في عام 1945، احتلت الجيوش السوفييتية شرق بروسيا، الذي كان جزءاً من ألمانيا منفصلاً عن بقية الرايخ منذ عام 1918 (أعيد إليها لفترة وجيزة عام 1939). وكانت هذه المنطقة، الألمانية عِرقاً، التي تضم مدينة كونيغسبرغ البروسية التاريخية، تمثل مشكلة للسوفييت. ولم يرغبوا في إعادتها إلى ألمانيا، خاصة أن مثل هذه الخطوة ستزيد التوتر مع البولنديين، ولم يرغبوا في إنشاء دولة اشتراكية ألمانية مستقلة. وقرر ستالين ببساطة ضم المنطقة وطرد السكان الألمان وإحلال الروس محلهم، وأطلق عليها اسم "كالينينغراد" والتي أصبحت اليوم رأس حربة روسيا في أوروبا. فما هي مدينة كالينينغراد؟ وما قصتها؟
ما هي مدينة كالينينغراد؟
تقع مدينة كالينينغراد في شمال غرب روسيا وهي المركز الإداري لمحافظة كالينينغراد. وهذه المنطقة فريدة من نوعها في البلاد، إذ ليس لديها أي حدود مشتركة مع المناطق الروسية الأخرى، في حين تجاورها كل من بولندا وليتوانيا ويحدها بحر البلطيق.
حتى عام 1991 كانت منطقة كالينينغراد متاخمة جغرافياً للاتحاد السوفييتي، إن لم يكن لجمهورية روسيا الاتحادية. وبعد انفصال جمهوريات البلطيق وانهيار الاتحاد السوفييتي، انفصلت كالينينغراد عن بقية روسيا، كما يقول تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
وبحسب من تعداد سكاني أجري في عام 2002، كان عدد سكان كالينينغراد 430.003، فيما يتكون تشكيلها العرقي من الروس بنسبة 77,9 ٪، و 8,0 ٪ البيلاروسيين، وأخيراً الأوكرانيين بنسبة 7,3 ٪.
وحين انضمت دول البلطيق إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أصبحت كالينينغراد منطقة معادية في عمق الحلف الغربي. وقد ترك هذا كالينينغراد في حالة من الضعف الشديد، لكنه جعل منها أيضاً تهديداً عسكرياً روسياً قاتلاً في قلب أوروبا.
ما أبرز الأسلحة التي تنشرها روسيا في مدينة كالينينغراد؟
في الآونة الأخيرة، بدأت الحكومة الروسية في تسليط الضوء علناً على نشر بعض أنظمتها العسكرية الأكثر فتكاً في كالينينغراد، التي تمثل رأس حربة موسكو في أوروبا. وتهدف هذه المنظومات إلى الدفاع عن كالينينغراد، ويمكن أن تمثل أيضاً تهديداً هجومياً خطيراً لقلب حلف الناتو.
1- منظومة S-400
منظومة S-400 مزودة بمجموعة متنوعة من الصواريخ، من صواريخ سام قصيرة المدى بطول أربعين كيلومتراً إلى صواريخ بعيدة المدى بطول أربعمائة كيلومتر. وبإمكان الصواريخ التي يبلغ مداها أربعمائة كيلومتر الوصول إلى عمق أراضي الناتو، وهو ما يجعل من شن غارة جوية لدعم العمليات الدائرة بالقرب من دول البلطيق أمراً صعباً.
وسيؤدي وجود منظومة S-400 أيضاً إلى تعقيد مساعي الهجوم على منطقة كالينينغراد، وهو ما سيجبر حلف الناتو على الاعتماد على الطائرات الشبحية، أو الأسلحة دقيقة التوجيه، أو (ربما) المدفعية التقليدية بعيدة المدى للتخلص من التهديد الذي تشكله منظومات القوات البرية الروسية والصواريخ الهجومية.
وما تزال قدرة صواريخ S-400 على تتبع وتحديد واستهداف الطائرات الشبحية الأمريكية موضع شك. غير أنه لا يوجد شك في أن منظومات S-400 يمكنها تدمير الطائرات الحربية من الجيل الرابع، ناهيك عن أساطيل الطائرات المدنية التي تعمل عادة في أوروبا الوسطى. وفي الواقع، من الناحية الهجومية، بإمكان منظومة S-400 في كالينينغراد تعطيل حركة السفر الجوي في المنطقة تماماً، على الأقل طوال مدة أي صراع.
2- صواريخ إسكندر
تعد صواريخ إسكندر-إم الباليستية عنصر الهجوم البري والبحري في دفاعات كالينينغراد بعيدة المدى. وما يزال من الصعب الحصول على معلومات دقيقة عن قدرات صواريخ إسكندر-إم، لكننا نعلم أنه بإمكانها إطلاق رؤوس حربية تقليدية أو نووية من أنواع مختلفة يصل مداها إلى أربعمائة كيلومتر (تشير بعض التقديرات إلى خمسمائة كيلومتر). وبإمكان صواريخ إسكندر المناورة خلال مرحلتها النهائية، ما يمكّنها من تفادي منظومات الدفاع الصاروخي.
وقد سبق أن أقامت الحكومة الروسية عرضاً علنياً ضخماً لنقل صواريخ إسكندر المسلحة نووياً إلى كالينينغراد، التي من شأنها تمكين موسكو من ضرب العديد من أهداف الناتو في فترة زمنية قصيرة للغاية. وسواء كانت صواريخ إسكندر مسلحة برؤوس تقليدية أو نووية، فبإمكانها تعطيل عمليات الناتو وتحركاته. وبإمكان الصواريخ النووية حصار الناتو في حالة نشوب صراع في دول البلطيق أو أي منطقة أخرى. وبإمكان هذه الصواريخ استهداف منشآت الدفاع الصاروخي الباليستي في بولندا، التي قد يؤدي تدميرها إلى زيادة خطر الهجوم الروسي على الناتو.
تفوق "مؤقت" في كالينينغراد.. كيف سيرد الناتو؟
وبغض النظر عن حجم التهديد الذي يمكن أن تشكله كالينينغراد على الناتو، فتأثيره لن يكون سوى تأثير مؤقت. فروسيا لا تملك وسائل فعالة للدفاع طويل المدى عن الأرض خارج نطاق الهجوم الذي من شأنه أن يفتح ممراً عبر أراضي الناتو. ورغم أن القوات الروسية قد تتمتع بتفوق مؤقت في دول البلطيق وشرق بولندا، فستركز قوات الناتو بلا شك على اجتياح كالينينغراد في أسرع وقت ممكن. كما سيشن الناتو هجمات إلكترونية مكثفة ومتواصلة وهجمات بالذخيرة الموجهة بدقة على المنطقة عند بدء الاشتباكات، على أمل تدمير أو تعطيل أي قدرات هجومية قبل أن تتعرض قوات الناتو للشيء نفسه.
غير أن وجود كالينينغراد (وإمكانية الوصول إليها عن طريق البحر) يمنح الحكومة الروسية الفرصة لإدارة ديناميات التصعيد السياسي مع الناتو. فحين تريد موسكو ممارسة الضغط على حكومات الناتو المتذبذبة، يمكنها أن تقدم عرضاً مذهلاً لنشر بعض الأسلحة الجديدة والمخيفة في منطقة كالينينغراد. ولكن كالينينغراد قد تصبح منطقة مزعجة تقود حلف الناتو إلى اتخاذ خطوات سياسية تهدف لزعزعة استقرارها، وإصابة موسكو بصداع هي في غنى عنه.