دخلت الانتخابات الأمريكية في مرحلة جديدة من الصراع بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه من البيت الأبيض صباح الأربعاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أنه اقترب من الفوز أو فاز بالفعل، متجاهلاً التصويت الذي تم عبر البريد.
وقال ترامب إنه قد يلجأ إلى المحكمة العليا للبت في الأمر إذا تأخر إعلان النتيجة النهائية للانتخابات عن صباح الأربعاء، الأمر الذي يراه كثير من المحللين مستحيلاً، نظراً لصعوبة فرز جميع الأصوات التي أرسلت بالبريد.
سياسة فرض الأمر الواقع
تصريح الرئيس الأمريكي في خطابه الذي يبدو "فرض أمر واقع" يفتح الباب أمام التساؤلات عن تخطيط ترامب منذ البداية للذهاب نحو هذا السيناريو، والذي يعني تحويل الأمر برمته إلى المحكمة العليا للبت في القصة على غرار ما حدث بين الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، والمرشح الديمقراطي آل جور عام 2000.
الانتخابات الأمريكية هذه المرة تبدو معقدة بشكل كبير، نظراً لدخول جائحة كورونا على خط الأزمة، وتباري كل مرشح في دفع ناخبيه إما بالتصويت عبر البريد كما طلب بايدن، أو الذهاب مباشرة إلى صناديق الاقتراع مباشرة كما فعل أنصار ترامب، وهذا الأمر فتح ثغرة كبيرة أمام حسم نتائج الانتخابات في يوم واحد، وهو ما قد يريد ترامب اللعب عليه.
في هذا التقرير سنرصد بعض الإجراءات التي قام بها ترامب من أجل الوصول إلى نقطة إما الفوز أو اللجوء إلى المحكمة العليا.
السيطرة على المحكمة العليا
يحظى ترامب بتأييد 6 أعضاء من المحكمة العليا مقابل 3 ليبراليين، وكان ترامب قد حقق انتصاراً كبيراً في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2020، بمصادقة مجلس الشيوخ على تعيين مرشّحته القاضية المحافظة إيمي كوني باريت عضواً في المحكمة العليا، وبالتالي تكريس هيمنة اليمين على أعلى هيئة قضائية في الولايات المتّحدة.
وقبل أن تتم مصادقة مجلس الشيوخ على تعيين المرشّحة إيمي كوني باريت، أثنى ترامب على ذلك واصفاً الحدث بأنّه "يوم تاريخي لأمريكا". وقال خلال مراسم أداء القاضية المحافظة قسم اليمين في حفل أقيم في حديقة البيت الأبيض وحضره جمع بينه عدد من البرلمانيين: "هذا يوم تاريخي لأمريكا ولدستور الولايات المتحدة ولحكم القانون العادل وغير المتحيّز".
وبمصادقة مجلس الشيوخ على تعيين باريت، صار بإمكان ترامب استغلال هذا الانتصار لمحاولة حسم الولايات المتأرجحة، وطرح محللون بالفعل أن تثبيت باريت وسيطرة الجمهوريين على أعلى سلطة قضائية في البلاد، قد يلعب دوراً مهماً في مجرى الأحداث، خاصة إذا خسر ترامب الانتخابات بفارق ضئيل وأراد الطعن في نتائج الانتخابات، وهو ما يلوح به ترامب الآن بالفعل.
رفض التصويت عبر البريد
كان بايدن قد نصح مؤيديه بالتصويت عبر البريد مبكراً بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا، في حين ظل ترامب يشكك بهذه الأصوات ويقول إنها تفتح باباً من التزوير الكبير، داعياً مؤيديه إلى التصويت المباشر يوم الثلاثاء عبر صناديق الاقتراع.
وكانت ترامب قد شن معركة لتقييد الاقتراع عبر البريد، باستخدام الدعاوى القضائية لمنع احتساب أصوات البطاقات المتأخّرة في الولايات المتأرجحة.
وبعد فشله في منع أيّ ولاية من إرسال البطاقات عبر البريد إلى الناخبين تلقائياً، حقق المحامون الجمهوريون تقدماً على صعيدٍ آخر، بتقييد موعد احتساب أصوات البطاقات. ففي ويسكونسن، عطّل القضاة الفيدراليون خطةً لفرز الأصوات التي تصل بعد 6 أيام من يوم الانتخابات. وفي نيوهامبشير رُفِضَت دعوى قضائية تدعو الولاية إلى احتساب أصوات البطاقات التي تصل متأخرة حتى 5 أيام، وفي جورجيا أسقطت محكمة استئناف تمديد مهلة البطاقات لثلاثة أيام.
في حين كان الديمقراطيون مدعومين ببعض مسؤولي الانتخابات، يضغطون من أجل تمديد مهلة الولايات بسبب المخاوف من أنّ خدمة البريد الأمريكية المتهالكة ستُكافح من أجل توصيل ملايين بطاقات الاقتراع الإضافية المتوقّعة في الموعد. بينما يُجادل الجمهوريون، دون الكثير من الأدلة، بأنّ إطالة فترة فرز الأصوات ستُؤدّي إلى التزوير وتمديد أمد الانتخابات الرئاسية بشكلٍ غير ضروري.
عرقلة خدمة البريد وتقييد تمويله
عارض ترامب تمويل خدمة البريد الأمريكية لأنها تعزز التصويت بالبريد الذي يزعم أنه سيكون لصالح الديمقراطيين. وقال ترامب للصحفيين في 13 أغسطس/آب الماضي، إنه رفض التوقيع على 25 مليار دولار قيمة تمويل طارئ لخدمة البريد أو 3.5 مليار دولار لأمن الانتخابات بسبب ارتفاع الأسعار.
وأضاف ترامب في مقابلة هاتفية مع شبكة "فوكس بيزنس" الإخبارية الأمريكية: "إنهم يريدون 3.5 مليار دولار لشيء سيتبين أنه احتيال. هذه أموال انتخابات في الأساس، إنهم بحاجة الآن إلى هذه الأموال من أجل تشغيل مكتب البريد حتى يمكن أخذ كل هذه الملايين من بطاقات الاقتراع".
وسبق أن اتهم معارضو ترامب الرئيس بتدمير خدمة البريد الأمريكية العامة ليجعل مستحيلاً التصويت بالمراسلة، إذ قد يساهم هذا التصويت بترجيح كفة خصمه بايدن.
وركزت حملة الانتخابات الرئاسية في أغسطس/آب الماضي على "الخدمة البريدية للولايات المتحدة" (يو إس بي إس) والإصلاحات التي يقوم بها مدير الهيئة الجديد لويس ديجوي وسط ضجة إعلامية كبيرة.
وتواجه الإصلاحات التي نفذها ديجوي انتقادات حادة ويشتبه بأنها تهدف في الواقع إلى منع التصويت بالمراسلة للانتخابات الرئاسية، مما دفع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر وغيرهما إلى دعوة ديجوي إلى جلسة استماع أمام لجنة الرقابة في مجلس النواب في 24 آب/أغسطس. وقالا في بيان إن ديجوي كان "من كبار المتبرعين لحملة ترامب، وقد تصرف كشريك في حملة الرئيس لتزوير الانتخابات، مطلقاً تغييرات جديدة شاملة تخفض من معايير تسليم" البريد.
لكن هيئة خدمة البريد قد أعلنت لاحقاً أنها "لا تتباطأ في توزيع البريد الانتخابي ولا أي بريد آخر"، مشيرة إلى وجود مشاكل مالية في المؤسسة. وتعاني خدمة البريد الأمريكية منذ 2008 من عجز ومن صعوبات مع ازدهار الإنترنت وتراجع حجم المراسلات. ويتحدث الجمهوريون منذ فترة طويلة عن خصخصتها.
التشكيك بنتائج الانتخابات ورفض تسليم السلطة
كان ترامب قد رفض سابقاً التعهد بنقل سلمي للسلطة في حال هزيمته في الانتخابات، متخذاً من خشيته "غير المبررة" من تزوير محتمل في آلية التصويت المعتمدة على بطاقات البريد، في ظل انتشار فيروس كورونا، حجة وتبريراً لموقفه الذي أثار مخاوف في أوساط أمريكية، ديمقراطية وجمهورية.
ترامب وفي معرض ردّه على سؤال بمؤتمر صحفي في البيت الأبيض في 23 من سبتمبر/أيلول الماضي، حول ما إذا كان يتعهد بالالتزام بأبسط قواعد الديمقراطية في الولايات المتحدة وهي النقل السلمي للسلطة، أجاب: "يجب أن نرى ما سيحصل"، حسب ما أفادت وكالة رويترز.