مع استمرار المواجهات المسلحة بين القوات الفيدرالية الإثيوبية والقوات الموالية لجبهة شعب تحرير تيغراي تتصاعد المخاوف من اتساع رقعة المواجهات وتحولها إلى حرب أهلية كما حدث في ليبيا.
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "هل يمكن أن يُحوِّل صراع تيغراي إثيوبيا إلى نسخة من ليبيا في شرق إفريقيا؟"، تناول الأسئلة الأساسية الخاصة بما يجري على الأرض، وقدم لها إجابات في حدود المتاح من معلومات، في ظل التعتيم الإثيوبي على مسار المواجهات.
من هم أطراف الصراع في إثيوبيا؟
يضع الصراع قوات الحكومة الإثيوبية والميليشيات المتحالفة معها في مواجهة القوات الموالية لجبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الحاكم في منطقة تيغراي. وشن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عمليات عسكرية في تيغراي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن اتهم السلطات المحلية بمهاجمة معسكر للجيش، ومحاولة نهب الأصول العسكرية. فيما تنفي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التهمة، واتهمت آبي بتلفيق القصة لتبرير الهجوم.
أين تقع تيغراي؟
تيغراي هي منطقة جبلية، تقع في الطرف الشمالي الغربي من إثيوبيا على الحدود مع إريتريا والسودان. ويبلغ عدد سكانها 7 ملايين شخص تقريباً، من إجمالي 110 ملايين نسمة في إثيوبيا، لكن كان لهذه المنطقة دور كبير في تاريخ الدولة الحديث.
ما الذي يقوله كل طرف؟
يروي كل طرف قصة مختلفة. وباختصار تقول قيادة تيغراي إنَّ آبي أحمد مستبد عازم على جعل السلطة في الدولة مركزية، بينما تتمتع الأقاليم الإثيوبية بدرجة عالية من الحكم الذاتي تحت مظلة الدستور. وعلى الجانب الآخر يقول رئيس الوزراء وداعموه إنَّ قيادة تيغراي متشددة وتُهِدد تلاحم الدولة وترغب في انتزاع السلطة.
ويقول المحللون إنه كان من الممكن تجنب الصدام بين الطرفين. وقبل وصول آبي للسلطة في 2018، هيمنت جبهة تحرير شعب تيغراي على الحزب الحاكم طوال عقود، ودفعت بتغييرات واسعة النطاق سعياً لإعلام واقتصاد مفتوحين، لكنها أثارت أيضاً توترات إثنية.
ويشتكي قادة تيغراي من استهدافهم غير العادل بمحاكمات فساد، وإطاحتهم من المناصب العليا، ولومهم عامةً على مشكلات الدولة. وفاقم تأجيل الانتخابات الوطنية نتيجة جائحة "كوفيد-19" من النزاع، وحين صوَّت برلمانيون في العاصمة أديس أبابا بالموافقة على مد فترة ولايات المسؤولين، مضى قادة تيغراي قدماً في عقد انتخابات الأقاليم، في سبتمبر/أيلول، التي اعتبرتها حكومة آبي باطلة.
ما مدى سوء الصراع؟
في ظل حظر المراسلين من الوصول إلى منطقة الصراع وقطع الاتصالات على نطاق واسع، يصعُب معرفة ذلك. واستُخدِمَت الغارات الجوية ونيران المدفعية على نطاق واسع؛ ما أجبر عشرات الآلاف على الفرار، وأفاد الكثيرون باندلاع صدامات شرسة.
ويبدو أنَّ القوات الحكومية الإثيوبية تقطع شوطاً كبيراً مع تقدمها المزدوج على طول الطريق الرئيسي المؤدي إلى ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي، والحدود السودانية باتجاه بلدة حميرة الاستراتيجية. ووردت تقارير أيضاً عن ارتكاب كلا الجانبين فظائع بحق المدنيين.
إلى متى يمكن أن يستمر الصراع؟
قد يستمر لوقت طويل جداً. إذ يمتلك جيش الدفاع الوطني الإثيوبي 140 ألف جندي وخبرة وفيرة في القتال ضد المسلحين في الصومال والجماعات المتمردة في المناطق الحدودية، إضافة إلى عقدين من النزاع الحدودي مع إريتريا.
لكن العديد من كبار الضباط كانوا من تيغراي، ومعظم أسلحة قوة الدفاع الوطني القوية موجودة في تيغراي. إضافة إلى ذلك، يتمتع شعب تيغراي بتاريخ هائل من الإنجازات العسكرية. إذ قاد مسيرة المتمردين إلى أديس أبابا التي أطاحت الدكتاتورية الماركسية الوحشية في عام 1991، وتحمّل وطأة الحرب مع إريتريا من عام 1998 وحتى 2000، التي قُتِل خلالها مئات الآلاف من الأشخاص. وتتميز منطقتهم بتضاريس جبلية وعرة، ومن ثم فهي مثالية لحرب العصابات يضاف لها المعرفة والدعم المحليان.
ما الخطوة التالية؟
يكمن القلق الأكبر في أنَّ الصراع يزعزع استقرار إثيوبيا، التي تمزقها بالفعل توترات عرقية، وتجذب اهتمام قوى إقليمية. ويمكن أن يُلحِق أي تصعيد ضرراً كبيراً بواحدة من أكثر المناطق هشاشة في إفريقيا. إذ إنَّ إريتريا متورطة بالفعل في الصراع، فقد أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي صواريخ على العاصمة الإريترية أسمرة، وأُبلِغ عن تحركات للقوات على حدودها مع تيغراي.
ويعتقد معظم المحللين أنَّ السودان، الذي يمر بمرحلة انتقالية ديمقراطية، سيدعم آبي، لكن هناك دائماً احتمال خروج الصراع عن السيطرة، وخاصة إذا انخرطت فيه القوى في الخليج أو أبعد من ذلك، ما سيُحوِّل جزءاً من إثيوبيا أو كلها إلى نسخة من "ليبيا في شرق إفريقيا"، على حد تعبير أحد الخبراء.
هل هناك أمل في الوصول لهدنة مُتفاوَض عليها؟
ليس في الوقت الراهن. يبدو أنَّ آبي، الذي حصل على جائزة نوبل العام الماضي لإنهاء الأعمال العدائية مع إريتريا، عازم على إبعاد قيادة جبهة تحرير شعب تيغراي عن السلطة، وحتى إخراجها من تيغراي وإثيوبيا تماماً. وقال مسؤولو الحكومة الإثيوبية إنَّ التفاوض سيكون "تحفيزاً للإفلات من العقاب".