لجأت شركة أرامكو السعودية إلى أسواق الديون، للمساعدة في تمويل التزاماتها تجاه الأفراد والجهات الذين اشتروا أسهم الشركة فيما يعد أكبر توزيع أرباح في العالم، في وقت تتراجع عوائد الشركة بشكل كبير.
وأعلنت أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، الانتهاء من إصدار سندات دولية متوسطة الأجل ذات أولوية، وغير مضمونة بأصول، بقيمة 8 مليارات دولار، وقالت الشركة في بيان، الأربعاء، إن مدد الاستحقاق 3 سنوات بعائد 1.25%، و5 سنوات بعائد 1.625%، و10 سنوات بعائد 2.25%، و30 سنة بعائد 3.25%، و50 عاماً بعائد 3.5%.
و"أرامكو" أكبر شركات المملكة وثاني أكبر شركة مدرجة في العالم، ومملوكة من الحكومة السعودية بأكثر من 98%، وتنتج في الظروف الطبيعية 10 ملايين برميل يومياً.
وطرحت الحكومة السعودية حصة من الشركة للاكتتاب في البورصة المحلية العام الماضي، في أكبر طرح أولي في العالم، بعدما تجنبت الرياض طرح الشركة في الأسواق الدولية، ووصف الطرح بأنه أكبر اكتتاب في التاريخ، ولكنه جاء أقل من تقديرات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وجاء توجه الشركة للاقتراض بعد أن تسبب انخفاض أسعار النفط الخام في انخفاض الأرباح بنسبة 45% في الربع الثالث، من عام 2020، ما أدى إلى عدم قدرتها على توليد نقود كافية لتمويل مدفوعات المساهمين، التي وعدت بأن تصل إلى 75 مليار دولار هذا العام.
وعملت أرامكو على تشجيع المستثمرين المحليين لدخول الاكتتاب، بالتعهد بتوزيع أرباح سنوية قدرها 75 مليار دولار أمريكي لمدة خمس سنوات على الأقل بعد الطرح العام الأولي.
سراب أرامكو
ووصفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية مخزون أرامكو العملاق النفطي القوي بأنه أصبح سراباً من الناحية الاستثمارية جراء التغييرات في سوق النفط.
وقالت: "لقد رفض المستثمرون العالميون أفضل مخزون نفطي كبير بسبب أداء النفط هذا العام: إذ ينتمي معظم الائتمان في شركة أرامكو إلى مساهميها في ظل واحدة من أسوأ السنوات لمنتجي النفط والغاز في التاريخ الحديث والتي شهدت حرب أسعار، وهبوط في الطلب على الطاقة بفعل الوباء، وتحول الاتجاه العالمي إلى الاقتصاد أخضر يثير أسئلة محرجة حول الربحية المستقبلية للقطاع برمته.
ونتيجة لذلك انخفضت أسهم كبار منتجي النفط الأمريكيين بمقدار النصف تقريباً في عام 2020، وانخفضت أسهم نظرائهم الأوروبيين بنحو الربع.
والأسبوع قبل الماضي، عدلت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية، النظرة المستقبلية لأرامكو، من "مستقرة" إلى "سلبية" مع تثبيت التصنيف على المدى الطويل عند مستوى "A".
وقالت "فيتش" في تقرير بحثي، إن الدافع وراء مراجعة النظرة المستقبلية لأرامكو إلى سلبية، هو إجراء تعديل مماثل للمملكة التي تعد المساهم الأكبر بالشركة.
سندات شركة أرامكو السعودية هي أكبر صفقة في الأسواق الناشئة
كانت صفقة بيع أرامكو لسندات هي الأكبر من شركة في الأسواق الناشئة هذا العام.
وضع المستثمرون طلبات على السندات الخاصة بأرامكو تزيد على 50 مليار دولار أمريكي، وفقاً لأشخاص على دراية بالموضوع.
كانت الفروق بين أسعار الفوائد على سندات أرامكو وبين فوائد السندات الأمريكية بين 110 نقاط أساس ونحو 200 نقطة (أي ما يعادل بين 1.1% و2%).
وعلى الرغم من أن المستقبل الغامض الذي يواجه أرامكو جراء تفاقم ديون المملكة وتراجع أسعار النفط، وتزايد الإجراءات الرامية لاستبداله بالطاقات الجديدة، فإن العوائد على السندات في العالم المتقدم منخفضة للغاية حالياً لدرجة أن المستثمرين سارعوا إلى شراء أصول الأسواق الناشئة ذات التصنيف العالي، بما في ذلك أصول أرامكو، حسبما ورد في تقرير لموقع The Star.
كما أدى التقدم الذي أحرز هذا الشهر بشأن لقاحات فيروس كورونا في شيوع الشعور بالتفاؤل بين المستثمرين.
وبينما يشعر بعض تجار السندات بالقلق من أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن قد يفرض قيوداً على شركات النفط والغاز أكثر، فإن أرامكو تستفيد من انخفاض تكاليف الإنتاج، وفقًا لتود شوبرت، رئيس أبحاث الدخل الثابت في بنك سنغافورة.
وخفضت الشركة التي تتخذ من الظهران مقراً لها، والمصنفة A1 من قبل وكالة موديز إنفستورز سيرفيس، الإنفاق، وخفضت الوظائف، وتفكر في بيع بعض الأصول لأنها تتطلع إلى توفير المال لدفع مدفوعات المساهمين.
على الرغم من هذه الجهود، فقد ارتفع معدل المديونية -وهو مقياس للدين كنسبة مئوية من حقوق الملكية- إلى 21.8%، فوق النطاق المستهدف من 5% إلى 15%.
وارتفع الدين أيضاً لأن الشركة اقترضت لتسديد صفقة استحواذ بقيمة 69 مليار دولار على الشركة السعودية للصناعات الأساسية، وهي شركة لتصنيع الكيماويات، في وقت سابق من هذا العام.
وقد تحتاج أرامكو إلى اللجوء إلى سوق السندات مرة أخرى، بالنظر إلى حجم تلك الالتزامات، وفقاً لـ Bloomberg Intelligence.
وساعد التعهد بتوزيع الأرباح على دعم أسهم أرامكو، التي ارتفعت بنسبة 0.7% هذا العام، في حين انخفضت أسهم المنافسين مثل BP Plc و Royal Dutch Shell Plc بأكثر من 40%.
ومع ذلك، فإن اعتماد المملكة العربية السعودية على أرامكو لدعم احتياجاتها المالية سيؤثر على الميزانية العمومية للشركة و"يخاطر بوضع ضغوط متزايدة على ملفها الائتماني"، كما قال جايمين باتيل، محلل BI.
هل تغرق أرامكو في الديون بسبب الاكتتاب؟
وأثبت الطرح العام لشركة أرامكو السعودية الذي قاده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنه وضع أرامكو في دوامة الديون وسلط الضوء على عدد لا يحصى من المشاكل في المملكة للمستثمرين الدوليين، حسب ما ورد في تقرير لموقع Oil price.
والآن، تعمل الشركة على حفر نفسها في المزيد من الديون الخطيرة من خلال إصدارات السندات لمجرد دفع مدفوعات الأرباح الضخمة التي وعد بها محمد بن سلمان والتي كانت مطلوبة تماماً لإقناع أي شخص بالشراء في الاكتتاب العام الأولي.
ويرى الموقع أنه بهذا المعدل، فإن الدين الذي حصلت عليه أرامكو وعروض السندات السعودية الأخرى لدفع أرباح الأسهم سيكون أكبر بكثير من مبلغ المال الذي تم جمعه في الاكتتاب العام.
كنتيجة مباشرة لقرار محمد بن سلمان المضيّ قدماً في حرب أسعار نفط أخرى في نفس الوقت الذي كانت فيه جائحة COVID-19 تتزايد فقد تعرضت الشؤون المالية لشركة أرامكو لضربة كبيرة.
ففي النصف الأول من هذا العام، شهدت الشركة انخفاضاً بنسبة 50% في صافي الربح، وفي بداية هذا الشهر، سجلت انخفاضاً كبيراً آخر في الأرباح بنسبة 44.6% للربع الثالث، حيث انخفضت إلى 44.21 مليار ريال سعودي (11.79 دولار أمريكي (مليار ريال سعودي) مقابل 79.84 مليار ريال سعودي في الفترة نفسها من العام الماضي.
ونظراً لأن الاكتتاب العام الأولي للشركة كان يحوي أخطاء عديدة على العديد من المستويات لدرجة أنه تم تجنبه من قبل المستثمرين الغربيين، ولذا كان لا بد من نقله إلى المشترين المحلين الذين تعرضوا للتنمر أو الرشوة لشراء الأسهم.
والآن أصبحت الشركة التي تعد درة التاج السعودي مضطرة إلى دفع مدفوعات أرباح مضمونة ضخمة في المستقبل المنظور لهؤلاء المساهمين.
ويجب سداد مدفوعات الأرباح الضخمة المضمونة هذه البالغة 18.75 مليار دولار أمريكي لكل ربع أي 75 مليار دولار أمريكي لسنة كاملة.
وما حدث أن أول توزيعتين للأرباح معاً للربعين الأولين من هذا العام – 37.5 مليار دولار، فاقتا بكثير إجمالي التدفق النقدي الحر لأرامكو البالغ 21.1 مليار دولار لنفس الفترة.
في غضون ذلك، يغطي أحدث رقم للأرباح للربع الثالث 62.88% فقط من مدفوعات الأرباح، بغض النظر عن أي نفقات أو استثمارات أخرى للمشاريع الجارية أو المخطط لها التي ربما كانت أرامكو تفكر فيها. لتوضيح ذلك بشكل أكثر وضوحاً: أرباح أرامكو بالكامل للربع الثالث لا يمكن أن تغطي حتى توزيعات الأرباح التي تدين بها لنفس الربع، ولا حتى ثلثيها!
لذلك، ليس لدى أرامكو خيار سوى الاستمرار في تمويل مدفوعات الأرباح لمساهميها من خلال تحمل المزيد من الديون، في تناقض مباشر مع ما قاله الأمير محمد بن سلمان بأن اكتتاب أرامكو سيؤدي إلى تدفق أموال جديدة لاقتصاد المملكة.