يعوِّل القادة الفلسطينيون على هزيمة دونالد ترامب يوم الثلاثاء المقبل، ولا يريدون حتى التفكير في خطةٍ بديلة، واثقين أن سياسات جون بايدن تجاه الفلسطينيين ستكون أفضل في كل الأحوال.
ومن شأن انتهاء إدارة ترامب أن يمنح الرئيس الفلسطيني محمود عباس فرصةً لحفظ ماء الوجه من أجل عَكس الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تُستَخدَم لمعاقبة شعبه لشهور، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
توقَّف عباس في احتجاجٍ مرير عن قبول الضرائب التي تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات، والتي تجمعها إسرائيل نيابةً عن السلطة الفلسطينية. وقد أدَّى ذلك إلى تخفيضاتٍ قاسية في رواتب عشرات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية.
سياسات جو بايدن تجاه الفلسطينيين
نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن أوضح أنه يعارض الضمَّ الإسرائيلي للأراضي التي يريدها الفلسطينيون لدولتهم المستقبلية، وقالت إسرائيل إنها لن تمضي قُدُماً في الضمِّ دون دعم الولايات المتحدة.
وقال جهاد حرب، المُحلِّل السياسي الفلسطيني في رام الله، إن فوز بايدن سيوفِّر لعباس "سلماً ينزل به من الشجرة"، إذ يمكنه حينها إعلان انتهاء الضمِّ والعودة لقبول التحويلات الضريبية.
ويتطلَّع الفلسطينيون، مع عزلهم دبلوماسياً ونفاد أموالهم، ومع الانقسامات الأيديولوجية الداخلية، علاوة على التهديدات الجديدة مثل تلك التي يفرضها فيروس كورونا المُستجَد، إلى انتخابات يوم الثلاثاء بشكلٍ يائسٍ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، من أجل الحصول على تغييرٍ في واشنطن. وفي الوقت نفسه يتطلَّع كبار أعضاء حركة فتح، التي يتزعَّمها عباس، بصورةٍ متزايدةٍ إلى خروجه في نهاية المطاف من الصدارة وتهيئة أنفسهم لخلافته.
قد يعيد المساعدات المالية، ولكن هل يلغي نقل السفارة الأمريكية للقدس؟
وفي المقام الأول، يعتمد عباس (84 عاماً)، ومساعدوه على أن يصبح بايدن رئيساً من أجل تنحية خطة إدارة ترامب المؤيِّدة لإسرائيل للتوصُّل إلى حلٍّ للنزاع. ويتوقَّعون عودة دعم الولايات المتحدة لحلِّ الدولتين الذي يعتبره الفلسطينيون قابلاً للإحياء من جديد. ويأمل الفلسطينيون أن يذوب الجليد مع البيت الأبيض، ويرغبون في إعادة بعض المساعدات المالية على الأقل.
ومع ذلك، سيكون التراجع عن الخطوات الأخيرة من قِبَلِ ترامب أعقد، مثل إعادة فتح بعثة دبلوماسية فلسطينية في واشنطن. واستبعد بايدن بالفعل إلغاء نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس من تل أبيب.
ولا يرى الفلسطينيون خياراتٍ جيِّدة في حالة فوز ترامب بولايةٍ ثانية.
تعهَّدَ مسؤولو إدارة ترامب بالضغط في فترة الولاية الثانية من أجل جعل خطتهم الخاصة بالشرق الأوسط، والتي تنص على ضمِّ إسرائيل لجزءٍ كبيرٍ من الضفة الغربية، أساساً لحلِّ الصراع الممتد منذ عقود من الزمن. ووعدوا بإتمام المزيد من صفقات التطبيع بين إسرائيل ودولٍ عربية، مثل تلك التي أُبرِمَت مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، والتي مزَّقَت التضامن العربي المستمر منذ عقود، والذي دَعَمَ الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية التي تتلخَّص في: لا اعتراف بإسرائيل قبل إنشاء دولة فلسطينية.
المحيطون بعباس يتلهفون لوراثته
ولكن إذا كان عباس ينتظر بفارغ الصبر ليرى ما إذا كان ترامب سيغادر منصبه فإن كلَّ من حوله تقريباً يتطلَّع إلى اليوم التالي لخروجه هو نفسه.
قال غيث العمري، المستشار السابق لعباس: "السفينة تغرق والجميع يتقاتلون على مقصورة الدرجة الأولى".
ويقول الأشخاص المحيطون بعباس إنه أصبح خائفاً من أن الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهم الجدد في العالم العربي قد يخطِّطون لبديل -وهو القلق الذي أُثيرَ من جديد في مقابلةٍ أُجرِيَت مؤخَّراً مع الأمير بندر بن سلطان، الدبلوماسي ورئيس الاستخبارات العامة السابق في التلفزيون السعودي.
وقال الأمير بندر، في إشارةٍ إلى القيادة الفلسطينية: "مع هؤلاء الناس من الصعب الوثوق أو الاعتقاد أنك تستطيع فعل شيء لخدمة الفلسطينيين".
وكما يقول العديد من المُحلِّلين، قد يضطر عباس في نهاية المطاف إلى إعادة التعامل مع إدارة ترامب بنوعٍ من الغطاء الدبلوماسي لحفظ ماء الوجه، مثل أن تتدخَّل مؤسسةٌ مُتعدِّدة الأطراف. وفي الوقت الحالي حاوَلَ على الأقل أن يحافظ على أن يظهر بأن لديه خياراتٍ أخرى.
فجأة أصبح عباس منبوذاً بين حلفائه العرب التقليديين في مصر والخليج، وسعى إلى إرسال رسالةٍ لهم -وإن كانت تلك قد قبلها قليلون في ظاهرها- من خلال مغازلة تركيا وقطر، المتنافستين الإقليميَّتين والأيديولوجيَّتين لدولة الإمارات والسعودية ومصر.
أحيا عباس فكرة المصالحة مع حماس، الجماعة الإسلامية المسلحة التي تحكم قطاع غزة. ووعَدَ بالدعوة إلى انتخاباتٍ جديدة في كلٍّ من الضفة الغربية وغزة، كوسيلةٍ لإعادة توحيد الفلسطينيين وتجديد شرعيته وعرقلة أيِّ جهودٍ لإطاحته.
لكن قلةً منهم فقط هي التي تعتبر هذه خياراتٍ جادة. لا يثق عباس في حماس، المتحالفة مع قطر وتركيا، ويخشى أن تحظى بالسيطرة على الضفة الغربية في انتخاباتٍ جديدة.
قال معين رباني، الخبير في الشؤون السياسية الفلسطينية، واصفاً ما يعتقد أنها النتيجة النهائية للوحدة التي يسعى إليها عباس ومحاولة إجراء الانتخابات: "هواء حار".
ورغم صعوبة تصديقه الآن، كان عباس متفائلاً تماماً بشأن إدارة ترامب في الأشهر القليلة الأولى لها، حين فاجأ الرئيس الجديد آنذاك الكثيرين في المنطقة بإعرابه عن اهتمامه بتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكلٍ نهائي.
لكن هذه الآمال سرعان ما تبدَّدَت، وأصبحت معاملة الإدارة للفلسطينيين كابوساً لخفض المساعدات والإهانات المتواصلة.
وفي قلب المواقف الأمريكية القديمة بشأن القدس واللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات، علاوة على جوانب أخرى مثيرة للجدل في الصراع، بدت الإدارة الأمريكية وكأنها تبذل قصارى جهدها للوقوف إلى جانب إسرائيل وتقويض الفلسطينيين، ما أثار حفيظة عباس وأضعف سلطته وعَزَلَه دبلوماسياً.
ولكن حتى إذا انتُخِبَ بايدن، فسيكون من الصعب التراجع عن الكثير مِمَّا فعله ترامب.
الكونغرس سيُعرقل أي إصلاحات محتملة لبايدن
إن السماح بإعادة فتح البعثة الدبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، أو استعادة الكثير من المساعدات للمشاريع التي أفادت السلطة الفلسطينية بشكلٍ مباشر، سيتطلَّب من بايدن التغلُّب على عددٍ من العقبات القانونية، التي قد يستلزم بعضها موافقة الكونغرس.
إما إعادة إنشاء قنصلية الولايات المتحدة في القدس، والتي كانت حتى العام 2019 بمثابة البعثة الدبلوماسية الأمريكية للفلسطينيين، فهي تتطلَّب إذناً من إسرائيل، وهو أمرٌ قد لا يُمنَح سريعاً في مدينةٍ اعترف بها ترامب رسمياً بأنها عاصمة إسرائيل.
قالت لارا فريدمان، رئيسة مؤسَّسة السلام في الشرق الأوسط والخبيرة في دور الكونغرس في المنطقة: "كلُّ هذا ممكن، لكنه سيتطلَّب جهوداً سياسية كبيرة".
ما قد يتمناه عباس أكثر من غيره هو أن يمنح بايدن الأولوية للقضية الفلسطينية، وأن يضغط على إسرائيل لتقديم تنازلاتٍ، وحتى إعادة سفارة الولايات المتحدة إلى تل أبيب من القدس، وكلُّ هذا يبدو بعيد الاحتمال في أحسن الأحوال.
أوضح بايدن أن لديه العديد من الأولويات العليا، بدءاً من مواجهة جائحة فيروس كورونا المُستجد. وأشار إلى أنه لا يريد الصدام مع الحكومة الإسرائيلية. وقال رباني: "فكرة أن كلَّ شيءٍ سيعود إلى ما كان عليه من قبل هي إلى حدٍّ ما قصةٌ خيالية".