يقتل خصوم إسرائيل بلا رحمة.. تاريخ دموي لفريق الموساد السري الذي يُعتقد أنه وراء اعتيال العالم النووي الإيراني

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/29 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/29 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة أحدث صدمة كبيرة في إيران/رويترز

في حوالي الساعة الثانية مساء يوم الجمعة الماضي 27 نوفمبر/تشرين الثاني، سار موكب من 3 سيارات في شارع محفوف بالأشجار على أطراف مدينة آبسرد الإيرانية، التي تُعتبر وجهة شعبية في العطلات الأسبوعية، قريبة من الجبال وتبعد عن طهران 50 ميلاً (80 كيلومتراً) إلى الشرق. جلس محسن فخري زادة في إحدى تلك السيارات، SUV سوداء، رمادي الشعر يرتدي نظارات طبية. 

كانت تلك رحلته الأخيرة. إذ في كمين هائل مدوٍّ على قارعة الطريق، اُغتيل العقل المُدبر للبرنامج النووي الإيراني، على يد فريق من القتلة ظهروا من العدم واختفوا مرة أخرى.

لامت إيران الموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية. وللمرة الأولى لم يشك أحد في الأمر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية. 

فريق الموساد السري الذي يشتبه في اغتياله محسن فخري زادة 

على مدار عقود كان الموساد يخرج فجأة من الظلال ليقضي على أعداء إسرائيل. واتسمت وفاة فخري زادة بدلائل مميزة: كان قتلاً دقيقاً وحشياً مُدبراً- في وضح النهار وفي مسقط رأسه- لرجل تجاوزت آثار وفاته القاسية حدود إيران أو إسرائيل. 

لكن لماذا قد يرتكب الموساد- الذي ارتبطت سمعته بالاغتيالات الجريئة لأعداء إسرائيل- ما اعتبره جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية الأسبق، عملاً "إجرامياً" و"متهوراً للغاية" يُهدد بتأجيج الصراع في المنطقة؟

إن إسرائيل خلف هذا الاغتيال، فإن أحد الفرق في وحدة كيدون التابعة للموساد هو من نفذه دون شك، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.

تخضع وحدة كيدون لفرع عمليات كيساريا، وهي منفصلة عن الأعمال العادية من جمع المعلومات الاستخباراتية. يُطلق على معظم أعضائها "المحاربون"، بلغة الموساد، وهم منتدبون من وحدات الكوماندوز في الجيش الإسرائيلي ومدربون بالفعل على تنفيذ العمليات في العمق خلف خطوط العدو. وينبغي أن يوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي على عمليات الاغتيال التي ينفذونها.

بدايتها مع أيلول الأسود

يعود ظهور وحدة كيدون إلى معارك إسرائيل مع الفلسطينيين. وعندما اغتيل 11 عضواً في الفريق الأوليمبي الإسرائيلي في ألعاب ميونخ الأوليمبية عام 1972 على يد منظمة أيلول الأسود الفلسطينية، أمرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، جولدا مائير، الموساد باغتيال المسؤولين عن ذلك. وأوكلت لمايك هراري، رئيس العمليات، مهمة تشكيل وحدة جديدة سُميت كيدون، التي تعني الخنجر باللغة العبرية. 

في البدء كانت هناك إخفاقات كبيرة، وأهمها قتل نادل مغربي في مدينة ليلهامر النرويجية عام 1973، معتقدين أنه رئيس عمليات منظمة أيلول الأسود. لكن الموساد عثر على معظم قادة أيلول الأسود وقضى عليهم في قواعدهم في الشرق الأوسط وأوروبا.

وبينما ازداد مستوى احترافية الوحدة، وقع مزيد من حالات القتل لشخصيات بارزة في المنظمات الفلسطينية المتطرفة وأصحاب المناصب العليا في بلدان على غرار سوريا وإيران، دون ترك أي أثر يدل على هوية الجاني.

فخري زادة كان يبدو هدفاً محصناً

وفقاً للحكومة الإيرانية، كان فخري زادة أستاذاً في الفيزياء في جامعة الإمام الحسين في طهران، ومسؤولاً علمياً رفيع المستوى في وزارة الدفاع الإيرانية. إلا أن وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والغربية تقول إن هذه ليست سوى قصة واهية للتغطية. إذ يقولون إن فخري زادة كان أكبر العلماء النوويين في إيران، ومع ذلك فهو لم يكُن عالماً نووياً بارزاً فقط، بل كان لواءً في الحرس الثوري الإيراني، عمل على مراقبة تطور الترسانة النووية في البلاد على مدار عقدين.

اغتيال زادة يمثل إحراجاً للأمن الإيراني/رويترز

كان الرجل المسيطر على جميع الخيوط المختلفة في برنامج إيران النووي، منها المشاريع البحثية المشروعة، إلى جانب الأشخاص المسؤولين عن المقومات الجوهرية للسلاح النووي، وأنظمة الصواريخ والتوجيه، والتصغير اللازم لإدخال جهاز نووي في رأس حربية.

لكن فخري زادة تملص من الاغتيالات لسنوات، حتى يوم الجمعة عندما انفجرت شاحنة نيسان تحمل عبوة ناسفة، أمام موكبه. أدى ذلك إلى إغلاق الطريق وإسقاط خط كهرباء علوي، ما قطع الكهرباء عن المدينة. بعدها هجم مسلحون على الموكب مُطلقين النار على الزجاج الأمامي لسيارة فخري زادة.

وفقاً لوكالة فارس الإخبارية شبه الرسمية، قُتل أحد حراس فخري زادة عندما استخدم جسده كدرع لحمايته. لكن ذلك لم يكن كافياً، إذ أُصيب العالِم بإصابات خطرة ومات بعدها في المستشفى، على الرغم من نقله بالمروحية في غضون نصف ساعة من الهجوم.

أظهرت الصور على وسائل التواصل الاجتماعي سيارته المهشمة المغطاة بالرماد والمصدات المُحطمة، وهي على جانب الطريق. وإلى جانب السيارة، تناثر الزجاج المُهشم والدماء.

أسئلة محرجة للأمن الإيراني، ورئيس الموساد كان حاضراً لاجتماع بن سلمان مع نتنياهو

يواجه جهاز الأمن الإيراني أسئلة تتعلق بكيفية سماحه بتعريض الرجل الذي يُعد أبا البرنامج النووي، للخطر، وكيف عرف المغتالون بتفاصيل خطط انتقاله.

وقد تحدث مسؤولو المخابرات الإسرائيلية في الأسابيع الماضية عن ضغط أمريكي على إسرائيل لتصعيد حربها السرية في إيران. وقد ازدادت المخاطر كثيراً، في ظل استمرار إدارة ترامب في الحكم لـ 8 أسابيع أخرى قبل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي وعد بسلك طريق آخر فيما يخص إيران.

يرى مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي أن هناك "احتمالاً ضئيلاً" أن تبدأ الولايات المتحدة بشن هجماتها بنفسها على إيران، على الرغم من الخطوة المنذرة بالحرب الأسبوع الماضي، حيث أوفدت قاذفتي B-52 في الخليج العربي. لكن أحد المسؤولين أكد على أن العمليات السرية موضوع آخر.

ولا يمكن التغاضي عن حقيقة تواجد رئيس الموساد، يوسي كوهين، ليلة الأحد الماضي في اجتماع غير مسبوق في مدينة نيوم السعودية، بين نتنياهو و"صقرين مُتربِّصين لإيران" آخرين، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية CIA.

ما هو أثر العملية على البرنامج النووي الإيراني؟

وفي حين لم يؤكد أي مسؤول إسرائيلي- حتى ولو بشكل غير رسمي- أن بلاده مسؤولة عن اغتيال فخري زادة، أُحيط الصحفيون الإسرائيليون مساء الجمعة بأن وفاته ستعرقل خطط إيران النووية.

لكن هذه تُعد مبالغة على أقل تقدير، إذ على الرغم من موقعه الرمزي والقيادي كرئيس للبرنامج، فإن المؤسسة النووية الإيرانية تضم طاقماً جيداً من العلماء وسوف تواصل عملها.

غير أنه في الوقت نفسه، لا يسع هؤلاء العلماء إلا أن يتساءلوا عمن سيكون الهدف التالي.

وكانت إسرائيل قد هاجمت قوات إيرانية أيضاً في المنطقة. وعلى مدار شهور، جاءت تقارير عن هجمات جوية في شرق سوريا يعتقد مسؤولو الاستخبارات والمحليون أنها إسرائيلية.

في هذه الأجواء المضطربة، يتوخى الدبلوماسيون الحذر، إذ يمكن أن يتسبب سوء تقدير صغير في بدء حلقة عنيفة من الانتقامات.

أما بالنسبة للمواطن الإيراني العادي، الذي يخاف مع كل هجمة من احتمالية نشوب حرب لا يريدها، فإن حلقة التهديد والانتقام هذه كارثية. وبعد أن تفشت جائحة كوفيد-19 هذا العام، دخلت البلاد في حالة إقفال دمر اقتصادها، وزاد الأمور تعقيداً العقوبات الصارمة التي فُرضت عليها، والتي شُدِّدَت خلال حملة ترامب التي أطلق عليها "الضغط الأقصى".

يقف الكثيرون على هاوية الفقر، لا يعرفون من يصدقون، أو إن كان عليهم الأمل في أن تعود الإدارة الجديدة في واشنطن للتواصل مع طهران وتعيد إحياء الصفقة التي أوقفت برنامج الأسلحة النووي الإيراني مقابل التسهيلات الاقتصادية، أو القبول بدعوى المتشددين بعدم وجود منطق في التعامل مع الشيطان الأكبر.

تحميل المزيد