اللقاء الذي زعمت وسائل إعلام ووزير إسرائيلي أنه جمع نتنياهو ومحمد بن سلمان وبومبيو في مدينة نيوم نفته السعودية، وصمتت بشأنه الخارجية الأمريكية، وقال عنه رئيس وزراء إسرائيل "لا تعليق"، والسؤال لماذا لم يعلق نتنياهو؟
ماذا يعني لقاء نتنياهو وبن سلمان؟
قبل التوقف عند سؤال هل تم اللقاء بالفعل أم لم يتم؟ لابد من الإشارة إلى ما يمثله اجتماع نتنياهو وولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان من أهمية بالغة لإسرائيل بشكل عام ولنتنياهو بشكل خاص.
أهمية اللقاء جاءت على لسان وزير التعليم الإسرائيلي يؤاف غالانت في حديثه للإذاعة الإسرائيلية الإثنين 23 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث قال: "هذا أمر حلم به أسلافنا. الشيء الرئيسي هو القبول الحار لإسرائيل من قبل العالم السني وإزالة العملية العدائية برمتها. بدأ يظهر محور يضم إسرائيل والولايات المتحدة وكل من يشارك في مواجهة التطرف الشيعي الإيراني. مجرد عقد الاجتماع وإعلانه، حتى لو كان شبه رسمي، أمر مهم للغاية".
حديث الوزير الإسرائيلي جاء تعليقاَ على خبر عقد لقاء ثلاثي ضم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونتنياهو ومحمد بن سلمان في مدينة نيوم السعودية مساء الأحد 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، ومن هذه الوسائل هيئة البث الرسمية وصحيفة "هآرتس" وموقع "واللا"، نقلاً عن مصدر إسرائيلي لم تحدد اسمه.
الأنباء بشأن اللقاء انتشرت بسرعة البرق وتناولتها وسائل الإعلام حول العالم وليس في الشرق الأوسط فقط، ونشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تقريراً بعنوان "السعودية تنفي عقد ولي العهد لقاء سرياً مع نتنياهو"، ونقلت عن كبيرة مراسليها الدوليين ليز دوسيت المتواجدة في العاصمة السعودية قولها إن كبار المسؤولين السعوديين نفوا "تلك القصة الحساسة للغاية" تماماً.
وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قد نشر، بعد ساعات طويلة من انتشار قصة اللقاء السري بين نتنياهو وولي العهد، تغريدة باللغة الإنجليزية قال فيها: "اطلعت على تقارير صحفية عن لقاء مزعوم بين سمو ولي العهد (محمد بن سلمان) ومسؤولين إسرائيليين خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. لم يحدث مثل هذا الاجتماع، كان المسؤولون الوحيدون الحاضرون أمريكيين وسعوديين".
لماذا رفض نتنياهو التعليق؟
الجدل المحيط باللقاء والنفي السعودي له، والذي خلا من التعليق على زيارة نتنياهو ورئيس جهاز الموساد للمملكة، يعكس مدى حساسية القضية برمتها وانعكاساتها على المسرح السياسي في الرياض وتل أبيب والشرق الأوسط ككل، فعلى الرغم من ترحيب السعودية باتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل وفتح المملكة أجواءها أمام الطائرات الإسرائيلية، يبدو أن هناك معارضة من جانب الملك سلمان بن عبدالعزيز لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، عكس رغبة ولي العهد.
وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريراً حول القصة بعنوان "تقارير إسرائيلية تقول إن نتنياهو قابل ولي العهد. السعوديون ينفون"، رصد جوانب القصة من تل أبيب والرياض وواشنطن، وبصفة خاصة أسباب رفض نتنياهو "التعليق" على اللقاء مع محمد بن سلمان.
فعلى الرغم من رفض نتنياهو التعليق، كان الصحفيون المقربون منه هم أول من سرب القصة للإعلام، كما أن مواقع مراقبة حركة الطيران وثقت رحلة طائرة بالفعل من تل أبيب للسعودية، إضافة إلى احتفاء ثلاثة مسؤولين مقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بأهمية اللقاء ومدى رمزيته، في تأكيد مبطن لحدوث اللقاء مع ولي العهد بالفعل، بحسن تقرير نيويورك تايمز.
وتعكس التقارير المتناقضة بشأن اللقاء التناقض بين أولويات أطرافه، فإسرائيل وإدارة ترامب يروجون منذ أشهر لقرب توقيع اتفاق التطبيع بين الرياض وتل أبيب وأن القصة مسألة وقت فقط، بينما يصر الجانب السعودي، وخصوصاً بيانات الملك سلمان على ضرورة توقيع اتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني أولاً.
أما نتنياهو، الذي عادة ما تتهمه المعارضة بتسريبه تقارير عن مثل هذه اللقاءات التي تتم في الخفاء بغرض تحقيق مكاسب سياسية، فلديه أسباب قوية للاحتفاء بأي خطوات ملموسة على مسار بناء علاقات مع السعودية، فهو يرغب في تحسين صورته داخلياً والظهور كزعيم يمكنه تحويل أعداء إسرائيل إلى أصدقاء لتحويل الأنظار عن الاتهامات بالفساد التي يواجهها.
وفي هذا السياق، يعيد الجدل الدائر حالياً بشأن اللقاء واقعة مشابهة في يونيو/حزيران الماضي عندما أعلن نتنياهو عن شراكة جديدة مع دولة الإمارات بغرض مواجهة فيروس كورونا معتبراً ذلك نقلة جوهرية في العلاقات مع أبوظبي، لكن الإمارات نفت ما أعلنه نتنياهو، وقال محللون وقتها إن نتنياهو "تسرع" بإعلانه عن الاتفاق وهو ما أجبر الإمارات على التراجع.
ورغم الإحراج المؤقت الذي تعرض له نتنياهو وقتها، لم يتأذّ نتنياهو سياسياً ولم تتأثر علاقة تل أبيب وأبوظبي دبلوماسياً، كما اتضح بعد نحو شهرين حين تم الإعلان عن الاتفاق على تطبيع العلاقات بين الجانبين، وبالطبع سيكون توقيع اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية انتصاراً أكبر بكثير لنتنياهو، وقد يكون قرر التأني هذه المرة حتى لا تحدث انتكاسة تؤخر الإعلان الرسمي أكثر، أو بمعنى أوضح يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد استوعب الدرس.
الحسابات بالنسبة لولي العهد السعودي مختلفة بالطبع، حيث أخبر بومبيو والوفد الأمريكي المرافق له أنه، أي محمد بن سلمان، لا يعتبر إسرائيل عدواً، ولكن إقامة علاقات رسمية معها بشكل متسرع يمكن أن يصب في صالح المتطرفين ويستغل ضده في منطقة لا تزال إسرائيل فيها دولة مكروهة، بحسب تقرير نيويورك تايمز.