الدور الذي تلعبه الإمارات في إثارة الفوضى في المنطقة وخصوصاً في ليبيا لم يعد مجرد تقارير إعلامية بعد أن وثقه البنتاغون في تقرير رسمي، والسؤال الآن: كيف سيؤثر ذلك على علاقات أبوظبي مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن؟
مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "البنتاغون يقول إن الإمارات تمول مرتزقة روسيا في ليبيا"، تناول تبعات فضح الدور الإماراتي في تمويل مرتزقة روسيا في المنطقة.
تقرير المفتش العام للبنتاغون
يبدو أن الإمارات العربية المتحدة تساعد في تمويل شركة المرتزقة الروسية فاغنر في ليبيا، وفقاً لتقرير صدر الأسبوع الماضي عن مفتش وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) العام لعمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا، وهو كشف قد يعقّد علاقة الولايات المتحدة الوثيقة بالدولة الخليجية.
وقد اشتبه الخبراء طويلاً في أن الإمارات تستعين بشركات عسكرية روسية خاصة لتساعدها في التعتيم على دورها في الصراع، لكن هذا التقرير هو أول التقارير الرسمية التي تكشف عن هذا التعاون.
لكن الكشف عن أن هؤلاء المرتزقة الروس ربما يمولهم أحد أقرب الحلفاء العسكريين لأمريكا في الشرق الأوسط يزيد من تعقيد حسابات واشنطن، ويأتي في الوقت الذي يشن فيه الديمقراطيون في الكونغرس حملة لمنع صفقة اقترحتها إدارة ترامب تبلغ قيمتها 23 مليار دولار وتشتمل على بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى أبوظبي.
مساعدة الإمارات لروسيا
يقول فريدريك ويري، الباحث البارز في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "تبين الآن وجود روسي دائم حول الناتو، ويساعده أحد حلفاء الولايات المتحدة".
ورغم أن الشركات العسكرية الخاصة محظورة داخل روسيا، كانت شبكة من الشركات المعروفة تُعرَف مجتمعة باسم مجموعة فاغنر في طليعة مساعي التدخل الروسي في الخارج من أوكرانيا إلى ليبيا والسودان. وأدى اعتماد الكرملين المتزايد على هذه المجموعة إلى زيادة قدرته الظاهرية على إنكار مسؤوليته عن عملياته الخارجية، لكن شركة فاغنر لها روابط عميقة بالهياكل العسكرية والاستخباراتية الروسية ووصفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها "بديل وزارة الدفاع الروسية".
كان يُعتقد في البداية أن من يمول المجموعة حليف بوتين يفغيني بريغوزين، رغم تعاقدها مع عدد من الأطراف في سوريا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهو ما زاد من تداخل الخطوط الفاصلة بين السياسة الخارجية الروسية والدوافع الربحية.
تقول كيمبرلي مارتن، أستاذة العلوم السياسية في كلية بارنارد: "انطباعي العام منذ فترة طويلة كان أن تمويل فاغنر يأتي بالكامل من العقود الأجنبية".
ورغم أن الإمارات كانت أكبر الداعمين العسكريين لحفتر في إطار مساعيها لسحق الإسلام السياسي في المنطقة، يخضع دور الدولة الخليجية في الصراع لتدقيق أقل بكثير من التدخل الروسي. وبعض الخبراء يعزون ذلك إلى جهود الضغط الهائلة التي تبذلها الإمارات في واشنطن، ودورها في أهداف السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسية الأخرى، مثل حملة أقصى قدر من الضغط على إيران واتفاق السلام الإماراتي مع إسرائيل، الذي لقي ترحيباً حاراً واُعتبر نجاحاً ثميناً في السياسة الخارجية لإدارة ترامب.
يقول عماد الدين بادي، الباحث البارز غير المقيم في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي: "لا تحظى بانتباه كبير لأنك حين تذكرها للمسؤولين الأمريكيين، يقولون لا بأس، لدينا مصالح أخرى مع الإمارات".
هل غضت إدارة ترامب الطرف عن سلوك الإمارات؟
على أن الصياغة الحذرة في تقرير المفتش العام بأن "وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) قدّرت أنه من الجائز أن الإمارات توفر بعض التمويل لعمليات المجموعة" هي على الأرجح انعكاس للحساسيات السياسية المتعلقة بهذا الموضوع. ولطالما أحجمت إدارة ترامب عن انتقاد شركاء الولايات المتحدة في الخليج، مثل الإمارات، رغم مزاعم انتهاكاتها لحقوق الإنسان في صراعها في اليمن، بل ذهب ترامب إلى حد القول إن الولايات المتحدة ليس لها مصالح في ليبيا.
يقول دوغلاس وايز، الذي شغل منصب نائب مدير وكالة استخبارات الدفاع من عام 2014 إلى عام 2016: "أتصور أن وكالة استخبارات الدفاع لديها بعض المعلومات القوية عن دعم الإمارات العربية المتحدة لفاغنر. وإصدار الوكالة لهذا التقرير طريقة أسهل وأقل رسمية وإحراجاً لتوبيخ الإمارات على سلوكها من مذكرة دبلوماسية أو بيان صحفي من وزارة الدفاع أو البيت الأبيض. فهو يقول للإمارات إننا نعرف".
وطوال عام 2020، لاحظ الخبراء الذين يتابعون الصراع في ليبيا ما يشير إلى قوة العلاقات بين الإمارات وروسيا.
ففي يناير/كانون الثاني، بعد موافقة البرلمان التركي على إجراء يسمح للقوات العاملة بالقتال على الأرض في ليبيا إلى جانب المرتزقة المدعومين من تركيا، ازدادت أعداد طائرات الشحن الروسية والإماراتية- وكانت على الأرجح محملة بالأسلحة والذخيرة- المتجهة إلى شرق ليبيا وغرب مصر زيادة كبيرة. والإمارات، مثل روسيا، تدعم حفتر، طاغية شرق ليبيا الذي كان في السابق أحد المتعاونين مع وكالة المخابرات المركزية وعاش لسنوات في ضواحي واشنطن العاصمة.
وتزامن الوجود الروسي المتنامي في ليبيا أيضاً مع الانسحاب الإماراتي، وهو ما أثار المزيد من الشكوك. ومع بدء تنامي شحنات البضائع ودخول المزيد من القوات التركية إلى البلاد، سحبت الإمارات معداتها من قاعدة الخادم الجوية بالقرب من بنغازي وسمحت للقوات الروسية بالسيطرة عليها.
هل يختلف تعامل إدارة بايدن؟
لكن نقطة التحول التي ربما أدت إلى لفت الجيش الأمريكي لنظر الإمارات كانت نشر عشرات الطائرات المقاتلة الروسية من الجيل الرابع التي تديرها شركة فاغنر في مايو/أيار، والتي كانت جزءاً من مساعي حفتر لمنع القوات المدعومة من تركيا من مواصلة تقدمها في البلاد، وفقاً لما قاله جليل الحرشاوي، الباحث البارز في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومقرها باريس.
وقال: "أثارت تلك الفعلة غضب الكثيرين داخل وزارة الدفاع، لكن الجانب الوحيد الذي أعلن عنه في ذلك الوقت كان انتقاد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا AFRICOM للروس وفضحهم علناً. والجانب الآخر بالطبع أن الأمريكيين كانوا يعرفون حق المعرفة أن أبوظبي تكفلت بتمويل جزء من مهمة فاغنر في ليبيا".
لكن فيما كانت الانتخابات الأمريكية ما تزال متاحة لجميع المرشحين حين رصد البنتاغون لأول مرة مقاتلين روساً في ليبيا، فرحيل إدارة ترامب يجعل من السهل على البنتاغون التحدث بحرية الآن.
يقول الحرشاوي: "كان التلميح إلى ذلك في مايو/أيار إشارة أقوى من الآن". إذ أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة، الذي يقدم تقارير عن أنشطة محتملة خاضعة للعقوبات في مناطق الصراعات، أن الإمارات انتهكت مراراً الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على عمليات نقل الأسلحة إلى ليبيا.
يقول ويري من معهد كارنيغي: "علمنا أنه يوجد تنسيق ميداني في ساحة المعركة بين الإمارات وفاغنر. لكن التمويل ليس سوى اتهام آخر للتعاون الإماراتي".