بريطانيا لديها قوات وقواعد عسكرية في 15 موقعاً في السعودية و16 موقعاً في سلطنة عمان، وإجمالاً توجد 23 قاعدة عسكرية بريطانية في منطقة الشرق الأوسط وتواجد كثيف في الدول العربية، فهل تحن المملكة المتحدة لإرثها الإمبراطوري؟
قواعد وقوات في أنحاء المنطقة
المعلومات المفصلة بشأن التواجد العسكري البريطاني في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم أيضاً كشفها تقرير صادر عن Declassified وهي مؤسسة متخصصة في الصحافة الاستقصائية ومقرها لندن تركز على أنشطة المملكة المتحدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والتواجد العسكري.
ويتراوح الوجود العسكري البريطاني حول العالم بين القواعد الخالصة وعددها 23 قاعدة إلى استغلال 41 قاعدة أخرى إلى وجود عسكريين بريطانيين في سفارات أو مواقع غير بريطانية كوجود ملحقين عسكريين في السفارة الأمريكية في القدس المحتلة.
موقع Middleeasteye البريطاني نشر تقريراً حول التواجد العسكري البريطاني في الشرق الأوسط، ذكر أن الملحقين العسكريين يساعدان مارك شووارتز المنسق الأمني الأمريكي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية رغم أن شووارتز يستخدم السفارة الأمريكية كمقر له رغم المعارضة الدولية لقرار إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس.
وتقول الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون إن الملحقين العسكريين يقدمان المساعدة إضافة لعملهما الدائم في الضفة الغربية، وإنها لا تقدم أي مساعدات مالية لعمل المنسق الأمني.
وبعيداً عن التناقض في الموقف البريطاني بشأن التواجد في سفارة أمريكا لدى تل أبيب في القدس، كشف التقرير عن وجود عسكري بريطاني في أكثر من 140 قاعدة عسكرية في 42 دولة حول العالم.
بريطانيا ترفع الإنفاق العسكري
اللافت أنه رغم تأثير جائحة كورونا السلبي على الاقتصاد البريطاني – شأنه في ذلك شأن غالبية دول العالم – أعلن جونسون الأسبوع الماضي عن زيادة الإنفاق العسكري للمملكة المتحدة بقيمة 22 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، أي زيادة بنسبة 10%.
وقد أثار قرار جونسون زيادة الإنفاق العسكري جدلاً أدى لاستقالة بعض مستشاريه، فالجدل كان قد بدأ قبل عدة أشهر مع انطلاق مراجعة مطولة لمستقبل استراتيجية المملكة المتحدة العسكرية وسياستها الخارجية بعد مغادرة الاتحادة الأوروبي، ولاحظ كثير من المعلقين أن تعهد جونسون بتكريس المزيد من المليارات للجيش البريطاني لم يكشف عن تفاصيل أوجه إنفاق تلك الأموال.
لكن ما يبدو مؤكداً هو أن تلك الزيادة في الإنفاق العسكري سوف تؤدي إلى تواجد عسكري بريطاني حول العالم أكبر حتى مما كشف عنه تقرير Declassified الأخير الذي اعتمد على محاضر المناقشات البرلمانية والبيانات العامة ومصادر أخرى للمعلومات بموجب قانون حرية المعلومات في البلاد، وكان التركيز أكثر على التواجد العسكري البريطاني في الشرق الأوسط.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تحديد جميع مواقع التواجد العسكري البريطاني حول العالم ونشرها، ومنها وجود عسكريين بريطانيين في 15 موقعاً عسكرياً رئيسياً في المملكة العربية السعودية. وفي العاصمة الرياض تنتشر قوات مسلحة بريطانية في ستة مواقع رئيسية منها مركز العمليات الجوية، حيث يراقب ضباط سلاح الجو الملكي البريطاني وربما يساعدون أيضاً في الهجمات التي يشنها التحالف السعودي على اليمن.
وهذا الاكتشاف يمثل إحراجاً جديداً للحكومة البريطانية المتهمة بمواصلة إمداد السعودية بأسلحة ومعدات عسكرية تستخدم في اليمن رغم صدور قرار من محكمة الاستئناف في لندن بحظر مثل تلك المبيعات، حيث أظهرت تقارير سابقة أن مبيعات الأسلحة البريطانية العام الماضي قد ارتفعت بنسبة أكثر من 300% مقارنة بعام 2018.
وبالإضافة لهؤلاء الضباط في مركز العمليات الجوية، يتواجد أيضاً عسكريون بريطانيون يخدمون في قاعدة الملك فهد في الطائف وقاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط قرب الحدود مع اليمن، وقاعدة الملك فيصل في تبوك.
وتوجد قوات بريطانية أيضاً في قطر والإمارات والأردن والكويت والعراق، وتستخدم القوات الجوية البريطانية قاعدة المنهاد الجوية في أبوظبي وقاعدة العديد الجوية في قطر، حيث يقوم فريق مشترك من الطيارين البريطانيين والقطريين بتشغيل سرب من طائرات تايفون المقاتلة، متمركز في قاعدة لسلاح الجو البريطاني في لانكشاير شرق إنجلترا، وتمويل القاعدة مشترك بين لندن والدوحة، لكن الحكومة البريطانية ترفض الإفصاح عن عدد الطيارين القطريين فيها.
عمان وجيبوتي وسوريا
التقرير كشف أيضاً عن وجود 17 منشأة عسكرية منفصلة في قبرص وتواجد عسكري بريطاني في جيبوتي، ورجح التقرير أن تكون طائرات سلاح الجو المتمركزة في قبرص مخصصة للإمداد والتموين للقوات البريطانية الخاصة المتواجدة على الأراضي السورية، رغم عدم الإفصاح عن أماكن تواجد تلك القوات بالتحديد.
وفي عمان تتواجد أيضاً قوات بريطانية في قاعدة بحرية وساحة للتدريب على تشغيل الدبابات وعشرات الجنود "المعارين" للقوات المسلحة العمانية.
كما كشف التقرير عن وجود قواعد ومنشآت عسكرية بريطانية في سنغافورة وبروناي وأستراليا ونيبال وباكستان، إضافة إلى ست دول أوروبية منها إستونيا والتشيك إضافة إلى كينيا وبيليز (هندوراس البريطانية) وكندا.
وإجمالاً تمتلك المملكة المتحدة 16 قاعدة عسكرية حول العالم، وهو ما يجعلها تحتل المركز الثاني عالمياً خلف الولايات المتحدة في عدد قواعدها العسكرية خارج الحدود، لكن التقرير الأخير كشف عن تواجد عسكري بريطاني أوسع كثيراً من تلك القواعد الـ16.
ويتزامن الكشف عن هذا التواجد العسكري، والتركيز في منطقة الشرق الأوسط، مع مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي وأيضاً خطط زيادة الإنفاق العسكري بأكثر من 10%، فهل تحن بريطانيا لأيامها الاستعمارية التي كانت تسمى خلالها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؟