيل على التفاوض مع القيادة الفلسطينية وفق شروط مبادرة السلام العربية. كان لديها النفوذ لفعل ذلك. وإذا كانت الإمارات العربية المتحدة مهتمة بصدق بصنع السلام، لكانت ستمتنع عن دعم فصيل واحد في الحركة الوطنية الفلسطينية".
تأثير الإمارات على مستقبل الفلسطينيين
وأشار هيلترمان إلى محمد دحلان، المسؤول الأمني السابق في حركة فتح المنافس لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والمنفي حالياً في الإمارات. وهو صديق مقرب للحاكم الإماراتي الفعلي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، هو أحد مهندسي اتفاقيات إبراهام. وفي أعقاب توقيع اتفاقيات التطبيع، اعتقلت قوات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بعض أعضاء فصيله "تيار الإصلاح الديمقراطي".
وتساءل بعض المراقبين أيضاً ما إذا كان دحلان وراعيه الخليجي سيضطلعان بدور في خلافة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر 84 عاماً.
وفي سياق ضعف النظام الدولي، حيث يغلُب التشرذم والمصالح الوطنية على التعددية، أبدت الإمارات استعدادها لتولي زمام الأمور بنفسها والمساهمة بدور يتناسب مع أهدافها. وقد يحمل هذا عواقب على مستقبل فلسطين أيضاً.