قصة”حزام الصدأ” الذي تسببت به الصين في قلب أمريكا، ولماذا قد يحسم الانتخابات؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/04 الساعة 00:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/04 الساعة 02:33 بتوقيت غرينتش
المرشج الديمقراطي جو بايدن/رويترز

أشعر بالأسف بسبب "المصانع الصدئة المنتشرة مثل شواهد القبور عبر المناظر الطبيعية لأمتنا"، كانت هذه الكلمات التي سبق أن قالها دونالد ترامب، جزءاً من سياسته في مغازلة مشاعر الناخبين بمنطقة أمريكية تعرف باسم حزام الصدأ.

وقد أثمرت سياسته، وبالفعل لعبت هذه المنطقة دوراً حاسماً في فوزه على هيلاري كلينتون في الانتخابات الماضية، فهل تنجح استراتيجيته مجدداً، أم أنه أضر سكان هذه المنطقة العريقة؟

واليوم تمثل منطثقة حزام الصدأ واحدة من أهم ساحات معركة الانتخابات الأمريكية، وخاصة ولاية بنسلفانيا التي يركز عليها بشكل كبير المرشح الديمقراطي.

و"حزام الصدأ" هو مصطلح غير رسمي لمنطقة شمال شرق الولايات المتحدة التي كانت تشهد تدهوراً صناعياً ابتداءً من عام 1980 تقريباً، وجاء اسمها من أن الصناعات الرئيسة بالمنطقة التي تتمحور حول الصلب قد صدأت، أي تدهورت.

يشير تعبير "حزام الصدأ" عموماً إلى الولايات الأمريكية حول منطقة البحيرات الكبرى بما في ذلك إلينوي وإنديانا وميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا ووست فيرجينيا وويسكونسن.

ويضم حزام الصدأ مدناً أمريكية كانت مشهورة بصناعات الصلب والفحم والسيارات وغيرها من الصناعات الثقيلة مثل سكرانتون (بنسلفانيا) ، وغاري (إنديانا) ، وديترويت (ميشيغان)، وهي الأسماء التي ارتبطت بالتدهور الصناعي وفقدان السكان والبؤس البشري المصاحب لذلك على مدى نصف القرن الماضي.

منطقة حزام الصدأ تشمل أجزاء كبيرة من منطقة ساحل الأطلنطي الأوسط الملونة بالأحمر ومنطقة البحيرات العظمى الملونة بالبرتقالي/wikipedia

وتتراجع الصناعة في المنطقة، التي كانت تُعرف سابقاً باسم القلب الصناعي لأمريكا، منذ منتصف القرن العشرين بسبب مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية، مثل نقل التصنيع إلى الخارج، وزيادة الأتمتة، وتراجع الولايات المتحدة في مجال صناعات الصلب والفحم. 

وفي حين أن بعض المدن والبلدات والمجتمعات تمكنت من التكيف بنجاح من خلال تنويع أو تحويل اقتصاداتها وتحويل التركيز نحو قطاعات مثل الخدمات والتصنيع المتقدم والصناعات ذات التقنية العالية، وما إلى ذلك، فإن البعض الآخر لم يحقق نجاحاً جيداً، حيث يعاني من ضائقة اقتصادية الفقر ونتيجة لذلك تناقص عدد السكان.

دور الصين في تدهور حزام الصدأ

تسارع هذا التراجع في الثمانينيات من القرن الماضي مع قدر كبير من التصنيع الآلي والوظائف الملغاة، وتحويل الولايات المتحدة الموارد من الصناعة إلى الخدمات، تاركةً العديد من المصانع المهجورة تعاني من "الصدأ".

نعم ازدهرت كاليفورنيا من ثورة التكنولوجيا، والجنوب الأمريكي من الصناعات التي انتقلت بحثاً عن الأيدي العاملة الرخيصة، لكن منطقة حزام الصدأ هي الأكثر تضرراً من التحول الاقتصادي الأمريكي العظيم الذي جرى خلال العقود الماضية.

ما تبقى من الصناعة في هذه المنطقة تم تفريغه بعد ذلك بسبب "صدمة الصين" في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما دخلت الصين شبكات التجارة التصنيعية العالمية على نطاق واسع، وبدأت بإفراط في إنتاج الصلب مع انخفاض الطلب في الأسواق العالمية.

منذ ثمانينيات القرن الماضي، كرّس المرشحون للرئاسة الكثير من وقتهم للمخاوف الاقتصادية لمنطقة حزام الصدأ، التي تضم ولايات متأرجحة مكتظة بالسكان في بنسلفانيا وأوهايو وميشيغان.

ترامب يفوز بفضل "الصدأ"

جعل ترامب محنة حزام الصدأ سمة أساسية في حملته عام 2016، وقدم وعوداً باهظة لإحياء إنتاج الصلب الأمريكي وتنشيط التصنيع المحلي وإعادة الوظائف.

كان هذا، إلى حد كبير، حساباً انتخابياً.

ويحتوي حزام الصدأ على بعض "الدول المتأرجحة" المهمة -الولايات التي تتأرجح تقليدياً بين الحزبين الرئيسيين- مثل بنسلفانيا وأوهايو وميشيغان.

تقليدياً كانت هذه الولايات معاقل للديمقراطيين؛ لأنها تضم أعداداً كبيرة من العمال البيض، الذين كانوا يصوتون للحزب الديمقراطي الذي نشأ أصلاً باعتباره حزب المزارعين والعمال البيض، بينما الحزب الجمهوري حزب الشركات الكبيرة.

ولكن اليوم تحول الحزب الديمقراطي لحزب الأقليات، والموظفين البيض الجامعيين الليبراليين.

عمد فريق ترامب في الانتخابات الماضية إلى جذب ناخبي حزام الصدأ من ذوي الياقات الزرقاء (العمال) بعيداً عن ولائهم التقليدي للديمقراطيين.

ونجحت الاستراتيجية، واستطاع ترامب تحويل ولاء ولايات بنسلفانيا وأوهايو وميشيغان من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري.

واليوم ما زالت هذه الولايات ساحة للمعركة الرئيسة في الانتخابات الأمريكية، خاصة بنسلفانيا.

 ولكن ماذا فعل دونالد ترامب لحزام الصدأ؟

كانت الحمائية أمام الواردات الخارجية إحدى السياسات الاقتصادية الأساسية لترامب على مدى العامين الماضيين.

فقد فرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب من الصين وأوروبا أيضاً في عام 2018، مدعياً أن هذا سيساعد منتجي الصلب المحليين من خلال تقليل المنافسة من الواردات، حسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.

وبالفعل انخفض حجم واردات أمريكا من الصلب، ولكن كانت هناك أدلة قليلة على أي مكاسب من ذلك بالنسبة لصناعة الصلب المحلية والعاملين فيها، وفقاً لتقرير الصحيفة البريطانية.

كان مستوى التوظيف في صناعة الصلب في ولايات حزام الصدأ ثابتاً إلى حد كبير حتى قبل أن تضرب جائحة فيروس كورونا الاقتصاد الأمريكي.

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الصلب في مارس/آذار 2018، ما ساعد هوامش ربح المنتجين المحليين، فإنها ظلت تنخفض في معظم الفترة منذ ذلك الحين.

سعر سهم يو إس ستيل، أحد أكبر أصحاب العمل والمنتجين على المستوى الأمريكي، هو الآن أقل مما كان عليه عندما تم انتخاب ترامب، ومتوسط أسعار الأسهم  في البورصة بات أعلى منه.

ترامب فرض تعريفات جمركية على الصين/رويترز

علاوةً على ذلك، يبدو أن الارتفاع الأولي في أسعار الصلب المحلية الناتج عن تلك التعريفات الجمركية على الواردات يضر بالمستهلكين الصناعيين للصلب في حزام الصدأ (المصنعون الآخرون) أكثر مما ساعد منتجي الصلب.

ويشير أحد التحليلات إلى أن التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم أدت إلى فقدان 75 ألف وظيفة على الأقل في الصناعات الأمريكية المستهلكة للمعادن بحلول نهاية عام 2019.

وارتفعت تكاليف شركات تصنيع السيارات مثل فورد وجنرال موتورز، ما دفعها إلى التخلي عن الوظائف. 

في العام الماضي، أغلقت جنرال موتورز مصنع شيفروليه في لوردستاون في ولاية أوهايو، متخلية عن آخر 1500 وظيفة.

انخفض عدد الوظائف في صناعة السيارات في ميشيغان، قلب الصناعة الأمريكية، بحوالي 4000 إلى 36000 بين بداية عام 2017 وأيلول/سبتمبر 2020.

كما شهدت وظائف التصنيع الأوسع نطاقاً في هذه الولايات ركوداً بين عامي 2017 و2019.

بدت الدعوات الموجهة إلى الناس "لشراء المنتجات الأمريكية" ذات تأثير ضئيل.

ثم جاء الوباء فارتفعت معدلات البطالة الإجمالية في بعض ولايات حزام الصدأ، مثل ميشيغان وأوهايو، بسرعة أكبر من أي مكان آخر في الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام.

كانت سياسة ترامب الأخرى هي ممارسة الضغط على الشركات الأمريكية لزيادة الاستثمار محلياً.

كانت هناك موجة من الإعلانات في وقت مبكر من رئاسة ترامب عن توسع المصانع أو إعادة توزيع الشركات للإنتاج. لكن تدفق الإعلانات جفّ.

أصر بيتر نافارو، المستشار الاقتصادي لترامب، في العام الماضي على أن "مليارات الدولارات يتم استثمارها في مصانع ومسابك جديدة أو متجددة في جميع أنحاء أمريكا".

وزعم ترامب نفسه في يونيو/حزيران 2019 أنه "لدينا الآن العديد من مصانع السيارات التي يتم بناؤها في جميع أنحاء الولايات المتحدة".

ومع ذلك، لم يكن هناك دليل إحصائي على ازدهار الاستثمار في دول حزام الصدأ، سواء السيارات أو غير ذلك، قبل الوباء، وبالتأكيد لم يحدث ذلك الآن، حسب الصحيفة البريطانية.

انخفضت معدلات الفقر في ولايات حزام الصدأ بين عامي 2017 و2019 وفقاً لمكتب الإحصاء الأمريكي، على الرغم من أن هذه الانخفاضات كانت متوافقة إلى حد كبير مع المتوسط ​​في مجمل الولايات المتحدة.

وذهب الجزء الأكبر من المكاسب من تخفيضات ترامب الضريبية لعام 2017 إلى الأثرياء، وليس العمال ذوي الياقات الزرقاء في حزام الصدأ.

كان تأثير سياسات ترامب على حزام الصدأ الأمريكي على نطاق واسع هو ما توقعه الاقتصاديون عندما بدأ الحديث عن المزايا الاقتصادية للحمائية في عام 2016.

وهذا يعني أن ضرره أكثر من نفعه بشكل عام. وحتى تلك القطاعات التي استفادت في البداية، لم يستمر التعزيز.

منطقة حزام الصدأ قد تحسم الانتخابات الأمريكية.. فهل سيصوتون لترامب مجدداً؟

العديد من الناخبين الذين صوتوا لترامب في المنطقة لا يزالوا موالين له، ومع ذلك، فإن الدعم له يتراجع في هذه الولايات هذا العام، والوباء سبب كبير لذلك. تظهر بيانات استطلاعات الرأي أن سباق 2020 أصبح بشكل متزايد استفتاءً على تعامل الرئيس مع COVID-19، حسب لصحيفة The Independent البريطانية.

تُظهر استطلاعات الرأي في ولايات بنسلفانيا وأوهايو وميشيغان وويسكونسن التي كانت أرض المعركة أن الناخبين هناك أيضاً يعتقدون أن بايدن هو المرشح الأفضل لقيادة مكافحة فيروس كورونا.

تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها رويترز/ إبسوس وآخرون أن بايدن ينافس بترامب في أوهايو ويتقدم في بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، وإن كان بهوامش أضيق من تقدم بايدن المكون من رقمين على الصعيد الوطني.

أحب العديد من السكان بحزام الصدأ فلسفة التجارة الحمائية لترامب، والدفاع القوي عن حقوق السلاح، والموقف المتشدد من الهجرة. لقد ساعدوا ترامب في الفوز.

ولكن يبدو أن COVID-19 عامل محبط بالنسبة لترامب، فقد كشفت مقابلات رويترز مع أكثر من 50 ناخباً في مقاطعتي ترمبل ونورثهامبتون عن إحباط عميق من ترامب بسبب التقليل من أهمية المرض، وفشله في ارتداء الأقنعة باستمرار وتشجيع جميع الأمريكيين على فعل الشيء نفسه.

المنطقة منقسمة

العديد من المقاطعات بمنطقة حزام الصدأ ممزقة بسبب هذه الانتخابات، اليوم، تميل المراكز الحضرية للديمقراطيين بينما تميل المزارع والمصانع المحيطة بمراكز المدن إلى ترامب، في إحدى هذه المناطق الريفية أحصى مراسل لرويترز، وهو يقود سيارته عبر الطرق المتعرجة في بداية هذا الشهر، 77 لافتة لحملة ترامب، مقابل 24 فقط لبايدن.

يظهر ذلك في مهاجمة ترامب للتصويت في فيلادلفيا أكبر مدن ولاية بنسلفانيا التي يوقع أن تصوت لبايدن، حتى أن المدينة أعلنت أنها سوف تفرز الأصوات على الهواء مباشرة، في المقابل فإن ترامب عندما أقام مهرجاناً ببنسلفانيا، اختار منطقة ريفية وليس فيلادلفيا.

يبدو أن بايدن حقق نجاحات كبيرة بين الناخبين الأكبر سناً (الذين هم تقليدياً أميل لترامب والجمهوريين).

ولكن في بعض المناطق فإن التخوف من تشجيع بايدن للإقفال يجعله يخسر أصواتاً أيضاً، تقول شونا بلاند (45 سنة صاحبة مطعم) إنها صوتت لأوباما في عامي 2008 و2012، ثم انشقّت عن الديمقراطيين ودعمت ترامب في عام 2016. وهي تخطط للتصويت له مرة أخرى.

وقال بلاند: "ربما يجب على الأشخاص الذين يعانون من ظروف البقاء في منازلهم، لكن يجب أن يكون البقية منا أحراراً في ممارسة حياتنا، وترامب يفهم ذلك".

ولكن في المقابل تقول ووجتشياك، الجمهورية الساخطة، إنها تخطط الآن للتصويت للديمقراطيين مدى الحياة. إنها تشجع ابنها المراهق ماكس ماتلاك على التصويت للحزب الديمقراطي أيضاً.

تحميل المزيد