تُعرف سلطنة عمان بسويسرا الشرق نسبة إلى دبلوماسية الحياد التي انتهجها سلطانها الراحل قابوس، لكن السلطان هيثم يواجه ظروفاً مختلفة للغاية ويسعى لإدخال إصلاحات عبّر البعض عن القلق منها، فما القصة؟
موقع Al-Monitor الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "خطط الإصلاح في عُمان تقلق الناشطين"، ألقى الضوء على تغير الظروف الاقتصادية في السلطنة بصورة تجبر السلطان الجديد على إدخال إصلاحات اقتصادية يخشى من تأثيراتها الاجتماعية.
ضريبة دخل للمرة الأولى
أعلنت سلطنة عُمان أنها تخطط لفرض ضريبة دخل على الأثرياء ابتداءً من عام 2022. هذا الإجراء، حال تنفيذه، سيمثل نقطة تحول في منطقة يعد الدخل المعفى من الضرائب فيها هو القاعدة. نقل موقع Al-Monitor الأمريكي عن الدبلوماسي الألماني يواكيم داستر الذي يتابع عن كثب شؤون الخليج منذ سبعينيات القرن الماضي، قوله: "عُمان تستيقظ على حقائق هذا العالم".
لكن الوقت يمر، ومن المتوقع إدخال ضريبة القيمة المضافة، تأخر تنفيذها لعدة مرات، بنسبة 5% في إبريل/نيسان 2021 نظراً لتعرض خزائن الحكومة لخطر المزيد من النضوب. فالبلاد في طريقها لتسجيل عامها السابع على التوالي في المنطقة الحمراء فيما يتعلق بسوء الحالة الاقتصادية، حيث من المتوقع أن يصل الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، أي 16 مرة أكثر من الرقم المسجل في 2014.
قال عبدالله باعبود، الأستاذ الزائر في جامعة واسيدا بطوكيو، لموقع Al-Monitor: "الطبقة الوسطى هي التي ستتضرر بشدة. وأعتقد أن الطبقة ذات الدخل المرتفع ستجد طرقاً للتهرب من ضريبة الدخل الشخصي".
في وقت لا يزال فيه الطلب العالمي على النفط غير مؤكد، تواصل الدولة الخليجية الاعتماد على مبيعات النفط في توفير نصف إيراداتها السنوية. تجدر الإشارة إلى أن السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، الذي أدى اليمين في 11 يناير/كانون الثاني 2020، ورث دولة تعاني من ضائقة مالية من سلفه السلطان قابوس المعروف بأنه "مؤسس عمان الحديثة".
أضاف داستر: "كان السلطان قابوس ينقل عمان إلى دولة ريعية، في حين أن مهمة هيثم هي إخراج البلاد من ذلك النهج". وأضاف أن جائحة فيروس كورونا ساعدت السلطان الجديد على حشد الدعم الشعبي، "ففي الأوقات العادية كان الناس سيحتجون على تلك الإجراءات".
"الجميع قلقون بشأن المستقبل"
للسيطرة على العجز العام، خفضت عُمان الإنفاق الحكومي بنسبة 10% هذا العام وخفضت الاستثمارات طويلة الأجل. ومع استمرار عدم وضوح تأثير انخفاض النفقات الرأسمالية على خطة الإصلاح التي تقودها الدولة المعروفة برؤية 2030، فإن البلاد تترقب حالة من عدم اليقين.
قال عمران العبري، طالب دراسات عليا "لا ينظر الشباب العاطل عن العمل إلى هذه الخطوة باعتبارها خطوة إيجابية لأنهم توقعوا المزيد من الإنفاق في القطاع العام، مما يعني المزيد من فرص العمل لهم". ويعمل حوالي 43% من العمانيين في الهيئات العامة، لكن بطالة الشباب متفشية.
بالإضافة إلى التقشف، تخطط عمان أيضاً لتبسيط إدارتها: استحوذ صندوق الثروة السيادية للبلاد على جميع الشركات المملوكة للدولة في يونيو/حزيران 2020 وأعلن عن إعادة هيكلة 15 مجلس إدارة. وكان السلطان هيثم بن طارق قد تعهد في وقت سابق بـ"مراجعة عمل الشركات الحكومية بهدف رفع مستوى أدائها".
وقالت منيرة البلوشي، خريجة العلوم السياسية "الجميع قلقون بشأن المستقبل، ولا يوجد مؤشر متفائل بوجود وظائف في السنوات القليلة المقبلة". وقالت لـAl-Monitor إن الحد الأدنى للأجور البالغ 850 دولاراً المقدم في سبتمبر/ أيلول للمواطنين العمانيين، بغض النظر عن مؤهلاتهم التعليمية "منخفض للغاية" مقارنة بتكلفة المعيشة، ولم ترد وزارة المالية العمانية على طلب للتعليق.
مع وجود القليل من الحلول في الأفق والتحديات الناتجة عن زيادة تكاليف سداد الديون، يتوقع المحللون أن يقدم جيران الخليج الدعم المالي. في الأسبوع الماضي، كشفت صحيفة Financial Times أن قطر قدمت مليار دولار دعماً مالياً لسلطنة عمان.
وقال باعبود عن السياسات الخارجية التي يقودها بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي "الأسلوب قد يتغير وليس الأساسيات"، جدير بالذكر أن وزير الخارجية الجديد حل محل الدبلوماسي المخضرم يوسف بن علوي بن عبدالله في أغسطس/آب 2020 خلال تعديل وزاري.
بينما تُصلح عُمان أجهزتها الحكومية، يشكك داستر في جاهزيتها، قائلاً: "هل لديهم المهارات والخبرة اللازمة لتنفيذ الإصلاحات؟"، وفي مايو/آيار 2020، أعلنت مسقط عن نيتها عدم تجديد عقد 70% من الموظفين الخبراء الأجانب في القطاع العام.
لا ضرائب بدون تمثيل للشعب
على عكس سلفه، الذي كان لديه القدرة المالية على تخصيص الموارد العامة لشراء السلام الاجتماعي، يواجه هيثم ضغوطاً لإشراك المواطنين في عمليات صنع القرار، وقال نشطاء إصلاحيون إن تطبيق الضرائب الجديدة يجب أن يُترجم إلى حق دافعي الضرائب في التعبير عن وجهات نظر انتقادية وتحدي السياسات العامة.
وتعتقد منيرة البلوشي أن مجلس الشورى العماني يمكن أن يكون قناة اتصال فعالة بين الدولة والمواطن، لكنها تشير إلى أن تلك الهيئة التشريعية لا تتمتع سوى "بسلطات محدودة" فقط.
ووفقاً لباعبود، تنخرط القيادة الجديدة في حوار مع المواطنين، لكن "التشاور لا يزال يقتصر على مقولة نحتاج منكم الدعم بدلاً من نحتاج إلى المناقشة".
ويخشى قادة الخليج من أن المواطنين الناشطين سياسياً يمكن أن يشكلوا تهديداً لاستقرار النخب الحاكمة ولطالما أيدوا الأنظمة الصارمة لتقييد حرية التعبير، ويعتقد نبهان الحنشي، مدير المركز العماني لحقوق الإنسان ومقره لندن، أن الإصلاحات الاقتصادية قد لا تترجم إلى تغيير في الثقافة السياسية.
وفي وقت سابق من هذا العام، زُعم أن سفارة عمان في لندن تواصلت مع الحنشي عبر قنوات غير رسمية وعرضت عليه "عودة آمنة" إلى مسقط مقابل وقف انتقاده لسياسات السلطنة. وقال الحنشي
لـ"Al-Monitor": "جرى توقيفي مرتين بسبب دفاعي عن حرية التعبير، لذا سيكون من السخف أن أعود وأغلق فمي"، ولم ترد سفارة عُمان في لندن على طلب للتعليق.
"دعوا الشباب يغضبوا ويصرخوا"
حاولت الأجهزة الأمنية الخليجية السيطرة على الشبكات الاجتماعية وتشكيل الخطاب العام على الإنترنت منذ الربيع العربي 2011، وفي عمان يتهم الحنشي وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان جهاز الأمن الداخلي بتشغيل شبكة من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الوهمية "للتحدث نيابة عن الحكومة" ومضايقة النشطاء المؤيدين للإصلاح.
بعد تغريدات "انتقدت الفساد ودعت إلى العدالة"، حُكم على عضو مجلس الشورى السابق سالم العوفي والصحفي عادل القصبي بالسجن لمدة عام في يونيو/حزيران 2020 بتهمة الإضرار بالنظام العام، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وتعتقد حبيبة الهنائي، ناشطة حقوقية عمانية منفية في ألمانيا، أن المسؤولين العمانيين يجب أن يكونوا أكثر تفهماً. وقالت لـ"Al-Monitor": "دعوا الشباب يعبر عن غضبه؛ دعوهم يصرخوا. لا أحد ينادي بإسقاط الحكومة، إنهم فقط يعبرون عن غضبهم وقلقهم بشأن المستقبل".