جاءت زيارة نتنياهو للسعودية التي نفتها المملكة لتحدث صدمة جديدة في الشرق الأوسط، وتثير تساؤلات حول المدى الذي سيصل إليه التطبيع السعودي مع إٍسرائيل في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن ومع خروج راعي هذا التطبيع دونالد ترامب من البيت الأبيض.
ونقلت قناة العربية، عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان نفيه حدوث اجتماع مع مسؤولين إسرائيليين.
تفاصيل زيارة نتنياهو للسعودية
وكانت وكالة "رويترز"، قد ذكرت في وقت سابق من اليوم، أن "وزيراً في الحكومة الإسرائيلية أكد زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للسعودية وعقد الاجتماع في منطقة نيوم بشمال غرب السعودية".
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أفادت بأنه "أثناء لقاء وليّ عهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في السعودية، توجهت رحلتان سريتان من إسرائيل إلى السعودية"، مبينةً أن "الطائرة التي أقلعت بالأمس من مطار بن غوريون ومكثت 4 ساعات".
وكشفت أن "نتنياهو وبرفقته رئيس الموساد كانا على متن الطائرة"، مشيرة الى أن "نتنياهو التقى بن سلمان وبومبيو في السعودية يوم الأحد".
إلى أين وصل التطبيع السعودي مع إٍسرائيل؟
وحسب تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية فإن الرحلة التي قام بها نتنياهو إلى السعودية يوم الأحد الـ23 من نوفمبر/تشرين الثاني أظهرت الزخم الذي اكتسبته العلاقات السعودية-الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب. وهي زيارةٌ مهمة لعددٍ من الأسباب، منها التحالفات الإقليمية والروابط الاقتصادية والأمنية التي تزدهر بين إسرائيل وبين دول الخليج في أعقاب اتفاقيات إبراهيم.
غرّد مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي توباز لوك عن أن نتنياهو "يُمارس السلام". بينما كتب أميشاي شتين من هيئة البث الإسرائيلي تغريدةً صباح اليوم الإثنين 24 نوفمبر/تشرين الثاني بأن رئيس الوزراء سافر إلى السعودية من أجل لقاء ولي العهد محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
بينما غرّد بومبيو بالأمس حول "زيارته التي وصفها بالبناءة إلى ولي العهد محمد بن سلمان في نيوم اليوم. لقد قطعت الولايات المتحدة والمملكة شوطاً كبيراً منذ أرسى الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود دعائم علاقاتنا قبل 75 عاماً مضت".
بينما نقلت صحيفة Haaretz الإسرائيلية أنباء رحلة نتنياهو السرية. وتحدّث المحرر في الصحيفة آفي شارف عن رحلة طائرة رجال الأعمال غير الاعتيادية التي غادرت إسرائيل في طريقها إلى السعودية ذهاباً ثم عودة.
وجاء الاجتماع بالتزامن مع إطلاق المعارضين الحوثيين المدعومين من إيران صواريخ باليستية على منشأةٍ لأرامكو في جدة، أقصى جنوب نيوم، حيث يُعتقد أن الاجتماع قد عُقِد.
الرياض تكابد مع نكساتها الدبلوماسية
ومن هذا المنطلق، دار محور الحديث حول مستقبل السعودية. إذ كانت الرياض تتحدّث بشكلٍ متزايد عن تغيّر المناخ وتُحاول استعراض مدينة المستقبل، نيوم، التي سيتكلّف استكمال بنائها مئات المليارات من الدولارات، لكنها ستُظهر كيف يُمكن أن يصير شكل المملكة مستقبلاً.
ورغم معاناة الرياض بعض الانتكاسات الدبلوماسية على المسرح العالمي في السنوات الأخيرة، لكنّها تُحاول حصد بعض الدعم. وكان تعاونها مع الإدارة الأمريكية الحالية، ودعمها للتواصل السلمي بين البحرين والإمارات وبين إسرائيل، جزءاً من هذه الجهود. وقد كانت السعودية المُحرّك الرئيسي وراء مبادرة السلام العربية عام 2002، ودعمت مفهوم السلام والتطبيع مع إسرائيل شريطة إقامة دولةٍ فلسطينية. لذا فهي لا تُريد أن تحنث بهذا الوعد.
لكن الإمارات تزعم أن السلام ساعد في وقف جهود الضم الإسرائيلية. وقد أكد السفير الإماراتي إلى أمريكا يوسف العتيبة، والمتحدثة باسم وزارة الخارجية الإماراتية هند العتيبة، هذه النقطة مؤخراً.
ويستثمر الإماراتيون والبحرينيون بشدة في مبادرات التعايش السلمي والحوار بين الأديان، بينما يُسارع الإسرائيليون إلى تبنّي تلك المبادرات. في حين كانت السعودية، الأكبر من البلدين والقوة العظمى في العالم الإسلامي، أكثر حذراً. لكنها تمتلك في الوقت ذاته نفس الأجندة أثناء حديثها عن الإصلاح والتغيير.
محور جديد يشمل الهند وإسرائيل واليونان
ورغم ذلك، تُواجه السعودية بعض التحديات على الصعيد الخارجي. إذ تتعرّض للانتقاد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة.
وفي أعقاب قطع العلاقات مع قطر عام 2017، باتت السعودية تحاول تعزيز علاقتها مع عدد من الدول التي كانت غالباً الرياض تنتقد سياستها تجاه المسلمين سابقاً، وتحديداً الهند وإسرائيل.
وأسفر ذلك عن تعاونٍ أكثر وضوحاً بين السعودية ومصر، إلى جانب الإمارات والبحرين والهند والأردن واليونان وإسرائيل. ويأتي تحالف هذه الدول على المقابل من التحالف الإيراني الذي يشمل وكلاء في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والتحالف القطري التركي الذي يشمل حركة حماس.
وتتعاون هذه الدول على جانبي الصراع في اليمن والعراق ولبنان، حيث تدعم الرياض السنة في لبنان والعراق مثلاً، ولكن يتعيّن عليها التغلّب على قلبها وعقلها في ما يتعلّق بالمواجهة مع تركيا. وهذا صراعٌ عالمي يشمل أيضاً باكستان وماليزيا. كما يتضمّن إسرائيل.
ماذا ستفعل السعودية مع قدوم بايدن وماذا عن إشارات الملك سلمان الإيجابية تجاه تركيا؟
لهذا السبب تُعتبر زيارة بومبيو في أعقاب لقاء طالبان بأفغانستان، واستضافة السعودية قمة مجموعة العشرين، وإطلاق الصاروخ الحوثي، وتقارير زيارة نتنياهو جميعها جزءاً من الخبر نفسه. إذ يبدو أن السعودية تتحرّك في اتجاه السلام مع إسرائيل. ما من شأنه أن يفتح الكثير من الأبواب المغلقة. ولكن لا تزال هناك العديد من التساؤلات في الرياض حول ما سيتغيّر تحت إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن العام المقبل.
إذ كان بايدن من منتقدي السعودية وتركيا على حد سواء، حيث ينتقد المعلقون الأمريكيون الحرب التي تقودها الرياض ضد الحوثيين في اليمن. وتنتقد كبرى المؤسسات الفكرية الأمريكية المملكة.
لكن يبدو أن الرياض وأنقرة كانتا على وفاقٍ أفضل خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة.
واتفق الملك سلمان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة العشرين التي ترأستها السعودية على حل الخلافات بين البلدين بالحوار.
كما قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إن الرياض "لديها علاقات طيبة ورائعة" مع تركيا و"لا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية".
وقبل أسبوعين أمر ملك السعودية بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى تركيا لصالح المتضررين من الزلزال الذي ضرب البلاد.
ويتساءل الكثيرون حول الخطوة التالية، حيث يُمكن أن تشمل القائمة إقامة علاقات أوثق بين السعودية وإسرائيل. إذ كانت السعودية أكثر مرونةً بشأن الرحلات الجوية، وأكثر دعماً علنياً لاتفاقيات إبراهيم. وهناك دورٌ يُمكن أن تُؤديه إسرائيل في ما يتعلّق بالاقتصاد السعودي ومدنٍ مثل نيوم حال وجود تطبيع. كما قد يعني ذلك إعادة ترتيب الأوراق في عددٍ من القضايا من العراق وحتى لبنان.
وتقول الصحيفة الإسرائيلية: "سنشهد خلال الأسابيع المقبلة ما إذا كنا بصدد إعلانٍ جديد كبير".
ومن الواضح أنّ الرغبة في انفتاحٍ أكبر بشأن هذه النوع من الاجتماعات هو جزءٌ لا يتجزّأ من التحرّك في الاتجاه الذي مهّدته أبوظبي ونهجها في توسيع العلاقات مع إسرائيل سريعاً. إذ بدأت الرحلات الجوية في الـ26 من نوفمبر/تشرين الثاني إلى دبي مثلاً. وهذا أمرٌ رمزي برمزية طائرة رجال الأعمال التي غادرت إسرائيل في الخامسة من ظهر الأمس متجهةً إلى نيوم.
وقد ساعد ترامب في خلق مساحةٍ آمنة لهذا النوع من الاجتماعات. ولكن مع رحيله عن السلطة، سيتعيّن على هذه الدول التعاون معاً عن قرب لتُشكّل معاً المستقبل قبل تقديمه إلى بقية العالم لاحقاً، حسب الصحيفة الإسرائيلية.