الصين تستخدم الديون للهيمنة على الدول الفقيرة عبر مبادرة الحزام والطريق، التي أصبحت بمثابة "مصيدة الديون الصينية"، بات هذا الاتهام يتردد في الدوائر الغربية والهندية بشكل متكرر.
وتعززت هذه المخاوف مع سقوط دولة جديدة مؤخراً في مصيدة الديون الصينية.
لاوس تقع في مصيدة الديون الصينية
إذ إن لاوس، الدولة الواقعة بين فيتنام وكمبوديا وتايلاند، هي أحدث ضحية لدبلوماسية مصيدة الديون الصينية، وهي دولة غنية بالموارد الطبيعية، يُقال إنها تكافح لتجنب التخلف عن السداد السيادي.
وسلَّمت لاوس، الدولة الواقعة في جنوب آسيا، الجزء الأكبر من السيطرة على شبكة الطاقة الكهربائية الوطنية لشركة China Southern Power Grid، وهي مؤسسة مملوكة للحكومة الصينية، ومقرها في مدينة جوانغتشو، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
وبحسب ما ورد فقد انخفض احتياطي النقد الأجنبي للبلاد إلى أقل من مليار دولار، ما يتيح فرصةً مثالية للصين لإيقاع لاوس بعروضها الاستثمارية المربحة في البلاد، وفقاً لتقرير لموقع Eurasian Times.
كما تم تخفيض تصنيف لاوس هذا العام من قبل وكالة التصنيف Moody من B3 إلى Caa2، وتغيرت توقعات الدول المثقلة بالديون من محايدة إلى سلبية بسبب "ضغوط السيولة الشديدة".
كانت هذه الدولة الصغيرة الواقعة في جنوب شرق آسيا تكافح من أجل سداد القروض الصينية، وانتهى بها الأمر بتسليم غالبية السيطرة على شبكتها الكهربائية الوطنية إلى الصين، مع تفاقم ديون شركة الكهرباء المملوكة للدولة إلى 26% من ناتجها المحلي الإجمالي.
الصين تستخدم الديون للهيمنة على الدول الفقيرة عبر مبادرة الحزام والطريق.. كيف تفعل ذلك؟
تم إلقاء اللوم على الصين لأنها حاصرت العديد من الدول الفقيرة بالمثل، من خلال تقديم حزم مالية مربحة لدرء حالات التخلف عن السداد الفورية، وفي المقابل اكتساب سيطرة استراتيجية على الأصول الاستراتيجية للأمة.
لقد وقعت دول أخرى مثل سريلانكا وباكستان في حلقة مفرغة من الحصول على قروض جديدة من الصين وسداد القروض القديمة، مع إجبارها على التنازل عن أصولها الاستراتيجية.
يقول المحللون، خاصة الغربيين، إن مشروع مبادرة الحزام والطريق الرائد في الصين، والذي تم الإعلان عنه في عام 2013، هو في الحقيقة محاولة لتوسيع نفوذ بكين في جميع أنحاء العالم.
وأصبح المشروع هدف السياسة الخارجية المميز للزعيم الأعلى الصيني شي جين بينغ.
ويشارك في المشروع حوالي 138 دولة و30 منظمة دولية، مع استثمارات مقترحة لربط آسيا وإفريقيا وأوروبا بقيمة هائلة، تبلغ 8 تريليونات دولار.
صفقات سرية و23 دولة معرضة للخطر
أثارت مبادرة الحزام والطريق انتقادات بسبب العديد من الصفقات الثنائية والمتعددة الأطراف بين الدول المشاركة تتم في سرية تامة.
وحذر مركز أبحاث التنمية العالمية، ومقره واشنطن، من أن 23 دولة من أصل 68 دولة تستفيد من استثمارات مبادرة الحزام والطريق، كانت معرضة بشكل كبير أو شديد لضائقة الديون.
وسلط التقرير الضوء على حوالي ثماني دول -جيبوتي وقيرغيزستان ولاوس ومنغوليا والجبل الأسود وجزر المالديف وباكستان وطاجيكستان- التي كانت معرضة بشكل خاص لضائقة الديون، وهي قائمة تضم أربع دول إسلامية من مناطق مختلفة.
على الورق، تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى دعم تمويل البنية التحتية في البلدان الآسيوية والأوروبية والإفريقية، حيث تقدم تريليونات الدولارات.
ومع ذلك، أعرب تقرير مركز أبحاث التنمية العالمية عن "القلق من أن مشاكل الديون ستخلق درجة غير مواتية من الاعتماد على الصين كدائن.
توترات داخلية
أدت زيادة الديون، ودور الصين في إدارة مشاكل الديون الثنائية، بالفعل إلى تفاقم التوترات الداخلية والثنائية في بعض بلدان مبادرة الحزام والطريق، وعززت المخاوف مما يصفه البعض بالمصيدة التي تستخدمها الصين ضد الدول الأصغر لنيل فوائد استراتيجية منها.
والنموذج الأوضح عندما تخلفت سريلانكا عن تنفيذ عقد بناء ميناء هامبانتوتا، وبعد ذلك حصلت شركة صينية على عقد إيجار للميناء لمدة 99 عاماً. واكتسب مصطلح "دبلوماسية مصيدة الديون" مصداقية مع تحول المخاطر النظرية إلى حقيقة، حيث أصبحت الأهداف الاستراتيجية لبكين واضحة.
ولاحظ المحلل الاستراتيجي الهندي براهما تشيلاني في مقال أن "نقل ميناء هامبانتوتا إلى بكين كان يُنظر إليه في سريلانكا على أنه يعادل قيام مزارع مثقل بالديون بالتخلي عن ابنته لمقرض مالي قاس".
والغرب يساعد بكين في الحالة الباكستانية
في حالة باكستان، حصلت الصين على حقوق حصرية وإعفاء ضريبي لتشغيل ميناء جوادر الخاص بها على مدار الأربعين عاماً القادمة، واستحوذت فعلياً على 91% من الإيرادات المتولدة من الميناء.
كما أن الصين لديها خطط لبناء موقع استراتيجي للبحرية بجوار ميناء جوادر.
كانت باكستان أمام خيارات محدودة للغاية في سياستها الخارجية، بعد أن نما اعتمادها على الاستثمارات الصينية إلى درجة يمكن أن يؤدي فيها سحب الأخيرة للأصول المالية إلى إفلاسها دون أن تجد من تلجأ إليه، في ظل ابتعاد الغرب عنها.
وأشار رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مؤخراً إلى أن البلاد لم تكن حرة في اتخاذ خيارات السياسة الخارجية، وأجاب عن سؤال من أحد المراسلين، قائلاً: "بمجرد أن تصبح الدولة مكتفية ذاتياً، يصبح الإعلام حراً في استجوابه بشأن قرارات معينة".
بكين تمد أذرعها في الساحة الخلفية لروسيا
بلد آخر يقع تحت براثن الديون الصينية هو طاجيكستان، التي استمرت في الاقتراض من بكين منذ عام 2006، حتى اضطرت إلى التنازل عن أراض مساحتها 1158 كيلومتراً مربعاً من جبال بامير إلى الصين.
بعد ذلك، حصلت الشركات الصينية على حقوق تعدين الذهب والفضة وخامات المعادن الأخرى من المنطقة.
كما لجأت قيرغيزستان، الدولة المجاورة للصين، التي تعاني من الديون وعدم الاستقرار السياسي، إلى بكين الشهر الماضي. ويمتلك بنك التصدير والاستيراد الصيني (Eximbank) أكثر من خُمسي الدين الخارجي لقيرغيزستان، الذي يقارب 4 مليارات دولار، وقام بتمويل مشروعات النقل والطاقة الرئيسية في البلاد.
وتشكل دول أخرى ممتدة من آسيا إلى إفريقيا، قائمة طويلة من الدول التي تقع في مصيدة الديون الصينية.
وتركت جائحة كورونا هذا العام العديد من البلدان تكافح لدفع ديونها على خلفية النشاط الاقتصادي الضعيف، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الصين، التي انتعشت اقتصادياً بقوة بعد أن ضرب الوباء منطقة ووهان، ثم نجحت بكين في محاصرته.
وتلوح الولايات المتحدة وحلفاؤها بطمأنة هذه الدول مالياً لتقليل اعتمادها على الصين، إذ إن الميزة الاستراتيجية التي تمنحها هذه الدول لبكين قد أثارت قلق الولايات المتحدة، التي باتت تستخدم رباعية "كواد" للسيطرة على نفوذ الصين المتزايد عبر المحيطين الهندي والهادئ.