قبل 10 أشهر، كانت العائلة الملكية السعودية تتوقّع استضافة قمة العشرين في نهاية هذا الأسبوع، مع قناعةٍ بأنّ اجتماع قادة العالم بالرياض سيُظهر مدى تطوّر المملكة، وبالتالي ستكون القمة بمثابة فرصة لتحسين صورة ولي العهد محمد بن سلمان بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيالات من "بلطجية الدولة السعودية"، لكن تلك الآمال قد لا تتحقق، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
إذ تطلّبت جائحة فيروس كورونا عقد القمة عبر الإنترنت. ومن المرجّح ألا يكون بيان القمة طموحاً بشأن مدى وحجم إعفاءات الديون المتعلّقة بكوفيد للدول الفقيرة. كما أن الشعور بأن القمة ستُمثّل آخر عرضٍ علني لدونالد ترامب لا يُضفي عليها المزيد من الحماسة أيضاً.
توقيت حرج للسعودية
لكنها تأتي في وقتٍ حرج بالنسبة للسعودية نفسها. إذ كان ترامب حليفاً رائعاً -ومشاكساً أحياناً- لعائلة آل سعود الحاكمة، حيث اختار الرياض لتكون وجهة رحلته الخارجية الأولى عام 2017. بينما وعد جو بايدن على النقيض بمراجعة العلاقات السعودية الأمريكية، وقال إنه سيجعل من السعودية "الدولة المنبوذة التي تستحق أن تكونها".
لدرجة أنّ ديفيد رونديل، الدبلوماسي الأمريكي السابق ذا الخبرة الممتدة لـ20 عاماً في الرياض، زعم الأسبوع الجاري، أن السعودية ستعتبر أن نجاح القمة هو الحفاظ على علاقتها ببقية العالم، والتي صارت محل شك بانتخاب بايدن. إذ قال: "على السعودية أن تُثبت صحة موقفها".
وهي مشغولةٌ بفعل ذلك الآن، ويتجلّى ذلك في الجهود المضنية التي بذلتها من أجل استضافة القمة، حيث قال المسؤول عن القمة عبدالعزيز صقر، إنه قد عُقِدَ 127 اجتماعاً تمهيدياً عبر الإنترنت، شارك فيها أكاديميون ورؤساء بلديات ورجال أعمال ووزراء. وأشارت بعض التقديرات إلى انخراط نحو 17 ألف شخص في مجموعات المشاركة.
بينما اعترفت هناء المعيبد، من مركز الملك فيصل للبحوث، قائلة: "كان من المحبط بشدةٍ أن نضطر إلى عقد المؤتمر عبر الإنترنت". لكنها أضافت أن أحداث العام أثارت مشاركةً مدنية غير مسبوقة.
رسائل لبايدن
بينما استغلت أبرز دبلوماسيي البلاد، السفيرة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر آل سعود، خطاباً رئيسياً هذا الأسبوع، لتبعث برسالة إلى إدارة بايدن المقبلة. وقالت إن بلادها كانت أهم حلفاء الولايات المتحدة في الحرب ضد التشدُّد والإرهاب، وزعمت أن بعض منتقدي السعودية على النقيض "يرغبون في حرق كل ذلك". وأعادت صياغة الادعاءات بكلمات رنانة حول مشروع رؤية 2030 في البلاد، وقالت إن بلادها مجتمعٌ شامل وملتزم بالمساواة بين الجنسين.
وأردفت ريما: "يتمسّك بعض النقاد بآراء عفى عليها الزمن وانتهى أوانها عن المملكة. ونحن نُدرك أن علينا بذل جهدٍ أفضل في تصحيح النظرة غير الدقيقة والمُشوّهة عن المملكة. وحين نُواجَه بشأن حقوق الإنسان، علينا أن نشرح أن التقدُّم لا يُحرَز بين ليلةٍ وضحاها، لأن التغيير تدريجيٌّ ولا يسير في خطٍّ مُستقيم، بل على شكل منحنى. وانحناء المنحنى يأتي الآن في اتجاه المساواة".
لكن حتى تلميح شقيق السفيرة ريما، خالد بن بندر -سفير المملكة لدى بريطانيا- إلى احتمالية المطالبة بالعفو عن بعض النساء المسجونات في البلاد قبل قمة العشرين قد تم التبرُّؤ منه.
أما بالنسبة للحرب في اليمن، والتي يراها كثير من الديمقراطيين مغامرةً غير أخلاقية ولا طائل منها، فقد ألقت باللوم على الحوثيين الذين تركوا طاولة المفاوضات وأطلقوا أكثر من 300 صاروخ باليستي نحو السعودية.
وعن المنافس الكبير للسعودية، إيران، قالت إن هناك سبباً وراء رئاسة السعودية لقمة العشرين هذا العام، وإن إيران معزولة. كما أردفت أن الخريجين السعوديين يتدافعون من أجل العودة إلى الرياض، لكن طهران لا تشهد سوى العقول المهاجرة.
تحديات كبيرة لم تخفِها الدعاية السياسية السعودية
ورغم كل هذه الدعاية، وجد الدبلوماسيون السعوديون أنفسهم يُواجهون تحدياً بشأن كيفية توافق كل هذا التبني للتنوُّع والتمكين مع الواقع. وهناك تركيزٌ خاص على سجن مناصِرةِ حقوق المرأة لُجين الهذلول.
وكان بإمكان لُجين، التي أطلقت حملة من أجل حق النساء في قيادة السيارات، أن تصير رمزاً للسعودية الجديدة والمتحرِّرة. لكنها الآن تقضي يومها الـ23 في الإضراب عن الطعام. وهي معتقلةٌ دون تهم منذ مايو/أيار عام 2018، بسبب دفاعها عن حقوق المرأة.
ضغوط كبيرة على المملكة
وعلى نحوٍ مُماثل، خسرت العائلة الحاكمة بعض أصدقائها الموقّرين بعد فرض الإقامة الجبرية على ولي العهد السابق محمد بن نايف في مارس/آذار. وتُعَدُّ معاملته على يد خلفه وابن عمه محمد بن سلمان الآن موضوعاً لتحقيقٍ بواسطة لجنة مستقلة من المملكة المتحدة تحت قيادة النائب المحافظ كريسبين بلنت. وتكشف هذه المعاملة كيف أن بن سلمان، الذي احتفى به الغرب ذات يوم، صار غير قادر على الحكم، بالإجماع في عيون الساسة الغربيين.
إذ قالت وزيرة خارجية حكومة الظل ليزا ناندي، إنها تشهد "عقد نقاشات مبدئية وعميقة" من أجل مقاطعة القمة، لكنها أردفت: "أميل إلى الشعور بأنه من الأفضل الوجود داخل الغرفة للنقاش، بدلاً من الفشل في محاولة إثبات وجهة النظر خارجها".
لكنها قالت أيضاً، إنه لم يتضح بعدُ ما إذا كانت حكومة المملكة المتحدة تُشكّل التحالفات لمواجهة السعودية. إذ قالت: "ليس بوسع المملكة المتحدة السكوت عن انتهاكات حقوق الإنسان، لأن ذلك يُقوّض مكانتنا في العالم، خاصةً حين لا نكون مستعدين للحديث عن دول بعينها، مما يجعلنا غير متّسقين إخلاقياً مع تلك المكانة".
وهناك ضغوطٌ مماثلة على قادة ألمانيا وفرنسا، ويكمُن الخطر بالنسبة للسعودية في أن تركيز القمة يتمحور بالكامل حول مضيفها، وليس القضايا التي يُنتظر نقاشها.