مع احتدام الصراع بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم "تيغراي" شمالي إثيوبيا، اشتعلت حرب بين الطرفين في الإقليم، بعد أن أمر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بالرد على هجوم نفذته "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" على حامية للجيش.
وتطورت الأزمة مع الحكومة الفيدرالية بعد أن أجرى الإقليم انتخابات محلية في سبتمبر/أيلول الماضي، متحدياً حكومة آبي أحمد، التي قررت تأجيل الانتخابات على مستوى البلاد؛ بسبب جائحة "كورونا".
وهيمنت "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" على الحياة السياسية في البلد الإفريقي لنحو ثلاثة عقود، قبل أن يصل آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو".
و"أورومو" هي أكبر عرقية في إثيوبيا بنسبة 34.9% من السكان، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، بينما تعد "تيغراي" ثالث أكبر عرقية بـ7.3% من السكان.
وأمر آبي أحمد، الأربعاء، بشن حملة عسكرية ضد "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، التي تمثل عرقية "تيغراي"، وتطالب بانفصال الإقليم عن إثيوبيا.
خسارة للجميع
يقول أنور إبراهيم، وهو كاتب ومحلل إثيوبي، للأناضول، إن "الحرب الحالية عبارة عن تعنت من الجانبين أكثر من كونها صراع من أجل قضية محددة، ويمكن تفادي كل ذلك، لو قدمت الجهتان تنازلاً".
ورأى أن "الحكومة الإثيوبية زادت الطين بلة بسبب تهور النظام، الذي يعتقد أن كل شيء يُحل عسكرياً، كما أن تحركات وتحديات حكومة إقليم تيجراي للحكومة الفيدرلية ستكلف الإقليم كثيراً". وتابع: "أي حرب داخلية لا يوجد فيها منتصر ومهزوم، فسيخسر الجميع، وخاصة المواطن".
تعزيزات سودانية
وإقليم تيغراي الإثيوبي مجاور لولاية كسلا السودانية (شرق)، وهو ما دفع الخرطوم، الخميس، إلى إغلاق حدود ولايتي القضارف وكسلا المجاورتين لإثيوبيا حتى إشعار آخر، في ظل القتال في تيغراي.
كما أرسلت الخرطوم تعزيزات عسكرية كبيرة إلى شرقي البلاد، على الحدود مع إريتريا وإثيوبيا، لحماية الحدود، ولمنع تدفق مقاتلين إثيوبيين إلى السودان.
وأجرى رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، الأربعاء، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإثيوبي، للاستفسار والاطمئنان على الأوضاع في إثيوبيا.
وبشأن احتمال تأثير الحرب الإثيوبية على السودان، قال إبراهيم: "هذه الحرب ستؤثر على الجميع، وحتى دول المنطقة، والسودان حتى مع إغلاق حدوده سيتأثر لا محالة، سواء انتصرت الحكومة أو الإقليم".
وأردف: "هناك دول أخرى مثل إريتريا ستتضرر أيضاً، ولابد من تحركات قوية إقليمية ودولية، خاصة من دول الإيغاد، لإيقاف هذا الاقتتال والمهزلة".
و"إيغاد" هي منظمة حكومية إفريقية شبه إقليمية، تأسست عام 1996، وتتخذ من جيبوتي مقراً لها، وتضم دول القرن الإفريقي (شرقي إفريقيا)، وهي: إثيوبيا، كينيا، أوغندا، الصومال، جيبوتي إريتريا، السودان، وجنوب السودان.
حرب لأعوام
من جانبه يقول عبدالمنعم أبو إدريس، وهو خبير في شؤون القرن الإفريقي، إن آبي أحمد قطع الطريق أمام (إيغاد) لعقد قمة تفرض الوساطة مع جبهة تحرير تيغراي، وهدد بالانسحاب من المنظمة. ورأى أبو إدريس، في حديث للأناضول، أن "موقف آبي أحمد ليس قوياً على الأرض، والحرب يمكن أن تستمر لأعوام".
وتابع: "جبهة تحرير تيغراي لديها خبرات قتالية كبيرة واستولت على رئاسة القطاع الشمالي للجيش الإثيوبي والفرقة الخامسة مدرعات، التي يقدر تسليحها بحوالي 700 دبابة، غير المركبات المدرعة".
وحول احتمال انزلاق السودان في هذا الصراع المسلح، قال إن "إريتريا ستتورط في الحرب سريعاً، أما السودان فأستبعد ذلك".
إحباط تهريب ذخائر
وأعلن الجيش السوداني، السبت، إحباط تهريب ذخائر ومخدرات كانت في طريقها إلى إحدى دول الجوار الإفريقي، بحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وقال مصدر أمني سوداني، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن الذخائر كانت في طريقها إلى إقليم تيغراي، لتغذية الصراع المسلح (من دون تفاصيل أكثر).
وذكرت الوكالة أن "استخبارات الفرقة الثانية مشاة التابعة للجيش السوداني ضبطت مجموعة من عربات الكارو (عربات تجرها حيوانات) تحمل أكثر من 95 ألف طلقة (9 مللي)، وكمية من المخدرات".
لجوء وانسحاب
أما محمد حامد جمعة نوار، وهو خبير في الشأن الإثيوبي، فقال للأناضول إن "الحسابات العسكرية معقدة في جوانبها الميدانية، نظراً لطبيعة الأرض الإثيوبية وتضاريسها، خاصة في تيغراي".
ورأى أنه "من الصعوبة عملياً أن يحقق الجيش الفيدرالي نصراً سريعاً لأسباب أهمها: قوات الأقاليم، فلكل إقليم قواته الخاصة، وهذا يجعل القوة الميدانية على الأرض في صالح الإقليم، مع وجود رمزي للجيش الفيدرالي"… "في تيغراي كانت تتواجد الفرقة الشمالية، وهي إما أُخرجت من المسرح قبل الأزمة بالاستيلاء عليها أو تخييرها بالقتال إلى جانب قوات الإقليم".
يضيف بأنه "في ظل الحرب بين إثيوبيا وإريتريا (1998 – 2000)، وقبل إبرام اتفاق السلام (يوليو/تموز 2018) وبعده، تمكن التيغراي من الحصول على تسليح مهول، يشمل مدفعية ثقيلة وصواريخ وطائرات مقاتلة ومضادات طيران ودروع". وأردف: "كما أن وجود التيغراي في الحكم طوال الفترة التي سبقت صعود آبي أحمد، أكسبهم ميزة وجود عناصر مقاتلة يتمتع أغلبهم بخبرات في الحرب".
وقال نوار إن "خيار الجيش الفيدرالي في الحرب البرية هو التقدم عبر إقليم العفر أو إقليم الأمهرا، أو النزول من إريتريا إلى إثيوبيا من اتجاه الشمال، وهذا يفتح الباب لتطور خطير".
مشيراً إلى أنه "في كل الأحوال، العملية العسكرية ستفرز عمليات تأمين وقائي قد تؤدي لعمليات أمنية في بقية الأقاليم، تحسباً لتحركات مساندة، سواء من جيوب في الأقاليم الأخرى، أو (العاصمة) أديس أبابا، وهو ما سيرفع جهد الاستنفار الأمني، وربما يقود لأخطاء ومشاكل إضافية".
وتابع: "العملية برياً وبالقصف قد تحدث عمليات نزوح إلى الداخل الإثيوبي، وقد تندلع احتكاكات إثنية أو لجوء لدول الجوار، ما يسبب تعقيدات كبيرة للسودان.. الجيش الإثيوبي متوغل نحو 12 كم داخل السودان، والحرب في تيغراي قد تدفعه لسحب قوات من الحدود مع السودان، وقد تستفيد الخرطوم بنشر جيشها إلى الأمام، وبالتالي تحصل على مساحات من أراضيها فقدتها سابقاً.. وفي كل التقديرات هذه الأزمة ستطول".
وضع سوداني مأزوم
من جهته، قال عبدالجليل سليمان، كاتب ومحلل سياسي، للأناضول، إن "السودان يعاني سيولة سياسية وأزمة اقتصادية طاحنة وهشاشة أمنية، وشرقه الممتد على الحدود الإثيوبية الإريترية لا يزال منخرطاً في صراع سياسي ذي طابع قبلي".
ومنذ 21 أغسطس/آب 2019 تحكم السودان سلطة انتقالية، حتى إجراء انتخابات في يناير/كانون الثاني 2024، وتهيمن على الفترة الانتقالية حتى الآن خلافات حادة بين القوى السياسية ونقص متجدد في سلع استهلاكية أساسية.
وتابع: "لذلك، إذا اتسع نطاق الحرب الإثيوبية، فلن يكون السودان بمنأى عنها، سيتعرض لموجات لجوء هائلة، مع إمكانية تسرب مسلحين إليه.. وسيتضاعف نشاط عصابات منطقة الشفتة، ما يمثل تهديداً حقيقياً ومباشراً للمزارعين السودانيين في منطقة الشفتة الحدودية الخصبة، التي تتعرض لهجمات متكررة من عصابات إثيوبية حتى قبل اندلاع الحرب".
وتشهد هذه المنطقة السودانية، البالغ مساحتها 251 كم، أحداث عنف بين مزارعين من الجانبين السوداني والإثيوبي، خاصة في موسم المطر، يسقط خلالها قتلى وجرحى.
يقول سليمان: "كلما ازدادت الحرب ضراوة، راجت تجارة السلاح، خاصة أن ميدان الحرب هو المثلث الحدودي بين السودان وإثيوبيا وإرتيريا، أي منطقة حُمرا الإثيوبية المجاور لبلدة حمداييت السودانية وأُم حجر الإريترية".
وأوضح أن "ميدان الحرب الراهنة يتسم بالتداخل الديمغرافي الكثيف بين الدول الثلاث، فضلاً عن أهميته الاقتصادية (الزراعة وتجارة الحدود) والاستراتيجية الأمنية، فهي تخوم وعرة التضاريس ومفتوحة وتصعب السيطرة عليه.. إذا استمرت الحرب في ميدانها الحالي، ومع الأوضاع الهشة شرقي السودان، فسيكون الحصول على السلاح متاحاً للجميع".
يضيف: "إن علميات تهريب كبرى ستطال السلع الاستهلاكية الأساسية والوقود، فالحرب تحتاج دعماً لوجستياً لا يمكن توفره لإقليم تيغراي، الذي لا يملك موانئ ولا سواحل".
ويرى سليمان أن "الحكومة المركزية قطعت الإمدادات عن الإقليم، وإريتريا تميل إلى آبي أحمد، ولا منفذ لتمويل الحرب إلا عبر التهريب من السودان، الذي يعاني شحاً في هذه السلع، ما يهدد بارتفاع جنوني لأسعارها".
ودعا الحكومة السودانية إلى "التحرك سريعاً للعب دور إيجابي لإيقاف الحرب، خاصة أن علاقتها جيدة بكافة أطرافها، وإذا قدمت مبادرة للوساطة فستجد في الغالب ترحيباً إقليمياً ودولياً ومن طرفي النزاع".