ما هي تداعيات جائحة كورونا على اقتصاد الخليج؟ وهل سيُسهم اللقاح في تدارك خسائره؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/24 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/24 الساعة 09:34 بتوقيت غرينتش
لماذا اضطربت أسعار الصرف الثابتة المرتبطة بالدولار في دول الخليج؟/ الصورة: رويترز

شهدت اقتصادات دول الخليج حالةً من التراجع الكبير منذ بداية انتشار وباء كورونا بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً، نتيجة توقف الإنتاج العالمي وبالتالي تراجع الطلب على النفط، ما أثّر بالسلب على النشاط الاقتصادي بسبب تداعيات جائحة كورونا على اقتصاد الخليج لاسيما في الدول التي تعمتد اعتماداً شبه كلي على إيرادات النفط.

وتوقعت وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني، أن ترتفع ديون حكومات دول الخليج برقم قياسي يبلغ حوالي 100 مليار دولار هذا العام فقط، في ظل تنامي متطلبات التمويل بسبب أزمة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.

وتُمثل الإيرادات النفطية تقريباً ثلثي الإيرادات في الموازنة السعودية، بينما تمثل نحو 95% من إيرادات أبوظبي و95% من إيرادات الموازنة الكويتية.

وفي البحرين، تسهم الإيرادات النفطية بـ78.3% من إيرادات الموازنة، وفي سلطنة عمان يُسهم النفط بـ70% من الإيرادات المتوقعة، بينما في قطر تسهم إيرادات النفط والغاز بنسبة 76% من إجمالي الإيرادات العامة.

ما تداعيات تراجع أسعار النفط على ميزانيات الدول الست؟

توقعت وكالة ستاندرد آند بورز الأمريكية، أن تُراكم دول الخليج الغنية بالطاقة عجزاً بقيمة 490 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة، بسبب انخفاض أسعار النفط وتأثير فيروس كورونا.

كما تنبأت الوكالة أن يبلغ العجز في موازنات دول مجلس التعاون الخليجي نحو 180 مليار دولار هذا العام فقط.

فالسعودية من المفترض أن يرتفع عجز ميزانيتها إلى 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام من 4.5% في 2019، وهو ما يعكس تراجعاً 33% في عائدات النفط، وانخفاضاً 5% في العائدات غير النفطية، وزيادة بنسبة 1% في الإنفاق، مقارنة بالعام الماضي، على أن يشهد اقتصاد البلاد انكماشاً بنحو 5.2%، وفقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني.

أكثر من مليون عامل سيخسرون وظائفهم.. المصريون العائدون من الخليج يُواجهون مصيراً اقتصادياً مجهولاً، تعبيرية/ رويترز

وتشير بيانات الميزانية التقديرية لعام 2021 الصادر عن وزارة المالية السعودية، إلى عجز متوقع بقيمة 145 مليار ريال، مقابل 298 مليار ريال (79.4 مليار دولار) في موازنة 2020، ليتراجع بنحو 51.3% أو ما يعادل 153 مليار ريال.

وتوقعت الوزارة أن يبلغ إجمالي الدين العام للمملكة 941 مليار ريال (250.9 مليار دولار) في نهاية 2021، مقابل 854 مليار ريال (227.7 مليار دولار) في 2020.

بينما اعتمدت حكومة البحرين الموازنة العامة للسنة المالية 2021، بعجز كلي 1.276 مليار دينار (3.4 مليار دولار)، ما يعني ارتفاع العجز الكلي بموازنة البحرين خلال العام المقبل بنسبة 99.8% عن المقدر بالعام 2020 عند 708 ملايين دينار (1.88 مليار دولار)، ويأتي هذا العجز الكبير رغم التزام الحكومة بخفض النفقات الحكومية بنسبة 30% خلال العام القادم.

وأظهرت بيانات حكومية أن اقتصاد البحرين انكمش 8.9% على أساس سنوي في الربع الثاني من العام، وتراجعت أنشطة الفنادق والمطاعم 61.3%، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ويتوقع صندوق النقد أن ينكمش اقتصاد البحرين 4.1% هذا العام. 

الكويت، من المتوقع لها أن تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عجز ميزانيتها خلال عام 2020-2021، يقدر بـ14 مليار دينار (46 مليار دولار) أي بنسبة 150% مقابل 5.6 مليار دينار خلال عام 2019-2020، رغم خفض مصروفات الميزانية بمقدار 945 مليون دينار (3.1 مليار دولار).

وتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير حديث بعنوان "آفاق الاقتصاد العالمي" انكماش الناتج المحلي الاجمالي للكويت خلال عام 2020 بنسبة 8.1%، نتيجة للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة كورونا.

الإمارات، أقر مجلس الوزراء بها ميزانية اتحاديةً أصغر حجماً للعام 2021، بواقع 58 مليار درهم (15.8 مليار دولار)، عن سابقتها لعام 2020، والتي بلغت نحو 61.35 مليار درهم (16.7 مليار دولار). 

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد اقتصاد الإمارات انكماشاً هذا العام نسبته 6.6%، وأن يعود لنسبة نمو متواضعة بنحو 1.3% في العام المقبل.

قطر شهدت عجزاً في موازنتها خلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ نحو 1.5 مليار ريال قطري (نحو 412 مليون دولار)، والتي كان من المتوقع أن تحقق فائضاً يبلغ نحو 500 مليون ريال قطري (137.3 مليون دولار) خلال هذا العام، وكانت قد حققت الدولة الخليجية فائضاً في موازنة 2019 يقدر بـ4.3 مليار ريال (1.19 مليار دولار).

وأكد صندوق النقد الدولي أن دولة قطر تعتبر أقل دول الخليج من حيث انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2020، متوقعاً أن يشهد الاقتصاد القطري انكماشاً نسبته 4.5%.

سلطنة عمان، بلغ حجم العجز الميزاني بها خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 26 مليون دولار، وعملت خلال شهر أبريل/نيسان على خفض الإنفاق العام بواقع (1.301 مليار دولار)، مع الإشاره إلى أنها أقرت موازنتها للعام الجاري بقيمة 62 مليار دولار عند متوسط سعر النفط لـ58 دولاراً للبرميل، في حين أن سعر البرميل هذا العام تراوح بين 29 دولاراً و44 دولاراً. 

وكشفت تقديرات صندوق النقد الدولي أن العجز المالي للسلطنة قد يصل إلى 16.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع عجز 7% في العام الماضي، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن ينكمش اقتصاد عُمان بنسبة %10 هذا العام.

ما هو تأثير كورونا على الاستثمارات الخليجية؟

توقعت وكالة موديز لخدمات المستثمرين الأمريكية أن ينكمش الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي، بنسبة تتراوح بين 3.5% و5% في 2020.

كما تراجعت القيمة السوقية الإجمالية للبورصات الخليجية بنسبة 4%، أي ما يعادل 136 مليار دولار لتصل إلى نحو 2.8 تريليون دولار خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي فقط، بينما بلغ إجمالي الخسائر خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 293 مليار دولار. 

وفي قطاع الطيران بلغت الخسائر الأولية لشركات الطيران الخليجية نحو 16.39 مليار دولار، وجاءت السعودية في المقدمة بخسائر بلغت نحو 7.5 مليار دولار، تليها الإمارات بحجم خسائر بلغت نحو 4.17 مليار دولار، بينما جاءت في المرتبة الثالثة قطر بخسائر بلغت نحو 1.92 مليار دولار، لتتبعها دولة الكويت بخسائر تبلغ نحو 1.6 مليار دولار، وأخيراً سلطنة عمان والبحرين بخسائر بلغت 520 مليون دولار و500 مليون دولار على نفس الترتيب.

كما توقع معهد التمويل الدولي تراجع احتياطي النقد الأجنبي المجمع لدول مجلس التعاون الخليجي الست بمقدار 133 مليار دولار خلال العام الحالي، ليبلغ إجمالي قيمة الأصول الأجنبية العامة في هذه الدول 2.6 تريليون دولار. 

وأشار تقرير لمجلة ميد، أن المقاولين في دول مجلس التعاون قد يخسرون حوالي 65 مليار دولار إذا استمرت أزمة الإغلاق بسبب كورونا حتى نهاية عام 2020، وبالتالي فإن تأثيره سيكون على الإيرادات هائلاً بانخفاض بنحو 45%.

فقد مئات آلاف الأجانب وظائفهم في دول الخليج خلال أزمة كورونا، تعبيرية/ رويترز

وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت شركة إعمار العقارية الإماراتية، قبل أيام، تراجع أرباحها بنسبة 48% بواقع 2.22 مليار درهم إماراتي في الأشهر التسعة الأولى من 2020، مقارنة مع الفترة المناظرة من 2019.

وفي الـ30 من سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت الشركة الإماراتية "أرابتك" القابضة تصفيتها وإفلاسها، بعد أن تعرضت لموجات متتالية من الخسائر خلال الآونة الأخيرة، حيث سجلت خلال الأشهر الست الأولى من هذا العام 2020 خسائر قدرها 794 مليون درهم (216.3 مليون دولار) ليصل إجمالي خسائرها المتراكمة إلى 1.45 مليار درهم، ما يشكل 97.2% من رأسمالها البالغ 1.5 مليار درهم.

كما شهدت الشركات الأخرى خسائر فادحة، فعلى سبيل المثال سجلت الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، صافي خسائر بقيمة 2.18 مليار ريال (582 مليون دولار) خلال التسعة أشهر الأولى 2020، على أساس سنوي، وسط انخفاض أسعار بيع المنتجات.

وتراجعت أرباح 146 شركة كويتية، بنسبة 64% على أساس سنوي، خلال التسعة أشهر المنتهية في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى 580 مليون دينار (1.9 مليار دولار) مقابل أرباح بلغت 1.6 مليار دينار (5.3 مليار دولار) بالفترة المماثلة من 2019.

قمة التعاون الخليجي بالرياض/رويترز

ولم تتوقف تلك الخسائر عند هذا الحد، بل اتجهت العديد من الشركات الخليجية سواء الكبيرة منها أو الصغيرة إلى تسريح وتخفيض رواتب العمالة، في محاولة لوقف نزيف تلك الشركات وتقليص نشاطاتها للحفاظ على وجودها بالأساس.

فحذّرت شركة "الاتحاد للطيران" الإماراتية طياريها من عمليات تسريح اضطرارية فورية، في ظل عدم تعافي الطلب على السفر على النحو المتوقع.

وقالت الناقلة الوطنية لإمارة أبوظبي في رسالة وجهتها إلى موظفيها: إن "الحقيقة القاسية هي أنه على الرغم من كل الآمال فإن قطاعنا ببساطة لا يتعافى بسرعة كافية"، مضيفة: "سنظل شركة طيران أصغر بكثير لبعض الوقت". 

كما ذكرت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة، أن مجموعة بن لادن السعودية (العاملة في قطاع البناء والتشييد) خفضت آلاف الوظائف وقلصت رواتب موظفيها بنسبة 30 و70%.

وطال التسريح العديد من الشركات الكويتية الخاصة أيضاً، مثل مجموعة "الشايع"، التي أبلغت موظفيها، في منتصف أبريل/نيسان الماضي، أنها أنهت خدماتهم في جميع العلامات التجارية التابعة لها في الوقت الراهن.

لم تسلم الشركات القطرية أيضاً، فعلى سبيل المثال تحدث الرئيس التنفيذي للخطوط القطرية، أكبر الباكر، في مقابلة تلفزيونية مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أنه سيتعين على الشركة خفض نحو 20% من قوتها العاملة.

كما تضررت قطاعات كبيرة في القطاع الخاص بعموم دول الخليج من قرار الغلق، مثل المقاهي والصالونات النسائية والرجالية والمجمعات الترفيهية ومراكز صيانة السيارات ومحال بيع الملابس التي تعمل بها العمالة الوافدة ذات الأجور المتدنية، وهو ما دفع السلطات لتخفيف القيود لإنعاش الاقتصاد مجدداً.

ماذا بعد اكتشاف لقاح كورونا؟

استبعدت وكالة الطاقة الدولية أن يعزز التوصل للقاحات لكوفيد-19 بشكل كبير الطلب على النفط قبل منتصف العام المقبل، مضيفة أن "ضعف الطلب وارتفاع الإنتاج في بعض الدول يشيران إلى أن العوامل الأساسية للسوق ضعيفة". 

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قالت شركة صناعة الأدوية "فايزر" إن نظرة مبكرة على البيانات من لقاح فيروس كورونا التابع لها، تظهر أنه فعال بنسبة تزيد عن 90%.

وعلى الرغم من ذلك خفضت منظمة "أوبك" في تقريرها الشهري، الصادر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، توقعاتها لنمو الطلب العالمي للنفط خلال العام المقبل، إلى 6.25 مليون برميل يومياً، من نمو 6.54 مليون برميل يومياً بالتقديرات السابقة.

وأظهر التقرير أن توقعات النمو الاقتصادي العالمي تستمر في إظهار انكماش بنسبة 4.3% لعام 2020، في حين تم تعديل توقعات 2021 نزولاً إلى نمو بنسبة 4.4%، انخفاضاً من 4.5% المتوقعة في الشهر الماضي.

ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي، أحمد القاروط، أنه "في المستوى القريب خزنت معظم الدول الكثير من النفط، وهو سيكفيها لسنوات في بعض الحالات بمستويات الاستهلاك الحالية، ما يعني أنه لن يكون هناك تحسن في أسواق الطاقة"، وذلك خلال حديثه مع موقع الخليج أونلاين.

الكساد والانهيار قادمان.. البنك الدولي يحذر: دول الخليج ستعاني بسبب كورونا

وأضاف القاروط أنه "من الآن حتى 2021 لن يتغير الطلب على الطاقة بشكل جوهري أو كبير، ولكن يمكن مع نهاية السنة ونجاح اللقاح المضاد لكورونا وعدم انتشار موجات جديدة من الفيروس أن يعود الطلب على الطاقة، في النصف الثاني من عام 2021، ولكن ليس كما كان سابقاً".

ولفت إلى أن "الكثير من الدول المنتجة للنفط تأثرت اقتصاداتها بشكل كبير؛ مثل السعودية، التي لن تستطيع أن تحافظ على البيع بسعر مرتفع للخام، وستبيع بسعر منخفض للمحافظة على عوائد أكبر"، مشيراً إلى أن السبيل الوحيد أمام دول الخليج للحصول الانتعاش الاقتصادي هو العودة إلى الإنفاق الحكومي على المشاريع، "وهذا لن يحصل في الفترة الحالية ولا في الفترة المستقبلية؛ لأن هذه الدول كانت تبحث عن تنويع مصادرها المالية".

تحميل المزيد