لم تكن الطائرات المسيرة قد تم اختراعها بعد أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن ألمانيا كانت قد اخترعت طائرة أقرب ما يكون للطائرة بدون طيار، فكيف استغلت أمريكا الفكرة لمحاولة قتل هتلر ولاحقاً لاختراع المسيرات القاتلة؟
تفوق ألماني كاسح في الأسلحة بأنواعها
طوال مدة الحرب العالمية الثانية التي استمرت ست سنوات (1939- 1945)، كانت ألمانيا النازية بزعامة أدولف هتلر تتمتع بتفوق كاسح في مجال الأسلحة على أمريكا وبريطانيا؛ فالألمان هم أول من اخترع واختبر القنبلة الطائرة والصاروخ الباليستي والقنبلة المنزلقة وسلسلة كاملة من المقاتلات النفاثة، كما أن الدبابات الألمانية كانت أكثر تفوقاً في جميع النواحي من نظيراتها الأمريكية.
السباق الوحيد الذي تفوقت فيه أمريكا وبريطانيا كان السباق الذري، حيث كان العلماء الألمان متأخرين عن نظرائهم هناك في السعي نحو تحقيق الانشطار الذري ومن ثم تصنيع القنبلة الذرية، والتي حسمت الحرب بالفعل بعد أن استخدمها الأمريكيون ضد اليابان لإجبارها على الاستسلام.
تقنية مسيرات ألمانية
وكان أول ظهور للمسيرات الألمانية أو تلك القنبلة المنزلقة التي يتم التحكم بها لاسلكياً وتسمى Fritz X يوم 9 سبتمبر/أيلول 1943 حينما فوجئت السفن الحربية للحلفاء التي قامت بإنزال القوات البرية على شواطئ ساليرنو في إيطاليا بتلك التقنية القاتلة تهبط عليهم من السماء.
وكان ذلك السلاح الطائر عبارة جسم طائرة صغيرة لها أربع أجنحة ويبلغ طولها 11 قدماً فقط وتحمل متفجرات تزن 705 باوند داخل رأس حربي يخترق الدروع وله مدى تشغيلي لا يزيد عن 3 أميال وتصل سرعته إلى 770 ميلاً في الساعة، أي أنه أسرع من أي طائرة في ذلك الوقت، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وفي صباح يوم 13 سبتمبر/أيلول من نفس العام، أطلقت طائرة مقاتلة ألمانية السلاح نفسه – Fritz X – من ارتفاع 18700 قدم نحو السفينة الحربية يو إس إس سافانا، وحاول بحارتها إسقاط الصاروخ المندفع نحوهم بسرعة جنونية من السماء لكنهم فشلوا، فاخترق الصاروخ المسير فوهة المدفع العملاق على سطح السفينة واندفع حتى أسفلها وانفجر ليقتل 197 بحاراً ويصيب 15 آخرين، ولولا الحظ الجيد وشجاعة من تبقى من طاقم السفينة لغرقت قبل أن تصل لأحد موانئ مالطا.
تكررت تلك الهجمات في نفس اليوم (13 سبتمبر/أيلول) بنفس السلاح الفتاك وبصورة شبه متزامنة؛ فأصيبت الفرقاطة البريطانية إتش إم إس يوغاندا بعد ظهر اليوم نفسه كما تعرضت سفينتا شحن لهجومين آخرين، وأفلتت الفرقاطة الأمريكية يو إس إس فيلادلفيا بأعجوبة من تلك الصواريخ الألمانية، وبعدها بثلاثة أيام أصيبت فرقاطة بريطانية بنفس السلاح وكادت تغرق بالكامل.
فوجئت الولايات المتحدة وحلفاؤها بذلك السلاح الألماني الذي جعل السماء غير آمنة للقوات الجوية أو البحرية، وأصبح التفوق النازي في مجال تكنولوجيا الطائرات بدون طيار مقلقاً للغاية، وهذا ما جعل الأمريكيين يفكرون في طريقة لضرب أهداف حصينة بنفس الطريقة؛ أي توجيه حمولة ضخمة من المتفجرات التقليدية نحو تلك الأهداف بدقة، وكان السؤال: كيف؟ فقد كان هناك طريقة توجيه الطائرات المقاتلة نحو أهدافها في وضح النهار، لكنها كانت طريقة مكلفة للغاية على مستوى الطيارين والطائرات.
ماذا لو…؟ نعم، ولكن كيف؟
وفي واشنطن اقترح أحد الضباط تعبئة مقاتلة طائرة بالمتفجرات والتحكم فيها لاسلكياً أو بأي طريقة أخرى – في حدود التقنية المتوفرة وقتها – وتوجيهها نحو الهدف مباشرة. بدت الفكرة جيدة، خصوصاً في ظل فقدان أمريكا وبريطانيا أعداداً كبيرة من الطيارين والطائرات التي تنفذ هجمات فوق أراضي العدو، لكن كان السؤال: كيف؟
وبدأ المهندسون العسكريون في محاولة تنفيذ الفكرة لكنهم اصطدموا بالواقع مباشرة، الفكرة مستحيلة تقريباً – بحسب تقنيات ذلك الوقت – حيث إنه لا يمكن أن تقلع طائرة حربية عن طريق التحكم الآلي، ومن ثَمَّ تم تطوير الفكرة على أن يتم تسليح طائرة مقاتلة من طراز B-17 أو B-24 بالكامل ثم يقلع بها الطيار ومساعده بشكل طبيعي حتى تستقر في الجو ويتم تحديد إحداثيات الهدف المراد تحطيمه ومن ثم يقفز الطيار ومساعده من الطائرة باستخدام المظلات، وتتولى أجهزة الرقابة الأرضية توجيه الطائرة حتى وصولها للهدف وتدميره.
وبدأ بالفعل سلاح الجو الأمريكي تجربة الفكرة لأول مرة في 4 أغسطس/آب 1944 بعد أن تم تحديد أنواع الأهداف التي سيتم استهدافها إذا ما نجحت التجربة، وكانت قائمة تلك الأهداف النازية تشمل مقر إقامة أدولف هتلر الحصين تحت الأرض، ومواقع إطلاق الصواريخ الباليستية ومرابض الغواصات، وأطلقوا على العملية اسم أفروديت.
وتم تسليح مقاتلات B-17 بعد تعديلها لتحمل 12 ألف باوند من متفجرات تروبيكس التي كانت تستخدم في القنابل الجوية والطوربيدات البحرية وتزيد قوة تفجيرها على مادة التي إن تي بـ50%، وأجري الاختبار الأول من خلال قاعدة فيرسفيلد الجوية البريطانية مقر مجموعة القاذفات 38 شمال شرق لندن، لكن التجربة كانت فاشلة، فالطائرة الأولى ارتفعت في الجو وقفز منها الطيار ومساعده بأمان لكن الطائرة ارتطمت بالأرض محدثة انفجاراً هائلاً قرب أوكسفورد، والأمر كان أسوأ مع الطائرة الثانية، حيث مات الطيار، لأنه قفز من الطائرة قبل الوقت المحدد وانفجرت الطائرة نفسه بسبب مشاكل في التحكم فيها لاسلكياً.
وتكررت محاولات إنجاح التجربة دون أن تحقق الغرض منها كاملاً، فلم يتم اغتيال هتلر من خلال عملية أفروديت وإن حققت بعض تجاربها نجاحات شبه مقبولة، لكن الشاهد هنا هو أن تلك التقنية تطورت بشكل مذهل لاحقاً وأصبحت الطائرات المسيَّرة من أكثر الأسلحة التي يتم الاعتماد عليها في العمليات العسكرية الحديثة، وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا من أول الدول الكبرى تطويراً لذلك السلاح الفتاك.